تمثّل محافظة حضرموت، الواقعة جنوب شرقي اليمن، بجغرافيتها الشاسعة وموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية الغنية ومنافذها المائية على بحر العرب والمحيط الهندي، والبرية مع العربية السعودية، إحدى أهم مناطق اليمن وأكثرها استقطابًا للصراعات والنزاعات بين القوى التي تسعى للسيطرة على مواردها.
وبينما تشهد تطورات سياسية وأمنية متلاحقة، تبرز مشكلات أخرى تُلقي بظلالها على حياة السكان المحليين الذين يعانون من تدهور الخدمات وتصاعد الضغوط المعيشية؛ ممّا يضع مستقبلها في مفترق حساس.
أُعلن عن تشكيل لجنة رئاسية لتولي مهام محدّدة تتعلّق بإدارة الأوضاع في المنطقة، إلا أن هذه الخطوة قوبلت برفض شديد من حلف قبائل حضرموت.
تصعيد قبَلي
شهدت محافظة حضرموت في الفترة الماضية تصاعدًا كبيرًا في الحراك السياسي والقبَلي، مع بروز حلف قبائل حضرموت بوصفه فاعلًا رئيسيًّا على الساحة المحلية، وبدأ التصعيد حينما أعلن مَطالِبه المتعددة، التي تركزت في استعادة حقوق حضرموت في مواردها النفطية، وتحسين الخدمات الأساسية التي تدهورت بشكل كبير خلال سنوات الصراع في اليمن. وفي بداية هذا التصعيد، أطلق الحلف سلسلة من البيانات المُطالِبة بتحسين الوضع الاقتصادي للمحافظة، واستعادة حصة حضرموت العادلة من الثروات النفطية. وكانت المطالب تشمل أيضًا تحسين مستوى الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه والصحة، التي عانت من انهيار شبه كامل نتيجة التدهور الأمني والسياسي في البلاد.
وفي ظل كل هذه التوترات السياسية، أُعلن عن تشكيل لجنة رئاسية لتولي مهامٍ محددة تتعلق بإدارة الأوضاع في المنطقة، إلا أن هذه الخطوة قوبلت برفض شديد من الحلف، وعلى الرغم من هذا الرفض، بدأت اللجنة بمباشرة أعمالها وسط حالة من الاحتقان الشعبي.
والجدير بالذكر أنّ حلف قبائل حضرموت قد دشّن في الشهر الماضي تجمعاته أمام الشركات النفطية بالمحافظة، وذلك باستحداث نقاطٍ مسلحة قبَلية على الطرق الرئيسية لوقف حركة مرور قاطرات المشتقات النفطية، وذلك بعد انتهاء المهلة المعلنة من قبله، للسلطة المحلية لتنفيذ مطالبه التي ترتكز على ما سمّاها "شراكة حقيقية فاعلة"، مهددًا بالسيطرة على موارد المحافظة النفطية إذا لم تحقق جميع مطالبه.
وقد أثارت هذه التحركات المخاوفَ من تفاقم الأوضاع الأمنية وتعطيل الإمدادات الحيوية في المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية، ويأتي هذا التصعيد الاحتجاجي عقب زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وبعض أعضاء مجلس الرئاسة إلى حضرموت، بهدف العمل على استئناف تصدير النفط.
بينما تتواصل الخلافات بين الطرفين حول السلطة والنفوذ، تزداد معاناة المواطنين الذين يواجهون تدهورًا في الخدمات الأساسية، وارتفاعًا غير مسبوق في تكاليف المعيشة.
صراع داخلي
يتفاقم الصراع السياسي بين محافظ المحافظة، مبخوت بن ماضي، ووكيله الأول رئيس حلف حضرموت، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع عمرو بن حبريش. هذا التوتر السياسي يعكس تعقيدات المشهد المحلي، حيث تتداخل المصالح الشخصية والسياسية مع قضايا المحافظة الكبرى، وبينما تتواصل الخلافات بين الطرفين حول السلطة والنفوذ، تزداد معاناة المواطنين الذين يواجهون تدهورًا في الخدمات الأساسية، وارتفاعًا غير مسبوق في تكاليف المعيشة.
وفي خطوة تزيد الوضع تعقيدًا، نقل حلف قبائل حضرموت الاحتشاد المسلح من الهضبة إلى مناطق الساحل، على شكل نقاط غرب مدينة المكلا، بعد انتشاره في الساحل الشرقي للمحافظة.
وبالتزامن مع ذلك، وقف المكتب التنفيذي بحضرموت في اجتماع له بالمكلا، برئاسة محافظ حضرموت وأعضاء المكاتب التنفيذية بالمحافظة، على مجمل الأوضاع التي تشهدها المحافظة، بعد تنامي الصراع بين قطبي المحافظة، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية على الخدمات. وفي الاجتماع، أكّد محافظ المحافظة أن ما يحدث هو صراع سياسي يتخفّى خلف المطالب، وأكّد أن أي إجراء لا بد أن يكون تحت مظلة الدولة، والسلطة وضعت خيارات للإشراف على ملف الموارد من قيادات الدولة.
ظلت حضرموت تعاني من الانقسام السياسي والعسكري بسبب التجاذبات الإقليمية والصراع على السلطة بين المكونات السياسية، في الوقت الذي هي فيه الآن بحاجة إلى إجراءات وتدابير فعلية لحل المشكلات الأساسية.
حقوق منقوصة
ويُرجع الدكتور عمر باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية بحضرموت، في حديثه الخاص لـ"خيوط"، تعقيدَ المشهد السياسي في حضرموت إلى الحكومات المتعاقبة منذ عام 1990، حيث بقيت حضرموت مساحةً آمنة رغم الصراعات في اليمن، وساهمت حضرموت في الحفاظ على استقرار الدولة، رغم انهيارها في فترات مختلفة، مثل دخول القاعدة في 2015، إذ حافظ أبناؤها على الأمن والاستقرار. وعلى الرغم من الدور الاقتصادي والسياسي المهم لحضرموت، التي تساهم فيه بنسبة 80% من خزينة الدولة، فإنها لم تحصل على كامل حقوقها من الحكومة المركزية في اليمن، وفي الوقت الذي يُتداوَل فيه مشاريع غير مجدية -وصفها بالخنفشارية- ويُتهم المسؤولون بالفساد، تفاقمَ الوضع المعيشي للمواطنين وانتشر الفقر والمرض.
ويضيف باجردانة أنّ حضرموت ظلّت تعاني من الانقسام السياسي والعسكري؛ بسبب التجاذبات الإقليمية والصراع على السلطة بين المكونات السياسية، في الوقت الذي هي فيه الآن بحاجة إلى إجراءات وتدابير فعلية لحل المشكلات الأساسية التي تؤثر مباشرة على حياة المواطنين، بما في ذلك محاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية.
ويتحدث محمد باجابر، عضو ومقرر لجنة التواصل لتحقيق مطالب حضرموت ومدير الإدارة السياسية في المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت، بأن النفط يُعتبر ثروة ناضبة ويجب تخصيصه للأجيال القادمة، وطالَبَ بضرورة البحث عن مشاريع تنموية مستدامة للأجيال المستقبلية، مشيرًا إلى أن حضرموت تغذّي خزينة الدولة، إلا أنها لم تحصل على موقع قيادي يسمح لها بالمشاركة في صنع القرار.
ويضيف أن حضرموت تعاني من تهميش كبير، ولم تحصل على أيّ امتيازات من نفطها، بل زادت المعاناة نتيجة تهجير الأُسر والقبائل من مناطق استخراج النفط، وانتشار الأمراض السرطانية بسبب المخلفات النفطية والتلوث البيئي.
ويشير إلى أنّ المحافظة تُعتبر محطَّ اهتمام قوى إقليمية ودولية؛ بسبب ثروتها النفطية، ممّا جعلها اليوم جزءًا من الصراع السياسي في اليمن.
وقالت مصادر سياسية: إنّ التنافس على السلطة والموارد بدأ يأخذ منحى آخر وبات يشكّل تهديدًا على أمن واستقرار مدن ساحل حضرموت، والعودة بها إلى مربع الفوضى. ويأتي ذلك بتغذية مباشرة من أطراف النزاع، بغية تحقيق أهدافها وغايتها السياسية. ولا تظهر أية بوادر تهدئة في الأفق، لتلقي بظلالها القاتمة على الخدمات المقدمة للسكان.
أزمة متشعبة
وبعد منع إمدادات النفط الخام من صحراء حضرموت بسبب التقطع القبَلي، تأثرت محافظة مأرب وبشكل كبير من هذه التقطعات، التي باتت ملامحها واضحة في الأزمة الخانقة في المشتقات النفطية. وفي خضم كلّ هذه التطورات، قد تواجه العاصمة المؤقتة عدن تحديات جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا في حال توقُّف القاطرات المحمّلة بالمشتقات النفطية القادمة من ميناء الضبة في حضرموت، الذي يُعدّ أحدَ أهمّ الموانئ النفطية في اليمن، حيث يتم تصدير معظم نفط البلاد عبره، غير أنّ هذا الميناء متوقف عن العمل بسبب تهديدات الحوثيين بضربه، الذين سبق أن هاجموه بطائرات مسيّرة في أكتوبر من العام 2022.
رغم الوعود الحكومية المتكررة بإيجاد حلول لهذه الأزمات، فإن عدم تنفيذها أثار حالة من السخط الشعبي والتوترات الاجتماعية المتزايدة، مما يضع المحافظة في مواجهة مفتوحة جديدة تهدّد استقرارها.
احتجاج شعبي
في أواخر الشهر الماضي، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة النطاق بمناطق مختلفة بساحل حضرموت، شارك فيها سائقو باصات النقل الداخلي والصيادون والطلاب؛ تنديدًا بتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والمطالبة بتحسين الخدمات الأساسية التي شهدت تدهورًا غير مسبوق؛ فقد أدّى الانقطاع المتكرر للكهرباء، الذي وصل إلى أكثر من 15 ساعة يوميًّا في بعض المناطق، إلى تعطيل الحياة اليومية للسكان، وإغلاق العديد من المحال التجارية.
كما واجهت بعض المستشفيات نقصًا حادًّا في الإمدادات الطبية؛ مما زاد من الضغط على الأهالي. ونقص إمدادات المياه، وتردي خدمات الصحة والتعليم، باتت تمثل أزمات يومية تواجه الأهالي الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة في ظلّ تزايد الأعباء الاقتصادية.
ورغم الوعود الحكومية المتكررة بإيجاد حلول لهذه الأزمات، فإنّ عدم تنفيذها أثار حالة من السخط الشعبي والتوترات الاجتماعية المتزايدة، مما يضع المحافظة في مواجهة مفتوحة جديدة تهدّد استقرارها. لتأتي بعد كل هذا، التسعيرة الجديدة للديزل التجاري بسعر 1550 ريالًا للتر الواحد، بمبرر المستورد التجاري ونقص الإمدادات من بترومسيلة بسبب تقطعات حلف قبائل حضرموت في الهضبة، قبل أن تلحقها أزمة في مادة البترول دون أية أسباب ومبررات تذكر حتى اللحظة.
انتفض ملّاك باصات النقل الداخلية بمدينة المكلا، محتجين على هذه التسعيرة، ليبدَؤوا تصعيدهم، الذي عطل حركة النقل داخل المدينة، وأعاق الحركة اليومية للمواطنين، لكن تم احتواؤه بحلول مؤقتة من السلطات المحلية بتوفير مادة الديزل التجاري وبيعه لملّاك الباصات الداخلية الصغيرة والكبيرة بالسعر المحلي، لإيقاف غضبهم وتصعيدهم الذي كاد أن يُدخِل المدينة في تبعات يعاني منها المواطن.
صوت الطلاب
فيما نظّم الطلاب الجامعيون في مدينة المكلا وغيل باوزير والشحر والحامي والمناطق الشرقية، وقفات احتجاجية أمام مباني السلطات المحلية بمدنهم، للتنديد بارتفاع أسعار الوقود والمشتقات النفطية، والزيادة الجنونية الأخيرة التي فرضتها الجامعة للرسوم الدراسية.
وأعلن اتحاد طلاب جامعة حضرموت التصعيدَ بالإضراب الشامل عن الدراسة، ويأتي هذا التصعيد مناهضة للقرارات الأخيرة لرئاسة الجامعة، وللمطالبة بإيجاد حلولٍ للصعوبات التي تواجه الجامعيين بالمحافظة.
وحذّر الاتحاد عبر بيانه الصادر، من أيّ إجراءات تعسفية ضد الطلاب نتيجة التزامهم بدعوات الإضراب العام، منبهًا من اتخاذ خطوات تصعيدية قبل بداية العام الجامعي الجديد.
وبحسب رئيس الاتحاد العام لطلبة جامعة حضرموت، البراء سالم، لـ"خيوط"، فإنهم أعلنوا عبر بيانهم رفعَ الإضراب الطلابي في جميع كليات جامعة حضرموت، ابتداء من يوم الأحد الثامن من سبتمبر لهذا العام.
وأتى ذلك عقب اجتماعهم بمحافظ المحافظة، مبخوت مبارك بن ماضي، ورئيس الجامعة د. محمد سعيد خنبش، والاتفاق على توفير رسوم مواصلات طلاب المناطق الشرقية بنسبة 50% من الرسوم الشهرية، ابتداءً من يوم العاشر من سبتمبر، بالإضافة إلى حلول أخرى لنقل الطلاب داخل وخارج المكلا.
افتحوا بحرنا
وتحت شعار "افتحوا بحرنا، مصدر عيشنا"، احتج صيادون محليون بمدينة شحير، معبرين عن استيائهم من التحديات التي تواجههم في مزاولة مهنة الصيد، والمنع منها منذ 2019، الأمر الذي أدّى إلى فقدانهم مصدر رزقهم.
احتجاجهم الذي استمرّ قرابة ثلاثة أيام، وأدّى إلى تعطيل حركة التجار والنقل الدولي، جاء للضغط على السلطات المحلية من أجل إلغاء قرار منع الصيادين من الاصطياد في سواحل المحافظة. تأتي هذه التحركات في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية وتراجع الخدمات الأساسية، الذي أدّى إلى تفاقم أوضاعهم المعيشية.