هل استقطبت المخابرات الإسرائيلية أحمد الغشمي وعلي عبدالله صالح في أسمرة؟ وكيف انتقمت إسرائيل من الرئيس الحمدي؟ ولماذا وافق الرئيس الليبي معمر القذافي على إرسال الأسلحة إلى صنعاء؟ ومتى قرر التنظيم الناصري اغتيال الغشمي انتقامًا للحمدي؟ ولماذا وافق الغشمي على انسحاب عبدالله عبدالعالم من صنعاء إلى تعز؟ وما علاقة عبدالعالم بجريمة إعدام مشائخ الحجرية؟ وما مصير علي قناف زهرة وعبدالله الشمسي المخفيين قسريًّا منذ أكتوبر 1977، وحتى اليوم؟
أسئلة واستفسارات مهمة يجيب عنها اللواء حاتم أبو حاتم في الحلقة الثالثة من مذكراته الحوارية مع "خيوط".
حاوره/ عبدالله مصلح
في الحلقة السابقة، تحدثت عن اغتيال الرئيس السابق إبراهيم الحمدي ومنجزات حركة 13 يونيو، ثم أخبرتني بأنك لم تذكر الكثير من منجزات حركة 13 يونيو بقيادة الرئيس الشهيد الحمدي، فما هي هذه المنجزات؟
أولًا، إبراهيم الحمدي كان شخصية قوية ومشهورة ومعروفة للجميع، ورجل أخلاق، واشتهر بالاهتمام بالتعاونيات التي اهتمت ببناء المدارس وشق الطرق ومشاريع المياه في كل مناطق اليمن، مدنًا وقرى، وكان رجلًا نشيطًا وسمعته طيبة، ومقبولًا من كل الناس بأخلاقه العالية.
وبعد قيام حركة 13 يونيو، تمكنت الدولة اليمنية من التواجد والحضور لأول مرة في محافظات صعدة والجوف ومأرب، وتم إرسال وحدات عسكرية إلى هذه المحافظات كغيرها من المحافظات اليمنية، وكذلك تم إنشاء مطارات في هذه المحافظات، وأتذكر أنه كان هناك مطار في منطقة البقع بصعدة المحاذية للحدود السعودية، وكذلك في الجوف ومأرب، وطبعًا في مأرب كان هناك مطار منذ ما قبل الثورة، ولكنه توقف حتى جاءت حركة 13 يونيو، وأعادت تشغيله.
وكان الحمدي مركِّزًا اهتمامه على التعاونيات وعلى نشر التعليم والاهتمام بالمغتربين الذين كان لهم دور إيجابي في تنمية الاقتصاد اليمني، وبعدما قتل الحمدي كان اليمن يمتلك 20 مليار دولار. هذه الأموال عبث بها الغشمي سبعة أشهر وعلي عبدالله صالح ثلاثة أشهر، حتى إنّ البنك الدولي كان يطلب المال من اليمن، لكن الحمدي رفض ذلك وقال: "هذه أموال الشعب اليمني وليست أموال الدولة".
فالحمدي كان يرى نفسه مجرد مواطنٍ يمنيّ، وكان متواضعًا ولم يسعَ للشهرة على حساب مصالح البلاد، ولذلك لم يهتم بحراسة نفسه، ولم يبنِ لنفسه قصرًا واحدًا، بل تبرع بمنازله في منطقة ثلا لتكون مستوصفًا وغيره.
وآخِرُ منجز للرئيس الحمدي قبل اغتياله، تشكيلُ لجنة موسعة تشمل كل القوى السياسية وتهدف إلى تأسيس مؤتمر شعبي عام، يضمّ مختلف القوى اليمنية، وهذا كان النواة الأولى للتجربة الديمقراطية في البلاد، وكان ذلك قبل أسبوعين من حادثة اغتيال الرئيس الحمدي. كما كان له اهتمامات على المستوى العربي والقومي.
