تشكّل اليمن بوابة العبور للمهاجرين الأفارقة الهاربين من جحيم الفقر في بلدانهم نحو بلدان الخليج الغنية. وهذا الطريق الممتد من الشواطئ الجنوبية للبلاد وصولًا إلى الحدود اليمنية - السعودية، ليس الممر الذي يفصل المهاجرين عن الفردوس المنشود.
يرصد "ترانزيت الجحيم" ما يتعرض له المهاجرون في اليمن من انتهاكات مروعة، وصدر التقرير مؤخرًا عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان. معتمدًا على أبحاث ميدانية نفذها فريق الباحثين الميدانيين والمركزيين للمنظمة، عبر تجميع شهادات للضحايا وبعض شهود العيان، ومراجعتها والتدقيق فيها.
يلقي التقرير الضوء على المعاناة التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة في اليمن. ويهدف إلى نقل صورة حقيقية عن حجم المعاناة التي يواجهها المهاجرون، ونقل مأساتهم وإيصال أصواتهم. بالإضافة إلى تعرية أطراف النزاع في اليمن وفضح انتهاكاتهم.
يتجمع المهاجرون على الشواطئ الصومالية والجيبوتية، حيث يكدسهم المهرِّبون وسط قوارب صغيرة، للإبحار نحو اليمن، وبطريقة تفتقر لأدنى معايير السلامة. ويحدث أن يقوم المهربون بإلقاء العشرات وسط البحر.
قالت مهاجرة صومالية لمواطنة، إنها تعرضت للتحرش المستمر من الرجال وسط القارب، دون أن تجرؤ على الاعتراض، خوفًا أن يلقيها المهربون إلى البحر. وتستمر رحلة الفزع في أجواء نتنة، حيث يتبول الجميع فوق أنفسهم. وما أن تطأ أقدامهم اليابسة تبدأ رحلة الجحيم.
أكد مهاجر أثيوبي (52 عامًا)، لمواطنة: "تتم معاملتنا على أننا عبيد لا قيمة لنا، ألاحظ ذلك يوميًّا وأشعر به حتى من المجتمع اليمني نفسه".
ويضطر المهاجرون إلى عبور مسافات طويلة بأقدامهم، وسط الحر دون مؤونة أو نقود كافية. ويلجأ كثير منهم للعمل بأجور زهيدة وشروط مجحفة، ويكونون عرضة للاستغلال من عصابات التهريب والمجتمع المضيف.
ورغم قيام منظمات دولية بتقديم مساعدات للمهاجرين، فإنها غير قادرة على تغطية كافة الاحتياجات. بينما قامت جماعة الحوثي بمنع نشاط منظمة الهجرة الدولية في محافظة صعدة ومناطق سيطرتها.
وقالت مهاجرة إثيوبية (44 عامًا) لمواطنة، إنها لم تتلقَّ أي مساعدة خلال رحلتها إلى اليمن، لا برًّا ولا بحرًا. ويجازف المهاجرون بحياتهم بحثًا عن حياة أفضل. لكن ينتظرهم مصير أسوأ من الواقع المرير لهم في بلدانهم.
ويستند التقرير في نتائجه إلى 155 مقابلة أجرتها منظمة مواطنة مع الضحايا وأقاربهم وشهود عيان والعاملين الصحيين. وثقت من خلالها 112 واقعة انتهاك ضد المهاجرين، 40 من الانتهاكات مسؤولة عنها قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، بينها 36 واقعة انتهاك ارتكبها حرس الحدود السعودي. فيما ارتكبت جماعة الحوثي 32 انتهاكًا، ووثقت مواطنة 10 انتهاكات مسؤول عنها المجلس الانتقالي، و6 انتهاكات ارتكبتها قوات تابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، بينما ارتكبت عصابات التهريب 24 انتهاكًا.
ويؤكد التقرير أنّ ما تم استعراضه من الانتهاكات، يمثل النماذج التي توصلت لها مواطنة، ولا تغطي كافة الانتهاكات الفعلية بحق المهاجرين، التي تُعدّ أكثر بكثير.
ويقضي المهاجرون فترات طويلة وعصيبة، عالقين في اليمن، تتفاوت بين عام أو عامين، وربما بضعة أعوام. وتختلف الأسباب وراء ذلك، إما لنفاد المال نتيجة الابتزاز وتعرضهم للسرقة، أو للتجنيد الإجباري، أو لترحيلهم قسرًا من حيث أتوا.
قالت مهاجرة إثيوبية (20 عامًا)، لمواطنة إنها تعرضت للاختطاف من قبل عصابات التهريب في منطقة رأس العارة بلحج، وتناوب على اغتصابها مهربون يمنيون وإثيوبيون طوال خمسة أشهر.
لكنهم أطلقوا سراحها بعد أن أجبروا والدها على تحويل 200 ألف بر إثيوبي. وفي عدن اكتشفت أنها حامل بطفل، لا تعرف من هو والده.
على صعيد آخر، تعرضت صومالية للاغتصاب في منطقة البساتين، بعد اعتقالها من قبل جنديين في شرطة البساتين في عدن.
