أليس فاجعًا أن تعلن هدنة في اليمن، وتتجدد الهدنة بعد مفاوضات عسيرة، وضغوط مجتمعية ودولية، ويبقى خطاب الكراهية عالي النبرة، وفي تواصل وتصاعد مطرد؟!
المفجع أكثر أن يتوافق الجميع على الهدنة، مع الحفاظ على كل فواعل الحرب وأسبابها ومسبباتها؛ فلا يجري تبادل الأسرى، ولا يتم وقف الخطاب الجهنّمي- مشعل الحرب، ولا إطلاق المعتقلين السياسيين والمختفين قسريًّا، ولا فتح الطرقات، ولا الكفّ عن محاصرة المدن، وبالأخص تعز والمدن الأخرى، ولا تصرف المرتبات، ولا يعود النازحون والمشردون إلى مناطقهم وقراهم المدمرة، ومدنهم المحاصرة بالميليشيات المتحاربة.
المتحاربون الأشاوس أيديهم على الزناد في انتظار الإشارة، والشعب اليمني -كل الشعب- المهدد بعودة الحرب المتطاولة منذ سبعة أعوام يعيش تحت رحمة كوارث الحرب، والخوف من اشتعالها مجددًا.
السعودية والإمارات، وهما طرف في تحالف دولي يضم إسرائيل؛ أو بالأحرى بقيادة إسرائيلية- يهمهم تدمير المنطقة العربية؛ ليتشكل التحالف القادم في سياق الترتيبات الدولية القادمة، واليمن وفلسطين في سلم أولويات هذا الحلف العسكري والأمني
لم يعد خافيًا أنّ قرار الحرب والسلام لم يعد بأيدي اليمنيين؛ فمع بَدء الحرب تعاظم تدخل وسيطرة الصراع الإقليمي والدولي، ورمت إيران بثقلها في دعم ومساندة أنصار الله (الحوثيين)، وتدخل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية في اقتسام الساحة اليمنية؛ فدعمت السعودية التجمعَ اليمني للإصلاح، وكبار المشايخ، وزبائنها من السياسيين الموالين، في حين حضرت الإمارات مباشرة إلى الجنوب، وشكّلت جيشًا من الانتقالي الداعي للانفصال، ومن عشرات الآلاف من السلفيين، والأحزمة الأمنية، والنخب، ولاحقًا جيش طارق عفاش، وكلها ميليشيات ليست معادية للحوثيين فحسب، وإنما متصادمة مع بعضها؛ وهذا مصدر من مصادر خلاف السعودية والإمارات الطامعين لاقتسام الجنوب، ومصدر عدم استقرار الجنوب، وعدم معالجة التفلت الأمني، وغياب الخدمات، والتنافس على نهب ثروات البلاد، وتعطيل الحل السياسي، ويزداد التعقيد بالارتهان للرباعية الدولية: أمريكا، وبريطانيا، والسعودية والإمارات.
في قراءة مائزة للدكتورة وهبية فارع عن وضع اليمن تحت "البند السابع"، وعدم مطالبة "الدولة" برفعه قانونيًّا عبر قنواتها ومؤسساتها الدولية؛ حيث سقطت عنها سيادتها على أراضيها وسلطاتها، وتخضع للإشراف الدولي، وتظل فاقدة الأهلية، محجورًا عليها شرعًا حسب المواد 39 وحتى 51 من ميثاق الأمم المتحدة. ويلاحظ أنّ الأمر قد خرج من أيدي اليمنيين، وأصبحت القرارات تُتخَذ بعيدًا عن إرادة كلِّ اليمنيين، وحتى السعودية والإمارات يرتهنون للإرادة الأمريكية والبريطانية.
السعودية والإمارات، وهما طرف في تحالف دولي يضمّ إسرائيل؛ أو بالأحرى بقيادة إسرائيلية- يهمهم تدمير المنطقة العربية؛ ليتشكل التحالف القادم في سياق الترتيبات الدولية القادمة، واليمن وفلسطين في سلّم أولويات هذا الحلف العسكري والأمني.
الحرب أولها كلام، وعنف الخطاب المكفِّر والمخوِّن جزءٌ من حطب الحرب وزيتها، وعنف اللغة يعني العزيمة على الفعل.
بيان الندوة التي أقامتها مجموعة منصة للإعلام، وأدارها الزميلان: عادل عبدالمغني، وأشرف الريفي، بالتعاون مع اليونسكو في صنعاء وعدن، حيث وضعت المنصة معجمًا لمفردات الخطاب المثير للفتنة، والمشعل للحرب نحو: عملاء، مرتزقة، خونة، دواعش، سنة، روافض... إلى آخر القاموس، وهذه المفردات هي العملة المتداولة.
وصدر عن اللقاء "إعلان مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام اليمنية": «نطلق هذا الإعلان الأخلاقي الذي يتضمن مبادئ عمل صحفي، تسعى لتعزيز قيم الحوار والتعايش والسلام، ونبذ خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام اليمنية، ويتناول الإعلان الالتزام بالمهنة، وأخلاقيات العمل، وتجنب نشر الكلمات والألفاظ المتضمنة في المعجم المنوّه به:
وقراءة البيان تتناول أهم ما ورد فيه، ويختتم البيان الدعوة لإنشاء شبكة إعلامية تهدف لمواجهة خطاب الكراهية، والتحريض على العنف.
مثل هذا النشاط دفنته الحرب، وجرّمته، وتحول خطاب الكراهية إلى دماء وأشلاء حروفه تنزف الدم، وتزخر بالبغضاء والعنف؛ وهو ما ساد، ولا يزال يصرخ صباح مساء من كل وسائل الإعلام في كل اليمن، وفي المساجد التي أذن الله أن يذكر فيها اسمه.
تجدر الإشارة أنّ البيان قد صدر في صنعاء في 25 أكتوبر 2018.