مثل ماذا؟
على المستوى العربي، دعا الرئيس إبراهيم الحمدي إلى عقد مؤتمر في اليمن للدول المطِلة على البحر الأحمر، والتخلص من الهيمنة الإسرائيلية، وتم اغتيال الحمدي بعد أشهر من انعقاد المؤتمر في مدينة تعز.
أيضًا اهتم الرئيس إبراهيم الحمدي باحتواء الحرب الأهلية في لبنان والتي استمرت 15 عامًا، وكان له الدور الرائد والفكر المستنير في مؤتمر القمة العربية في الرباط والتي أصدرت بيانًا يتضمن إرسال قوات سلام عربية إلى لبنان ومناشدة كل الأطراف اللبنانية للتفاهم والحوار، ونتيجة لذلك تم عقد لقاء بين الأطراف اللبنانية في الطائف بالمملكة العربية السعودية، وتم الاتفاق فيما بينهم، وكان لإبراهيم الحمدي الدور الأبرز في ذلك.
لا أستبعد أن المخابرات الإسرائيلية مشارِكة في مؤامرة الاغتيال، إلى جانب السعودية، وأذرعهما في الداخل، خاصة إذا ما عرفنا أنه في عام 1972، ذهب أحمد الغشمي وعلي عبدالله صالح إلى أسمرة في أريتريا والتي كانت تشهد حضورا إسرائيليا كثيفا، باعتبار أن الغشمي كان مريضًا وأنه يحتاج للعلاج في أسمرة ورافقه صالح، وظلوا هناك فترة زمنية.
وهنا أتذكر أننا كنا في طائرة تابعة للرئاسة في طريقها للرباط، وكان الرئيس إبراهيم الحمدي متهيبًا حضورَ القمة لأنه أول مرة سيقابل فيها الرؤساء والملوك العرب، وأخذ أكثر من 200 صندوق من أجود أنواع العنب اليمني، ووزعها على الرؤساء والملوك والأمراء، وتفاجأ أن جميعهم يطلبون اللقاء مع الرئيس الحمدي، وبعد عودته إلى البلاد ألقى محاضرة في القوات الجوية، وكنت حاضرًا فيها، وقال إنه كان متهيبًا لقاءات الرؤساء وأنه بعد مقابلتهم تفاجأ بأن حديثهم معه كان حول العنب اليمني أكثر من حديثهم عن القضية الفلسطينية، وهذه قالها على سبيل النكتة.
دول وشخصيات متآمرة
هل هناك مواقف أخرى تحتفظ بها ذاكرتك عن الرئيس الحمدي؟
نعم، كنّا في القوات الجوية مختلفين مع قائد القوات الجوية "علي الشيبة"، وزارنا الرئيس إبراهيم الحمدي يوم 17 يونيو 1974، وألقى كلمة يحثّنا فيها على التصحيح، وقال نحن قدرناكم في القوات الجوية وتم اختيار الأخ علي الشيبة عضوًا في مجلس القيادة، فنحن غضبنا، وعندما غادر إبراهيم الحمدي، قمنا باحتجاز علي الشيبة واتصلنا بالحمدي للقيادة، وقلنا له: نحن بدأنا بالتصحيح حسب كلامك، وهو غضب وقال: والله لأعدمكم، وشكّل لجنة برئاسة عبدالله عبدالعالم، وعضوية أحمد الغشمي وعلي أبولحوم، وجاؤوا إلينا وطلبوا منا تسليم علي الشيبة فسلمناه لهم، وطلبوا أن يحلوا المشكلة لكننا رفضنا، وحينها اتهمونا بأننا ننفذ انقلابًا ضد مجلس القيادة ورمونا في السجن لمدة 60 يومًا، لأنه كان من الصعب تغيير القيادات العسكرية حسب رغبات المنضمين للوحدات العسكرية، وفي الأخير خرجوا بحل وهو تعيين محمد ضيف الله قائدًا للقوات الجوية وتعيين علي الشيبة نائبًا لرئيس الأركان، وبعدها تم إطلاق سراحنا، وعدنا للقوات وظللنا نمارس أعمالنا حتى تم اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي.
قلت إنّ الحمدي دعا إلى مؤتمر للدول المطلة على البحر الأحمر، لحمايته من الهيمنة الإسرائيلية، وتم اغتيال الحمدي بعد أشهر من انعقاد هذا المؤتمر؛ ما هي فكرة مؤتمر البحر الأحمر، وهل ترى أن هذا المؤتمر كان أحد أبرز الأسباب في اغتيال الرئيس الحمدي؟
كانت فكرة عند المرحوم المناضل الكبير إبراهيم الحمدي، أن يحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية، ولذلك دعا إلى مؤتمر للدول المطلة على البحر الأحمر، والذي رفضت السعودية المشاركة فيه، وكان المؤتمر يستهدف خدمة كل الدول المطلة على البحر الأحمر، وكانت خطوة مهمة لحماية وتأمين البحر الأحمر، سواء من الهيمنة الصهيونية أو من أي عدوان، وكذلك لمزيد من التقارب بين البلدان العربية، وقد انعقد المؤتمر في 20 مارس 1977، بمدينة تعز. ولهذا السعودية والمخابرات الإسرائيلية أجهضت نتائج هذا المؤتمر باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي.
يعني أنت هنا تتهم المخابرات الإسرائيلية في المشاركة باغتيال الحمدي؟
نعم، لا أستبعد أن المخابرات الإسرائيلية مشارِكة في مؤامرة الاغتيال، إلى جانب السعودية، وأذرعهما في الداخل، خاصة إذا ما عرفنا أنه في عام 1972، ذهب أحمد الغشمي وعلي عبدالله صالح إلى أسمرة في أريتريا، باعتبار أن الغشمي كان مريضًا، وأنه يحتاج للعلاج في أسمرة ورافقه علي عبدالله صالح، وظلوا هناك فترة زمنية، ومعروف أن المخابرات الإسرائيلية تتواجد بشكل كبير في أريتريا التي كانت تابعة لإثيوبيا حينها، ولا يستبعد أنه تم استقطاب الغشمي وعلي عبدالله صالح للمخابرات الإسرائيلية، خاصة أنّ الكيان الصهيوني كان منزعجًا جدَّا من دعوة إبراهيم الحمدي للدول المحيطة بالبحر الأحمر ومحاولة جعله بحيرة عربية وتأمينه من الأطماع الصهيونية، وهو ما أزعج الكيان الصهيوني.
وأين كان أصدقاء ورجالات الحمدي وكوادر التنظيم الناصري؟ لماذا لم يأخذوا بالثأر من القتلة، ويقوموا بإحباط المشروع المضاد لمشروع الحمدي؟
في البداية، لم يكن معروفًا من الذي تآمر في اغتيال إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله، لأنه كان هناك ضبابية حول الموضوع، وفي رأيي أنّ العامة من الشعب اليمني كانوا أكثر إحساسًا بأن الغشمي متآمر في اغتيال الحمدي، ولذلك اندلعت المظاهرات الشعبية أثناء عملية دفن جثمان الرئيس الحمدي وأخيه، وكانت الجماهير تهتف: "أنت القاتل يا غشمي". بينما رجالات الحمدي وقتها كانوا في حالة صدمة وارتباك بشأن مصدر هذه المؤامرة وهُوية المتآمرين.
وكيف تفسر صمت قيادات عسكرية بارزة ومقربة جدًّا للحمدي، مثل الرائد عبدالله عبدالعالم، الذي كان يقود قوات لا يستهان بها، وهي قوات المظلات؟
أنا شخصيًّا تم تكليفي من قبل الأخ الأمين العام الشهيد عيسى محمد سيف للالتقاء بالأخ عبدالله عبدالعالم، قائد لواء المظلات، والاستفسار عن حادثة اغتيال الحمدي، ووجدت أن عبدالله عبدالعالم كان مقتنعًا بأن الغشمي وعلي عبدالله صالح ليسوا وراء حادثة الاغتيال، هذا كان في بداية الأمر، حيث نجح الغشمي في خداع عبدالله عبدالعالم، وأقنعه بأنها مؤامرة خارجية، وأنه سيتم التحقيق في حادثة الاغتيال.
