يقع ساحل حصن الغراب في منطقة بئر علي بمديرية رضوم بمحافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، ويبعد 2 كيلو متر فقط عن مدينة بئر علي، و200 كيلو متر عن مديرية عتق عاصمة المحافظة.
ويقع حصن الغراب على قمة الجبل الواقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الميناء، والذي يرجع اكتشافه إلى صباح يوم 16/5/1834م، عندما ألقى بحارة السفينة الإنجليزية "بالينورس" المرساة في ممر ضيق قصير مغلق من أحد جانبيه بجزيرة منخفضة، ومن الجانب الآخر بصخرة قائمة وعرة، عليها بقايا حصن قديم، وقال لهم البحار العربي المرافق لهم: إن هذا المكان هو حصن الغراب، وكان البحارة الإنجليز ثلاثة، وهم: ولستد، وهاملتون، وكروتندن الذين أوكل إليهم مهمة استكشاف الساحل الجنوبي للجزيرة العربية- قد شاهدوا على قمة الجبل حصنًا، وخرائب، وأطلال، وأبراج، ومباني كثيرة، وانتشار آثار عديدة على المنحدر معظمها مبني من أحجار الصخور الجبلية نفسها، وعُثر في الطريق الصاعد إلى قمة الجبل على كتابة بخط المسند، كما وجدوا في القمة صهريجً (كريف) للماء، وبقايا تحصينات، منها أبراج ضخمة مربعة الشكل تتجه نحو البحر، ومن ذلك تبين لأولئك البحارة أنه عبارة عن حصن يحمي الميناء.
وقد نسخ ولستد تلك الكتابات التي وجدها في الطريق الصاعد إلى قمة حصن الغراب، وهما النقشان الموسومان بـ (621CIH) ،(728CIH) إلا أن النقش الموسوم بـ (621CIH) اشتهر بين علماء الحضارات العربية الجنوبية القديمة باسم "نقش حصن الغراب"، وهو من أهم النقوش التي نشرت؛ كونه يؤرخ لأهم فترة من فترات تاريخ جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام؛ إذ أنه مؤرخ في العام 640 من التاريخ الحميري الذي يقابل سنة 525 ميلادية، وهي المرحلة التي شهدت سقوط الحضارة الحميرية القديمة.
مما يستفاد منه أن حصن الغراب هذا كان يسمى " عر ماويه" و "حصن ماوية" أو "جبل ماوية". وقد ورد في النقوش التي وجدها ولستد أن "رصيد أبرد بن مشن" "مشان"، كان مسئولًا عن "بدش" "باداش"، وعن "قنا"، وقد كتب ذلك على "عر مويت" "عر ماوية"، أي حصن "ماوية".
وقد ذكر حصن الغراب العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف في كتابه "إدام القوت"، فقال: " هو في بير علي، وهو أحد مرائي حضرموت، وهو مبني بالحجار المنحوتة يبلغ بعض أحجاره أربعة أذرع وستة أذرع على قمة جبل يحيط به البحر من الجهات الثلاث على عمق غزير يمكن لكبريات البواخر أن ترسو بقربه، وليس له طرق من البر إلا من جهة شماله، وهو حصن منيع آثاره باقية، وحواليه كتابات بالمسند يظهر أنها تعريف به وبأهله. هكذا وصفه لي السلطان ناصر بن طالب.
وذكر محققا إدام القوت نقلاً عن تاريخ اليمن القديم ص 157- 158 ما يدل على أن هذه النقوش – نقوش المسند- والكتابة وضعت سنة 621م، وهي تؤرخ مرحلة من الصراع الدامي الذي لاقاه نصارى نجران على يدي ذي نواس الملك اليهودي، والذي نقش ذلك النقش هو سميفع أشوع من أبناء شرحبيل يعفر السبئي اليهودي أحد أبناء حكام اليمن التبابعة. ومما يستفاد منه أن حصن الغراب هذا كان يسمى " عر ماويه" و "حصن ماوية" أو "جبل ماوية". وقد ورد في النقوش التي وجدها ولستد أن "رصيد أبرد بن مشن" "مشان"، كان مسئولًا عن "بدش" "باداش"، وعن "قنا"، وقد كتب ذلك على "عر مويت" "عر ماوية"، أي حصن "ماوية".
كان السميفع المذكور قد قام بترميم سور الحصن وبابه وصهاريجه، وطريق العقبة الصاعدة إليه، وتحصن هو وجنوده بعد عودتهم من أرض الحبشة.
وقال الأستاذ إبراهيم المقحفي عنه أنه: " لسان جبلي ممتد من الساحل إلى البحر بالشرق من بندر بير علي، وهو رأس جبلي مستدير الشكل على رأسه أنقاض لبنايات قديمة، ويحيط به البحر من الجهات الثلاث، وليس له طريق من البر إلا من جهة شماله فقط. قال بامطرف: وقد سمي هذا الرأس حصن الغراب نسبةً إلى قبيلة آل الغراب الحميرية التي هاجرت من مكانها هذا إلى منطقة الديس الشرقية، وأصبحت جزءًا من الاتحاد الحمومي العشائري، وتعرف هذه القبيلة الآن باسم بيت غراب، ومن فخائذهم حميد بن عمر، ولهم الزعامة، وبيت التيس، وبيت الفرم – بفتح فسكون –، وبيت بلقري، وبيت غصيم وغيرهم".
وأشار الباحث عبدالله بن اسحاق إلى الأدلة العلمية التاريخية المكتشفة عن قدم المنطقة وحضارتها بالنسبة للعالم وقال ( لقد أثبتت الحفريات الأثرية إن الإنسان القديم قد استوطن هذا الجزء من العالم وتم العثور على أدوات حجرية كان يستخدمها الإنسان البدائي في حياته وذلك في مناطق مثل القزة بوادي دوعن وأربعه وديان نهرية واسعة وهي وادي دهر ووادي رخية ووادي الكسر ووادي العين).
وبخصوص، ميناء قنا وهو الشاهد على الأهمية التي يحظى بها في التاريخ القديم، قال إسحاق:( كما أظهرت الحفريات ركام معبد آلهة القمر (سين) على مساحة 8 في 10 متر،إلى جانب مدينة قنا وميناءها الرئيسي لجنوب الجزيرة العربية والذي يعود تاريخ بناء الميناء الواقع في الجانب الغربي للمدينة إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد).
وذكر الأستاذ كرامة مبارك سليمان بامؤمن في كتابه الشهير (الفكر والمجتمع في حضرموت الطبعة الثالثة ص87) كلاما مفيدا خلاصته أن ساكني هذه المنطقة الساحلية من ساحل الشحر حتى ميفع حجر وبئر علي وبلحاف وعين بامعبد -جنوب محافظة شبوة حاليا- قد كانت مساكن قوم عاد الثانية بعد هلاك عاد الاولى في الصحراء ونقل ترجمة للنقش الذي وجد في الحصن مفاده أن اثر التوحيد والإيمان بالله وباليوم الآخر وأتباع شريعة النبي هود عليه السلام واضح في نص هذا النقش الذي كتب بلغة أهل حضرموت الجنوبية القديمة والخط المسند الحميري.
ومن الجدير بالذكر اشتراك ثلاث حصون يمنية بهذا الاسم، بحسب ما ذكرها المقحفي، وهي ما سبق ذكره، بالإضافة إلى:
المصادر: