في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، وبسبب التشظي الاجتماعي على الساحة اليمنية نتيجة استمرار الحرب، يغرق الكثير من الشباب اليمني في مهاترات تحريضية لثقافة الكراهية والتمييز بين منطقة وأخرى، لأغراض سياسية وصراعات نخبوية بحتة.
وازدهرت أثناء الحرب "الترندات" المكتظة بنزعات تستهدف الجامع الوطني لليمنيين، وتحد من فرص السلام وتوسِّع هوة التفرقة والتمزيق. من هذه الترندات (#أصحاب الهضبة، #الدحابشة، #الجعاربة، #الروافض، #الهاشميين، #أصحاب مطلع، #أصحاب منزَل)، وغيرها من المصطلحات والألفاظ التي باتت تنتشر بسرعة كبيرة في أوساط المجتمع اليمني في وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول الباحث الاجتماعي وعضو مؤتمر الحوار الوطني، عيبان السامعي، إن "الخطاب المناطقي المتداول في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ساعد على تنامي خطاب الكراهية وخلق مناخًا متشنّجًا"، لافتًا إلى أن مثل هذا الخطاب "له تداعيات كارثية على تقويض السلام، وتمزيق النسيج الاجتماعي"، وأنه يخلق انقسامات على أسس غير واقعية.
ويرى السامعي في حديثه لـ"خيوط"، أنّ من الضرورة مواجهة مثل هذا الخطاب بـ"إعادة صياغة العلاقات بين الأفراد في إطار علاقة وطنية شاملة وضامّة، والابتعاد عن أي صراعات ثأرية ممتدة".
ترندات هدامة
على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تداول بعض رواده "ترند" حمل في بدايته لغة ذات مسحة فكاهية، لكنه سرعان ما تحول إلى خطاب ساخر ينال من سكان منطقتي شرعب وجبل حبشي، حيث تم إنشاء مجموعة فيسبوكية تحمل اسم "جبل حبشي وشرعب"، حققت انتشارًا واسعًا، واستُخدمت فيها أنواع شتى من أساليب السخرية من الآخر، والتراشق بالألفاظ التي تخدش التماسك المجتمعي.
وفي تطبيق "تيك توك"، الأشهر عالميًّا، يقول المستخدم علي عبدالله (اسم مستعار)، إنه يتألم كثيرًا حينما يشاهد شخصًا يطل من تطبيق "تيك توك"، وهو يقذف المدينة التي ينحدر منها، بأسوأ الألفاظ لمجرد أنّ نساءها منفتحات، وهو ما يضطره للرد المضاعف، حد قوله.
ما وراء الكراهية
ساهمت الترندات التي تحتوي على خطاب يغذي الكراهية في إصابة النسيج الاجتماعي بعدة صدمات، قد يسهّل استمرارها تمزيقه ويمتد أثرها إلى المستقبل، حسب خبراء وأكاديميين في علم الاجتماع.
في هذا الصدد، يقول الدكتور ياسر الصلوي، أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد بجامعة تعز، لـ"خيوط"، إن "كل ذلك ينعكس سلبًا على المواطنين والجمهور من مرتادي وسائل التواصل ومتابعي الإعلام الإلكتروني، سواء على المدى القصير أو الطويل".
ويضيف الصلوي: "المرحلة التي يمر بها المجتمع اليمني، بسبب الحرب والمتغيرات المرتبطة بها، أدّت إلى تراجع في الانتماء للهوية الوطنية الجامعة، وعلى حساب الهويات دون الوطنية، مثل القروية والمناطقية والقبلية والطائفية".
ويتابع أن "التعدد المناطقي والجغرافي والطائفي، حقيقة قائمة في المجتمع اليمني، إلا أن هذا التعدد في الفترة الحالية صار مدعاة للتخندق خلف هُويات ضيقة".
ويؤكد الصلوي أنه "لو حدث وعملنا دراسة تحليلية لِمَا يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي، سنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي، بما تحتله من أهمية كبيرة وباعتبارها أهم أنواع الإعلام الجديد التي حولت المواطن من متلقٍّ لصانع محتوى، قد أجّجت من خطاب الكراهية، خاصة مع عدم وجود ضوابط تجرم الخطاب المناطقي والطائفي".
تنتشر ترندات خطاب الكراهية بين أوساط الشباب والمراهقين؛ كونهم يتمتعون بالحماس وحب الظهور، ولديهم الرغبة في تحقيق ذواتهم، وهو ما يتم استغلاله لإشعال الفتنة والتعصب في البلاد
الوسط الشبابي
ألقت الحرب الدائرة في اليمن للعام الثامن على التوالي، بظلالها القاتمة على مختلف جوانب الحياة، لكن أثرها النفسي نال النصيب الأوفر. الدكتور جمهور الحميدي، أستاذ علم النفس بجامعة تعز، يقول لـ"خيوط": "خطاب الكراهية هو أحد إفرازات المرحلة الراهنة التي تشهد انقسامًا وشتاتًا وتشظيًا اجتماعيًّا كبيرًا، نتج عنها آثار نفسية خطيرة، على رأسها تدني تقدير الذات لدى من يتم التنمر عليهم".
ويضيف الحميدي أن من يصدر عنهم خطابًا عدائيًّا ومثيرًا للعنف والكراهية، "يعانون نوعًا من الانفصام والتعالي، وهو ما يعزز من الفرقة، ويحد من التفاعل الإيجابي والبنّاء بين الأفراد؛ وبالتالي يتسبب في تدهور العلاقات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع".
من جانبها، تقول الدكتورة أنجيلا المعمري، أستاذة علم النفس بجامعة تعز، لـ"خيوط"، إن "ترندات خطاب الكراهية ترتفع بين أوساط الشباب والمراهقين، بسبب أنهم يتمتعون بالحماس وحب الظهور، ولديهم الرغبة في تحقيق ذواتهم"، وأن ذلك "ما يتم استغلاله لإشعال الفتنة والتعصب".
إسقاطات ذاتية
يرى عامة مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، أن محتوى الترندات الساخرة من الآخر أو تلك التي تحمل طابعًا مناطقيًّا، مجرد فكاهة لا أكثر، فيما يرى مختصون في علم النفس وعلم الاجتماع، أنها تخفي وراءها دوافع نفسية واجتماعية أفرزتها الحرب. هذا ما يؤكده الدكتور جمهور الحميدي، الذي نوّه إلى أنّ "خطاب الكراهية عبارة عن إسقاطات لسلوكيات لا يستطيع الفرد التخلص منها، فيما الجزء الكبير هو الهروب من المسؤولية جراء الأزمات التي تعصف بالبلد، أو التعميم في توجيه أصابع الاتهام إلى أهالي منطقة أو محافظة بعينها".
وينتقد الحميدي بشِدة "تداول خطاب الكراهية بين الصحفيين والمثقفين ومسؤولي الدولة"، محمّلًا إياهم مسؤولية نقل القيم السلبية إلى المجتمع، لأن هذه القيم السلبية "ستصبح بعد ذلك عادات اجتماعية يصعب التخلص منها".