ورغم ذلك، أنا أكّدت للأخ عبدالله عبدالعالم بأنني شخصيًّا لا أستبعد أن يكون الغشمي وصالح وراء عملية الاغتيال، ونصحت عبدالله عبدالعالم بأنه يجب عليه الحذر من الغشمي وعلي عبدالله صالح، وأن يأخذ احتياطاته منهم، ورويت له ما حدث لي مع محمد ضيف الله قائد القوات الجوية، عندما حاول استقطابي ضد الرئيس إبراهيم الحمدي، عندما كنت برفقته إلى مدينة الحُديدة، وقال لي محمد ضيف الله إنّ الحمدي هو ضد المشائخ وضد أبناء القبائل، وباعتباري شيخًا يجب أن أنضمّ إليهم بهدف إبعاد الحمدي عن الحكم، ولكني رفضت ذلك.
لكن عبدالله عبدالعالم اكتفى بالاتصال بالغشمي عبر وساطة أحمد النعمان، كما يروي ذلك نجله السفير مصطفى أحمد النعمان، ولم يتحرك عبدالله عبدالعالم إلا بعد أكثر من ستة أشهر من اغتيال الحمدي، وبعد أن قام الغشمي بإلغاء مجلس قيادة الثورة الذي كان عبدالله عبدالعالم عضوًا فيه.
التواصل بين الغشمي وبين عبدالله عبدالعالم كان مستمرًا، باعتبار أن الغشمي هو القائد العام للقوات المسلحة، وعبدالله عبدالعالم قائد قوات المظلات، هذا على مستوى الجيش، أيضًا باعتبارهما الاثنين عضوين في مجلس قيادة الثورة، ولهذا فمن الطبيعي أن يحدث التواصل بين الغشمي وعبدالله عبدالعالم، إضافة إلى أن الغشمي أكّد لعبدالله عبدالعالم أن حادثة اغتيال الحمدي مؤامرة خارجية وأنهما الاثنين يقفان في خط واحد. فاقتنع عبدالله عبدالعالم بكلام الغشمي، وكان غير مصدق بأن الغشمي وعلي عبدالله صالح ضمن المتآمرين ضد الحمدي.
ولكن بعدما تأكّد عبدالله عبدالعالم من مشاركة الغشمي وعلي عبدالله صالح في مؤامرة اغتيال الحمدي، شعر بالندم والإحباط، وأصابته عقدة الذنب، ولكنه شعر بأن قوة الغشمي تكاثرت وتآلبت عليه، ولن يستطيع مواجهتها في صنعاء، ولذلك قرر الانسحاب من صنعاء والانتقال إلى محافظة تعز.
ولماذا برأيك وافق الغشمي على انتقال عبدالله عبدالعالم من صنعاء إلى محافظة تعز، وسمح له باصطحاب معدات عسكرية وأطقم وأسلحة خفيفة ومتوسطة وعشرات الجنود، ويقال إنه أيضًا أعطاه مليون ريال؟
الغشمي أتاح الفرصة لعبدالله عبدالعالم بأن ينسحب من صنعاء؛ لأن الغشمي كان يهمه العاصمة صنعاء وعدم وقوع أي مواجهات فيها، وكان الغشمي والمتآمرون معه في قتل الحمدي مستعدين في غاية الاستعداد لمواجهة تحركات عبدالله عبدالعالم، وكانوا قادرين على منع عبدالله عبدالعالم من دخول تعز، لكنهم سمحوا له بدخولها بهدف إظهاره بأنه مناطقي ومتمرد، وأنه انسحب إلى منطقته "تعز"، ويريد فصل تعز عن صنعاء.
