حاوره: عبدالله مصلح
يتحدث اللواء حاتم أبو حاتم، في هذه الحلقة الرابعة من مذكراته، عن فترة حكم الرئيس أحمد الغشمي، والإجراءات التي اتخذها التنظيم الناصري لاستعادة السلطة والانتقام من قتلة الرئيس إبراهيم الحمدي، وتشكيل المجلس العسكري، ويسرد روايته حول عملية اغتيال الغشمي ورئاسة القاضي عبدالكريم العرشي وصعود علي عبدالله صالح إلى السلطة، ومرحلة التحضير للانقلاب العسكري ضد صالح، وخيانة عبده الجندي.
بعد نشر الحلقة الثالثة (الماضية)، قلت لي بأنك نسيت معلومة مهمة، ما هي؟
نعم، نسيت أن أذكر أنّ الوحدة العسكرية الوحيدة التي تحركت بعد استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي هي العمالقة، بقيادة الرائد علي الحبيشي (أركان حرب العمالقة)، ووصلت إلى محيط صنعاء، وتحديدًا إلى منطقة (ضبر خيرة)، وهناك تفاجأ الحبيشي بوصول اثنين من قادة العمالقة اللذين كانا في صنعاء، وهما: (المقحفي، ومحمد الشريف)، جاؤوا لإقناع علي الحبيشي بأن حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي عبارة عن مؤامرة من الخارج، وأنهم في صف واحد، وسيتم التحقيق في الموضوع، ويتم الانتقام للشهيد إبراهيم الحمدي، وأخيه، و"ما فيش داعي ندخل في مواجهات وصدامات غير محسوبة". وفعلًا أقنعوا الأخ علي الحبيشي بالعودة إلى ذمار، وبعدها هرب الحبيشي إلى الجنوب بعدما اكتشف بأنه تعرض للخديعة.
هل تصرَّف هذان الضابطان من تلقاء نفسيهما؟ أم هناك من أرسلهما لإقناع الحبيشي والعمالقة؟
أرسلهما أحمد الغشمي للقيام بهذه المهمة ومقابلة الرائد علي الحبيشي خارج صنعاء، ونجحوا في إقناعه أو بالأصح "خداعه".
أحمد الغشمي لم يكن ناصريًّا، وإنما لعب دور المقرب من الرئيس إبراهيم الحمدي، وأنه يعتبر رأس الحربة ضد المناوئين له، وعلى رأسهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم
ما أهم الإجراءات التي اتخذها التنظيم الناصري بعد صعود أحمد الغشمي إلى السلطة؟
قررت قيادة التنظيم الناصري الانتقام للشهيد إبراهيم الحمدي وأخيه ورفاقه، واستعادة مشروع الدولة المدنية التي كان يسعى إليه الرئيس الخالد إبراهيم الحمدي، وتم انتشارنا داخل القوات المسلحة بشكل كبير، وأيضًا تم تشكيل حركة أو جبهة تحت مسمى (جبهة 13 يونيو) التي انضم إليها الكثير من العسكريين.
كما قامت القيادة بتشكيل مجلس عسكري يتكون من 11 شخصًا، وهم: نصار علي حسين الجرباني، وحاتم أبو حاتم، ومحمد حسن دارس، وعبده محمد علي (قائد قوات المظلات)، ومحمد المرزوقي، ومحسن فلاح (قائد الشرطة العسكرية)، وعبدالله الرازقي، وعلي عطيفة الميموني، وحمود ناجي.
وكان هناك تفاهمٌ غير مباشر مع الإخوة: عبدالله البشيري، وعلي محمد صلاح، وشرف محمد علي (قائد العمليات العسكرية)، باعتبارهم من أفضل الضباط والقادة الكبار في القوات المسلحة، وكانت سمعتهم طيبة، ولم يتم كشفهم.
وبدأ المجلس العسكري يعقد اجتماعاته في منزلي، في منطقة الحصبة، مقابل حديقة الثورة حاليًّا -وحديقة 13 يونيو سابقًا- لأنه كان وسط غابة، ولم يكن هناك منازل غيره، فكان سهل التخفي.