وتتبع جميع الأطراف المُنتهِكة نفس الوسائل والآليات ضد المهاجرين. فعلى طول الطريق يتعرض المهاجرون لكل أشكال انتهاكات أطراف النزاع، مثل الاحتجاز غير القانوني والتعذيب، والابتزاز المالي.
في هذا السياق، قال مهاجر إثيوبي (52 عامًا)، لمواطنة: "نحن المهاجرون يتم التعامل معنا كسلعة تُباع وتُشترى"، مضيفًا بأنه يتم احتجازهم في الطرقات العامة، ويتم منع المارة من تقديم أي خدمة طبية أو مساعدة لهم.
وكشف التقرير عن أن عصابات التهريب تعمل بتنسيق عالٍ مع جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها. وتدفع للسلطات المحلية التابعة للجماعة مبالغ تحت مُسمى "رسوم نقل" من أجل إدخال المهاجرين إلى صعدة، وتبلغ رسوم نقل المهاجر الواحد مئتي ريال سعودي.
ويقوم الحوثيون بابتزاز مالي ضد المهاجرين الأفارقة في سجونهم، ويطالبونهم بدفع مبالغ مقابل الإفراج عنهم، ويمكنونهم من التواصل مع عائلاتهم لدفع تلك المبالغ.
يُعد إطلاق الرصاص الحي تجاه المهاجرين، من الأنماط المتكررة للانتهاكات طوال مرورهم "ترانزيت الجحيم" وحتى وصولهم الحدود اليمنية – السعودية، وهناك يتضاعف التهديد أضعافًا عدة.
تعرض مئات من المهاجرين الأفارقة في مدينة عتق بشبوة، إلى اعتداء من قوات تابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا في شبوة. وأجبروهم على صعود شاحنات ليتم إنزالهم عنوة في مناطق مقفرة تخلو من الحياة على حدود بيحان، ودون أن يكون بحوزتهم ما يساعدهم على البقاء، بعد أن سلب الجنود نقودًا كثيرة منهم وهواتفهم النقالة.
وتسبب النزاع في اليمن، بحسب تقارير دولية، بمقتل وإصابة آلاف المهاجرين، سواء نتيجة قصف أو حوادث اشتباكات، إذ يسلك المهاجرون طرقًا متشعبة وخطرة ومتغيرة، وفقًا للتقرير.
وفي 21 يناير 2022، استهدف طيران التحالف مبنى الأمن المركزي في صعدة بثلاثة قنابل. وكانت الجماعة تحتجز هناك 1500 سجين، بينهم 600 مهاجر إفريقي. وأدى الهجوم إلى مقتل 82 وإصابة 162، وبحسب المسعفين أطلق حراس السجن التابعين لجماعة الحوثي النار الحي وسط السجن، مؤديًا إلى مقتل 16 وإصابة 34.
ويُعد إطلاق الرصاص الحي تجاه المهاجرين، من الأنماط المتكررة للانتهاكات طوال مرورهم "ترانزيت الجحيم" وحتى وصولهم الحدود اليمنية – السعودية، وهناك يتضاعف التهديد أضعافًا عدة.
يوضح التقرير بدقة مراكز تجمعات وإيواء المهاجرين على طول طريق عبورهم باتجاه السعودية، وتقع آخرها في سوقي "الرقو" و"آل ثابت" في صعدة، بالقرب من الحدود مع السعودية.
واستهدف حرس الحدود السعودي سوق الرقو في ديسمبر 2019، بقذائف هاون، أدت إلى مقتل 17 بينهم مهاجرون. وفقًا لشهود العيان لم يروا سوى الشظايا، والجثث المحترقة ورائحة اللحم.
يشكل مركزَا الإيواء في مديرية باقم بصعدة، آخر محطة في طريق الجحيم، قبل خوض مغامرة مميتة نحو الأراضي السعودية. هناك حيث لا يتردد حرس الحدود السعودي في إطلاق الرصاص على المهاجرين، وإردائهم.
وفي نوفمبر 2022، أطلق حرس الحدود رصاصًا أصابت مهاجر إثيوبي (17 عامًا) في فخذه اليسرى، ليقع عاجزًا عن الحركة. لكن صديقه (27 عامًا) حمله ليعود به نحو الأراضي اليمنية، قبل أن يقوم حرس الحدود بقتله من الخلف.
وقع الضحية ضاربًا برأسه على حجرة، وفي شهادته لمواطنة، قال: "بكيت كثيرًا ليس فقط لشدة ألمي، إنما أيضًا لموت صديقي الذي ضحى بحياته وهو يحاول إنقاذي".
ويصل إلى اليمن عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة سنويًّا؛ ففي النصف الأول من عام 2023، وصل 77 ألف مهاجر إفريقي. وخلص التقرير إلى أن معظم القادمين لم يكونوا على علم بوجود صراع في اليمن.
وتسبّب هذا النزاع بمقتل وإصابة الآلاف من المهاجرين، خلافًا لحرمانهم من الوصول إلى المواد والخدمات الأساسية.
وطالب التقرير جميع أطراف النزاع بالكف عن كافة أشكال الانتهاكات المروعة ضد المهاجرين، والعمل على تسهيل وصولهم إلى الخدمات والمواد الأساسية، ومساعدتهم في الحصول على حياة لائقة.