هناك من يرى أن الغشمي لم يكن خائفًا من عبدالله عبدالعالم، ولذلك لم يكن ضمن المدعوين لمأدبة الغداء بهدف اغتياله، كما فعل ذلك مع عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة، لأن الغشمي كان يخشى ردة فعله، بينما لم يخشَ ردة فعل عبدالله عبدالعالم؟
بالعكس، كان الغشمي خائفًا من عبدالله عبدالعالم، لأنه كان يسيطر على مناطق استراتيجية في العاصمة صنعاء، مثل جبل نقم وغيره، ولذلك سعى الغشمي لإرباك عبدالله عبدالعالم بالمعلومات المضلِّلة، وأعد العدة ضده، وقام بإدخال آلافٍ من أبناء القبائل إلى صنعاء استعدادًا لمواجهة عبدالله عبدالعالم، في حين كان هو معزولًا ولم يعرف بهذا إطلاقًا.
الانتقام للحمدي
هل كان انسحاب عبدالله عبدالعالم إلى تعز بتنسيق مع قيادة التنظيم الناصري؟
لا، لم يكن هناك تنسيق، وعندما ذكرت لك أن القائد عيسى محمد سيف أرسلني إلى عبدالله عبدالعالم بعد حادثة اغتيال الرئيس الحمدي، بهدف جس النبض ومعرفة ما لديه من معلومات فقط.
أما بالنسبة للتنسيق بين التنظيم وعبدالله عبدالعالم، فلا أعتقد أن قيادة التنظيم كانت موافقة على انتقال عبدالله عبدالعالم من صنعاء إلى تعز، ولكنه اتخذ القرار من تلقاء نفسه؛ لأنه كان في حالة حيرة وإرباك، وأيضًا قد تكون حالة يأس وندم لأنه لم يتصرف مباشرة بعد حادثة اغتيال الرئيس الحمدي، ومثل هؤلاء الرجال يقع في مثل هكذا مواقف صعبة جدًّا، ما يستدعي التماس الأعذار لهم.
ممكن التماس العذر لأشخاص، لكن كيف يكون التماس العذر لتنظيم سياسي بحجم التنظيم الناصري الذي كان بمثابة الحزب الحاكم حينها؟
التنظيم الناصري لم يعرف حقيقة المؤامرة إلا بعد فترة من حادثة الاغتيال؛ لأن المؤامرة كانت كبيرة، داخليًّا وخارجيًّا وبمشاركة المخابرات السعودية والصهيونية وأيضًا الأمريكية، ولذلك أتقنوا حبكة المؤامرة وإخفاء الحقيقة عدة أشهر.
وما الذي فعله التنظيم الناصري بعد معرفته لحقيقة المؤامرة؟
بدأ التنظيم يعد للقيام باغتيالات، لأننا لم نكن في البداية قادرين على حركة ثورية، ولم نكن متوغلين في الجيش بشكل كبير، ولذلك استجلبنا السلاح من ليبيا، وتحديدًا السلاح الصامت "كاتم الصوت" على أساس القيام باغتيال المتورطين في قتل الشهيد الحمدي وأخيه وزملائهم، وأخذ ذلك فترة طويلة في مراقبة أحمد الغشمي ومحاولة اغتياله.
هل قمتم بمحاولات لاغتيال أحمد الغشمي؟
لا، لأن الفكرة تحولت من فكرة الاغتيال إلى حركة تغيير الحكم، خاصة بعد أن نجحنا في الانتشار السريع داخل الجيش، ولكن استمرت عملية المراقبة والرصد، وأيضًا الاستعداد للقيام بحركة ثورية لتغيير السلطة وإعادة نظام ومشروع إبراهيم الحمدي.