وكان يستثنى أحيانًا من الاجتماعات: محسن فلاح وعبدالله الرازقي؛ نتيجة لانشغالهما بوحداتهما العسكرية ومعرفتهما بمهامها أثناء قيام الحركة، وتتركز مهماتهما في حماية العاصمة صنعاء؛ لأننا كنا نخشى تكرار خطأ ثورة 48 عندما نهبت صنعاء.
أهداف التنظيم العسكري
- هل كنتم تخططون لتنفيذ انقلاب واستعادة السلطة؟ أم الانتقام للشهيد الحمدي واغتيال الغشمي وبقية المتهمين في قتل الحمدي؟
في البداية، قررنا اغتيال الغشمي وجميع المتورطين في جريمة اغتيال الرئيس الحمدي، ولهذا تم جلب مسدسات كاتم الصوت من ليبيا، ولكن بعد انتشارنا الواسع في الجيش، قررَت قيادة التنظيم القيامَ بحركة سلمية على غرار حركة 13 يونيو .
وأتذكر أنّ الأخ الشهيد عبدالله الرازقي، كان أركان حرب الأمن المركزي، طرح فكرة اغتيال الغشمي أو علي عبدالله صالح أثناء تواجده في المنصة أثناء العرض، (كما حدث مع الرئيس المصري أنور السادات) لكن قيادة التنظيم رفضت هذه الفكرة؛ خوفًا من وقوع ضحايا كُثر.
هل كان أحمد الغشمي عضوًا في التنظيم الناصري، كما قال القيادي الناصري عبده الجندي؟
أحمد الغشمي لم يكن ناصريًّا، وإنما لعب دور المقرب من الرئيس إبراهيم الحمدي، وأنه يعتبر رأس الحربة ضد المناوئين له، وعلى رأسهم: الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم، رحمة الله عليهما.
وكان أحمد الغشمي فعلًا الرجل الثاني بعد الرئيس إبراهيم الحمدي، بعد إزاحة الشيخ مجاهد أبو شوارب وبيت أبو لحوم. ولم يكن الغشمي كفؤًا لذلك، ولكنه كان يلعب دورًا خبيثًا على أنه سيواجه أي خطر من قبل القوى التقليدية، وفي النهاية أصبح هو الخطر بعينه.
ولهذا لم يكن أحمد الغشمي ناصريًّا كما يقول عبده الجندي، وحتى عبده الجندي نفسه لم يكن ناصريًّا حقيقيًّا، وأنه كان مدسوسًا على التنظيم، بدليل ما فعله بعد قيام حركة 15 أكتوبر عام 1978م.
ما الذي فعله عبده الجندي بالضبط؟
عبده الجندي انكشف بعد حركة 15 أكتوبر 1978، وتأكّد أنه كان يشتغل مع السلطة، وطبعًا هناك تهمة حوله بأنه وشى بالأخ عبدالسلام مقبل، الذي كان دائمًا يرافق علي عبدالله صالح، وعقب قيام الحركة كان عبدالسلام مقبل مع علي عبدالله في معسكر خالد بتعز، وكان معهم الأخ علي محمد صلاح وتكلموا بأن الناصريين قاموا بانقلاب وفشلوا، فارتبك عبدالسلام مقبل، ولاحظ ذلك علي صلاح فأخذ عبدالسلام مقبل وكان يريد إيصاله إلى الحدود مع دولة جنوب اليمن ثم ينتقل إلى هناك، لكن عبدالسلام مقبل رفض ذلك، وطلب منه أن يوصله إلى منزل عبده الجندي، وفعلًا أوصله إلى منزل عبده الجندي ليختبئ فيه، ثم قام عبده الجندي نفسُه بالإبلاغ عنه، وتم أخذه من المنزل واقتياده إلى صنعاء ثم تم إعدامه مع العشرات من رفاقه.
وبعد أن تمّ اكتشاف خيانة عبده الجندي، أُعلن في صنعاء مؤتمر لتنظيم ناصري تابع للسلطة "الحزب الناصري الديمقراطي".
نعود إلى فترة حكم أحمد الغشمي، هل حدثت لك مواقف شخصية مع الغشمي؟
في إحدى المرات، كنت ضابطًا مستلمًا في مطار صنعاء، وكان يوم وقفة عيد الأضحى "التاسع من شهر ذي الحجة"، وجاء أحمد الغشمي للمطار، وكان وقتها رئيسًا، وطلب منّا أن نجهِّز له طائرة ليذهب إلى باب المندب لقضاء فترة العيد هناك في معسكر خالد، فأمرت الضباط بتجهيز طائرة، وأثناء تجهيز الطائرة جلست أنا والغشمي وكان يريد وجبة الإفطار، فسألني: "هل معكم صبوح؟".
فقلت له: "لا، إحنا صائمين".
فقال: "ليش صائمين؟".
فقلت له: "لأنه يوم وقفة عَرَفات".
فقال: "كيف طيارين وتصوموا؟!"
فقلت له: "إن الصيام يمنحنا القوة والعزيمة".
فسكت قليلًا، ثم قال لي: "ما رأيك أدّي لك عشرين مليون ريال"، وكان هذا مبلغًا كبيرًا جدًّا، يمكن لا تمتلكه شركة هائل سعيد في ذلك الوقت.
فقلت له: "ليش؟"
فقال بكل بساطة: "من أجل تقتل سنان أبولحوم".
فقلت له: "هذا صاحبي".
فقال: "أنا عارف إنه صاحبك، ولهذا أنت تستطيع أن تقتله".
طبعًا أنا شككت في كلام الغشمي بأنه يريد أن يستخرج مني كلامًا ويرى ردة فعلي، لأنه "الغشمي" كان صديق الشيخ سنان أبولحوم، ولهذا أنا خفت، وقلت له: يا فندم هذا صاحبي وأخي، وإحنا من قبيلة واحدة، ومش معقول أقتله". ثم جاء أحد الضباط ليبلغ الغشمي بأن الطائرة جاهزة، فنهض الغشمي وودّعناه إلى فوق الطائرة، وقبل أن يغادر قال لي: "لن تصلح اليمن وفيها سنان أبولحوم وعبدالله بن حسين الأحمر".
وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1994م، سافرت إلى الأردن بهدف مناصرة العراق، لأنني كنت عضو أمانة مؤتمر القوى الشعبية لدعم ومناصرة العراق، وكان الأخ علي أبولحوم سفير بلادنا لدى الأردن، فاستقبلني واستضافني في منزله، وأثناء ما كنا نتحدث مع بعض عن كثير من القضايا حتى وصلنا إلى فترة أحمد الغشمي، فقال لي علي أبولحوم: "هل تدري أنّ أحمد الغشمي أعطاني عشرة ملايين ريال من أجل أن أقتلك؟"، فقلت له: "وهل أخذتها؟"، قال: "نعم، أخذت المبلغ، ولكن من دون تنفيذ مطلب الغشمي ولم أقتلك". ثم أخبرته عن قصة العشرين مليون التي عرضها عليّ الغشمي من أجل قتل أخيه الشيخ سنان أبولحوم، ثم ضحكنا، وقلت له: "أنت طلعت أشطر مني (أذكى مني)؛ لأنك أخذت المبلغ، أما أنا فقد رفضت أخذه".
أنتم كناصريين، هل كان لكم علاقة مباشرة أو غير مباشرة، بحادثة اغتيال الرئيس أحمد الغشمي في 24 يونيو 1978م؟
لم يكن لنا أي علاقة باغتيال الغشمي، فنحن بعد تشكيل المجلس العسكري، قمنا بالرصد والمتابعة للأماكن التي كان يتواجد بها الغشمي، وكنا ننوي القبض عليه وإزاحته من السلطة، لكنا تفاجأنا بحادثة اغتياله.
هناك أكثر من رواية لحادثة اغتيال الغشمي؛ فالبعض يقول إنه تم إرسال شنطة ملغومة من الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي "سالمين"، ويقال إنه تم استبدال الشنطة في مطار عدن، وأيضًا هناك رواية أخرى تقول إنه تم تفجير المكتب، فكيف تمت عملية اغتيال الغشمي، حسب معلوماتك؟
حسب معلوماتي، أن الرئيس سالم ربيع علي "سالمين" أرسل شخصًا اسمه مهدي أحمد صالح، المعروف بالحاج (تفاريش)، وهي كلمة روسية تعني "الرفيق"، وأنا أعرف تفاريش شخصيًّا وهو من أبناء الجنوب، وكان يدرس في الاتحاد السوفيتي، وجاء إلى صنعاء باعتباره وفدًا مرسلًا من الرئيس سالمين، حاملًا معه حقيبة ملغومة تسببت بمقتل الغشمي. وقد كلمني العميد محمد الآنسي نائب رئيس الأركان الذي استقبل "تفاريش" هو ومحمد خميس "مدير الأمن الوطني"، في مطار صنعاء، وأخبرني الآنسي أنهم نصحوا الغشمي بتفتيش "تفاريش" والشنطة التي كان يحملها، لكن الغشمي رفض بشدة وأمرهم بعدم تفتيش الحاج تفاريش، وطلب منهم سرعة إحضاره إليه، وعندما أحضروا تفاريش إلى مكتبه أمرهم الغشمي بالخروج، وبقي هو وتفاريش فقط، لأنه كان مهتمًّا جدًّا بالرسالة التي يحملها، ثم سمعوا الانفجار، ووجدوا الغشمي مقتولًا، وتم نقله إلى المستشفى العسكري.
اتهامات متعدد
البعض يتهم علي عبدالله صالح باغتيال الغشمي؛ لأنه تسلم السلطة سريعًا بعد مقتل الغشمي، وكان أول قرار للرئيس المؤقت عبدالكريم العرشي هو تعيين علي عبدالله صالح رئيسًا للأركان ونائبًا للقائد العام للقوات المسلحة، كما يقول ذلك الشيخ يحيى منصور أبو أصبع رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، في مقابلته مع قناة المسيرة؟
أنا سمعت مثل هذا الطرح الذي طرحه الأستاذ يحيى أبو أصبع، لكن الأكثر شيوعًا هو أن الرئيس سالم ربيع علي "سالمين" هو من يقف وراء مقتل أحمد الغشمي. وهذا هو الأرجح لأنه عندما حضر الرئيس سالمين مراسم تشييع جنازة الشهيد إبراهيم الحمدي، أقسم بأنه سينتقم له.
نجل الغشمي "حسين"، قال في مقابلة سابقة مع صحيفة "اليقين"، إن والده لم يقتل بسبب الشنطة الملغومة، وإنما أُطلق عليه الرصاص في المستشفى العسكري بصنعاء، ويتهم علي عبدالله صالح وعلي الشاطر وغيرهما بذلك؟
ليس لدي معلومات بشأن ذلك.
بعد مقتل الغشمي، هل كان هناك موقف محدد للناصريين مع أو ضد الرئيس الجديد والمؤقت حينها عبدالكريم العرشي؟
بالنسبة للمدنيين، فكانوا يرون أنّ من الأفضل أن يكون القاضي عبدالكريم العرشي هو رئيس البلاد، أما العسكريون، وأنا كنت واحدًا منهم، فكانوا يعتقدون أنّ صعود علي عبدالله صالح للرئاسة أسهل لنا من القاضي العرشي، لأن علي عبدالله صالح لم يكن لديه شعبية ولا مكانة ولا علم، وأنه من السهل لاحقًا إبعاده، أما القاضي العرشي فكان يحظى بتأييد كل القوى التقليدية من المشائخ وغيرهم، وكنا نعتقد أنّ السعودية تقف مع عبدالكريم العرشي، ثم اكتشفنا لاحقًا أن السعودية وقفت وراء صعود علي عبدالله للسلطة.
كيف تفسر سعي علي عبدالله صالح ليكون رئيسًا للجمهورية الذي كان يعتبر أخطر منصب في اليمن ويهرب منه أقوى الرجال، أيضًا لم يكن صالح عضوًا في المجلس الجمهوري؟
علي عبدالله صالح كان رجل السعودية الأول في اليمن، ولهذا حشدت السعودية كل إمكاناتها في سبيل تصعيد علي عبدالله صالح إلى السلطة، وقام ملحقها العسكري في صنعاء صالح الهديّان، بالضغط على القادة العسكريين من أجل وصول علي عبدالله صالح إلى الرئاسة.
وتم إرغام عبدالكريم العرشي على التنازل عن السلطة ولم يكن راغبًا بذلك، وكذلك السعودية ضغطت على المشائخ بالقبول بعلي عبدالله صالح، وفعلًا رضخ المشائخ للسعودية لأن مصالحهم مرتبطة بها.
ألم يكن هناك ضباط أعلى رتبة من علي عبدالله صالح، مثل علي الشيبة رئيس أركان الجيش، والرجل الثاني بعد الغشمي؟
بالنسبة للأخ علي الشيبة كان شخصية ضعيفة للأسف الشديد، ولم يكن على قدر المسؤولية، ولهذا عينه الغشمي رئيسًا للجنة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.
خرج أحمد العماد إلى عند علي الشيبة وترجاه بأن يذهب ويعود في وقت لاحق، ولكن الشيبة استشاط غضبًا، وأصر ثانية على مقابلة الرئيس، وعندها قال العماد للشيبة: "الرئيس يقول لك إما تروّح (تذهب) وإلا سيخرج يلحقك به (أي: يقتلك ويلحقك بالشهيد الحمدي)"، وعندها خاف الشيبة وارتعد وتغيرت صورته
وأتذكر أن الأخ المرحوم أحمد العماد مدير مكتب أحمد الغشمي، أخبرني بأن علي الشيبة جاء اليوم الثالث من حادثة اغتيال الحمدي، يطلب مقابلة أحمد الغشمي، وكان عنده الملحق العسكري السعودي صالح الهديان، فقام أحمد العماد بإبلاغ الغشمي بأن علي الشيبة يريد مقابلته، فرد عليه الغشمي: "قل له بأنني مشغول، مش فاضي"، فعاد العماد إلى عند علي الشيبة وأخبره بأنه مشغول ولا يستطيع مقابلته، فغضب الشيبة ورفع صوته فوق العماد، فعاد أحمد العماد إلى الغشمي، وقال له إن علي الشيبة غضب ويصرّ على مقابلته، فأجاب الغشمي: "قل له هو يروح له أو أخرج ألحقه به (أي يقتله بعد الحمدي)".
فخرج أحمد العماد إلى علي الشيبة، وترجاه بأن يذهب ويعود في وقت لاحق، ولكن الشيبة استشاط غضبًا وأصرّ ثانية على مقابلة الرئيس، وعندها قال العماد للشيبة: "الرئيس يقول لك إما تروّح (تذهب) وإلا سيخرج يلحقك به (أي يقتلك ويلحقك بالشهيد الحمدي)، وعندها خاف الشيبة وارتعد وتغيرت صورته، وهذا ما أخبرني به أحمد العماد. ثم عاد الشيبة إلى منزله واعتكف فيه حتى مماته.
مرحلة ما بعد الغشمي
ماذا عن إعدام الرئيس سالمين بتهمة التدخل في شؤون شمال اليمن، وذلك بعد يومين من مقتل أحمد الغشمي؟
كان هناك صراع بين قيادات الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن، وكانوا يتهمون الرئيس سالم ربيع علي بأنه لم يعد اشتراكيًّا لينينيًّا، وإنما اشتراكي ماوي، أي متأثر بالاشتراكية الصينية التي كان يقودها الرئيس ماوتسي تونج، ونتج عن هذا الصراع الداخلي مقتل الرئيس سالمين وتنفيذ شبه انقلاب ضد سالمين ومن معه، واستغلوا حادثة مقتل أحمد الغشمي، وقاموا بمحاكمة وإعدام الرئيس سالمين بتهمة مقتل الغشمي والتدخل في شؤون شمال اليمن.
وأنتم لماذا لم تستغلوا حادثة مقتل الغشمي وتستعيدوا السلطة؟
أثناء مقتل الغشمي كنا في مرحلة التحضير والإعداد للحركة، ولم يكن لدينا جاهزية تامّة للقيام بعملية التنفيذ، ولذلك قررت قيادة التنظيم أن يكون التنفيذ في 11 أكتوبر عام 1978م، يوم الذكرى الأولى لاغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي وأخيه ورفاقه.
كيف تعامل التنظيم الناصري مع مرحلة علي عبدالله صالح ووصوله إلى الرئاسة؟
بعد صعود علي عبدالله صالح للرئاسة، واصلنا كناصريين متابعته ومراقبته، وكثّفنا من تحركاتنا وانتشارنا داخل القوات المسلحة، وكان القرار أن يتم تنفيذ الحركة (الانقلاب) في 11 أكتوبر 1978م، وهي الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي، وعبدالله الحمدي وعلي قناف زهرة وعبدالله الشمسي.