كيف حصلتم على السلاح من ليبيا؟
حصلنا على السلاح من دولة ليبيا بطلب من قيادة التنظيم، واستجاب الرئيس الشهيد معمر القذافي لهذا الطلب، وكان يصل السلاح من ليبيا عبر الجنوب وأوصله إلى صنعاء الأخ ناصر الملاحي من منطقة رداع، وكان مناضلًا كبيرًا، وشارك في حرب السويس ضد العدوان الثلاثي على مصر.
قائد لواء تعز علي عبدالله صالح قام بجمع مشائخ الحجرية، وطلب منهم أن يسيروا كوساطة إلى عبدالله عبدالعالم، ثم قتلوهم في الطريق، وعبدالله عبدالعالم كان يحاول الفرار من تعز إلى مدينة عدن، وربما تداخلت أشياء لم يكن لدى عبدالله عبدالعالم أي نية لإيذاء هؤلاء المشائخ لأنهم كانوا أقرب الناس إليه ومن أبرز داعميه.
لكن السلاح وصل إلى صنعاء بعد أن كنا قد انتشرنا بكثرة داخل القوات المسلحة، وتم تغيير فكرة الاغتيالات، ولهذا تم إخفاء السلاح في بدروم جوار منزل مملوك للأخ عبدالكريم المحويتي، وقام أحد المناضلين، وكان يلقب بـ"ديجول" -وقد تُوفِّي، الله يرحمه- بالحفر في البدروم وأنا ساعدته في ذلك، وقمنا بإخفاء السلاح.
بالنسبة للمحاولة التي قام بها الرائد محمد الكبسي، عندما أطلق الرصاص باتجاه أحمد الغشمي داخل مكتبه، لكن المحاولة فشلت، وتم إعدام الكبسي- هل كانت هذه المحاولة انتقامًا لمقتل الحمدي؟ أم خلافًا شخصيًّا؟ وهل كان تصرفًا شخصيًّا من الكبسي أو ماذا؟
كان تصرفًا شخصيًّا من قبل الرائد محمد الكبسي، وهو من أفضل رجالات اليمن، وهو الذي قاد أول قوة عسكرية دخلت مأرب بعد قيام حركة 13 يونيو 1974م، بهدف تواجد الدولة في محافظة مأرب، ثم تم تعيينه قائدًا للواء الخامس، وبعد عملية اغتيال الرئيس الحمدي، ذهب الرائد محمد الكبسي إلى القيادة لمقابلة أحمد الغشمي وأول ما رأى الغشمي حاول أن يطلق عليه الرصاص، لكن المسدس "شَبَك"، ولم يتمكن من إطلاق الرصاص باتجاه الغشمي، فقاموا بإعدامه فورًا، نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
قصة مشائخ الحجرية
ماذا عن جريمة إعدام مشائخ الحجرية واتهام عبدالله عبدالعالم بارتكاب تلك المجزرة؟
قائد لواء تعز علي عبدالله صالح قام بجمع مشائخ الحجرية، وطلب منهم أن يسيروا كوساطة إلى عبدالله عبدالعالم، ثم قتلوهم في الطريق، وعبدالله عبدالعالم كان يحاول الفرار من تعز إلى مدينة عدن، ويمكن تداخلت أشياء لم يكن لدى عبدالله عبدالعالم أي نية لإيذاء هؤلاء المشائخ؛ لأنهم كانوا أقرب الناس إليه، ومن أبرز داعميه طيلة فترة قيادته لقوات المظلات، وكذلك خلال عضويته في مجلس قيادة الثورة، وحتى بعد حادثة اغتيال الشهيد الحمدي، فكيف سيقتلهم؟
ولماذا ظل عبدالله عبدالعالم صامتًا طيلة أربعة عقود، ولم يوضح حقيقة مقتل هؤلاء المشائخ أو على الأقل يبرئ نفسه باعتباره المتهم بقتلهم؟
أنا لا أعرف هل صدر منه توضيح أم لا، لأنه انقطع عن التنظيم، وعانى كثيرًا في المنفى، وكان يحب وطنه ويتوق للعودة، وكان عندما يُسأل عن حادثة مقتل مشائخ الحجرية، كان يقول بأنه سوف يوثق ذلك في مذكراته، وقد تُوفِّي رحمة الله عليه، والأمور عند ولديه، الله يصلحهما ويهديهما لإخراج هذه الحقائق.
يقال إن الغشمي حاول استمالة عبدالله عبدالعالم بعد انتقاله إلى تعز، وأرسل له عبدالعزيز عبدالغني لمقابلته، ويعرض عليه اختيار أي دولة خارجية ليتم تعيينه سفيرًا لديها، ما صحة ذلك؟
فعلًا، الغشمي أرسل عبدالعزيز عبدالغني إلى منطقة الحجرية لمقابلة عبدالله عبدالعالم، وأثناء ما كان عبدالله عبدالعالم يريد أن يذهب لمقابلة عبدالعزيز عبدالغني حدثت عملية تصفية المشائخ، وعندها عاد عبدالله عبدالعالم ورفض مقابلة عبدالعزيز عبدالغني لأنه عرف أنها مكيدة ضده، وربما يغتالوه هو وعبدالعزيز عبدالغني، هذا ما سمعناه في حينه.
مصير مخفيين
هل التقيت بعبدالله عبدالعالم في المنفى؟
نعم، التقيت به عدة مرات، والتقيت أيضًا بعبدالرقيب القرشي عندما كنت أذهب إلى دمشق لمناصرة العراق لأنني عضو الأمانة العامة لمؤتمر القوى الشعبية العربية لمناصرة العراق، وحملت رسائل من عبدالله عبدالعالم إلى علي عبدالله صالح وللشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ولكن علي عبدالله صالح قال لي: "يمكن أعفي على الإنس والجن إلا عبدالله عبدالعالم وعبدالرقيب القرشي"، ثم نصحتهما بعدم العودة للبلاد حتى لو وافق علي عبدالله صالح، لأنه لا أمان له، وفعلًا بعد فترة عاد عبدالرقيب القرشي إلى صنعاء بعد أن أعطاه علي عبدالله صالح وجه أمان، ورغم ذلك تم تصفيته في فندق تاج سبأ بصنعاء.
ما وراء التشدد الذي كان يظهره علي عبدالله صالح تجاه عبدالله عبدالعالم من وجهة نظرك؟
تشدد علي عبدالله صالح تجاه عبدالله عبدالعالم ورفيقه عبدالرقيب القرشي، كان أولًا بسبب أن علي عبدالله صالح عندما كان قائد لواء في تعز وكان يرتكب مظالم بحق أبناء تعز، وكان عبدالله عبدالعالم يمنعه من الاعتداء على الناس. وثانيًا وقوف عبدالله عبدالعالم بجانب الرئيس إبراهيم الحمدي وكان من أقرب المقربين لديه، وكان عضوًا بارزًا في مجلس القيادة.
بالنسبة لقضية صهر الحمدي "علي قناف زهرة" ورفيقه عبدالله الشمسي، اللذَين تم إخفاؤهما في منزل الغشمي، في نفس يوم اغتيال الحمدي، ولم يُعرف مصيرهما حتى اليوم، وهناك أكثر من رواية عن مصيرهما ولكنها تظل روايات غير مؤكدة، فما هي الرواية المرجحة لديك؟
علي قناف زهرة وعبدالله الشمسي كانوا في اجتماع خاص بلجنة إعداد للمؤتمر الشعبي العام في مكتب رئاسة الدولة، وتم استدعاؤهما من قبل الغشمي وذهبا إلى منزل الغشمي بصنعاء "أمام السفارة السعودية"، ويقال إن الغشمي أخذهما إلى منزله في ضلاع همدان ووضعهما في بدروم بجوار المنزل وأغلق عليهما وهما أحياء، ويقال إنه أنشأ فوق البدروم مزرعة قات.