سُمِّيَ هذا المؤتمر باسم المدينة التي عُقِدَ فيها، وتقع شمال الجمهورية اليمنية قبالة ساحل البحر الأحمر الذي تبعد عنه بنحو 30 كم. جاء عقد المؤتمر نتيجةً للاتفاقية التي عُقِدَت في جدة يوم 26 ربيع الآخر 1385هـ/ 24 أغسطس سنة 1965م، بين الرئيس جمال عبدالناصر- رئيس الجمهورية العربية المتحدة (مصر)، وبين الملك فيصل آل سعود- ملك المملكة العربية السعودية؛ لحل مشكلة اليمن، وعرفت باتفاقية جدة(1)؛ وقد نصّت الاتفاقية على:
1- يقرّر ويؤكِّد الشعب اليمنيّ رأيَه في نوع الحكم الذي يرتضيه لنفسه، وذلك في استفتاءٍ شعبيّ في موعد أقصاه 23 نوفمبر 1966.
2- تعتبر المدة الباقية حتى تاريخ الاستفتاء، فترةً انتقالية بقصد الإعداد والترتيب للاستفتاء المذكور.
3- تتعاون المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة في تشكيل مؤتمر انتقالي يتكون من خمسين عضوًّا، ويمثّل جميع القوى الوطنية وأهل الحل والعقد للشعب اليمني بعد التشاور مع الفئات اليمنية المختلفة، حسب ما تم الاتفاق عليه. ويجتمع المؤتمر المذكور في مدينة حرض يوم 23 نوفمبر 1965، وعلى هذا المؤتمر القيام بالمهام التالية:
أ- تقرير طريقة الحكم في فترة الانتقال وحتى إجراء الاستفتاء الشعبي.
ب- تشكيل وزارة مؤقتة تباشر سلطات الحكم خلال فترة الانتقال.
ج- تقرير شكل ونظام الاستفتاء الذي سيتم في موعدٍ أقصاه 23 نوفمبر 1966.
4- تتبنّى الحكومتان قرارات المؤتمر الانتقالي اليمني المذكور، وتدعمانها وتتعاونان في إنجاح تنفيذها، وتعلنان من الآن عن لجنة محايدة منهما معًا للمتابعة والإشراف على الاستفتاء، وذلك فيما إذا قرر المؤتمر ضرورة لوجود مثل هذه اللجنة المحايدة.
5- تقوم المملكة العربية السعودية على الفور، بإيقاف كافة عمليات المساعدة العسكرية بجميع أنواعها أو استخدام الأراضي السعودية للعمل ضد اليمن.
6- تقوم الجمهورية العربية المتحدة بسحب كافة قواتها العسكرية من اليمن في ظرف عشرة شهور، ابتداء من يوم 23 نوفمبر 1965.
7- توقف الاشتباكات المسلحة في اليمن فورًا، وتشكّل لجنة سلام مشتركة من الجانبين، تقوم بما يأتي:
أ- مراقبة وقف إطلاق النار بواسطة لجان خاصة للمراقبة.
ب- مراقبة الحدود والموانئ، وإيقاف المساعدات العسكرية بجميع أنواعها، أمّا المساعدات الغذائية فتتم تحت إشرافها. وللِجان المراقبة المذكورة أن تستخدم وسائل التنقل اللازمة، ويمكن لها أن تستخدم بِحُرّية الأراضيَ اليمنية كما يمكنها أن تستخدم الأراضيَ السعودية إذا دعت الضرورة لذلك.
8- تتعاون المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة، وتعملان إيجابيًّا على تأمين تنفيذ هذا الاتفاق، وفرض الاستقرار في الأراضي اليمنية حتى إعلان نتيجة الاستفتاء، وذلك بتخصيص قوة من الدولتين تستخدمهما اللجنة عند اللزوم، للقضاء على أي خروج على هذا الاتفاق أو أي عمل على تعطيله أو إثارة القلاقل، في سبيل نجاحه.
9- بغية دفع التعاون بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى التقدم، واجتياز المرحلة الحالية إلى الوضع الطبيعي كما كانت وكما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين البلدين، يتم اتصال مباشر بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل، لتلافي حدوث أي مصاعب تقف في طريق تنفيذ هذا الاتفاق(2).
افتتح المؤتمر جلسته الأولى يوم 29 رجب 1385هـ/ 23 نوفمبر سنة 1965م، حسبما جاء في الاتفاقية المذكورة، وحضر الجلسة 25 عضوًا من الجانب الجمهوري برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني، و25 عضوًا من الجانب الملكي برئاسة أحمد محمد الشامي. وتوزعت الأسماء على التكوينين، المذهبَين الرئيسين (شافعي وزيدي)(3).
بدأت أولى الخلافات على تحديد الأغلبية في التصويت، وعلى طريقة الحكم، فقد رأى الجانب الجمهوري أن يتم العمل بطريقة الأغلبية المطلقة في المؤتمر، وأن تشكّل الحكومة المؤقتة تحت ظل النظام الجمهوري، على أن يشترك فيها الملكيون بنسبة متفق عليها، على ألّا يشترك بها أحد من بيت حميد الدين، وكان رأي الجانب الملكي أن يكون التصويت بالإجماع، وأن تكون الحكومة تحت اسم دولة اليمن(4).
جاء في كتاب اليمن وأهل اليمن:
"إنّ المؤتمر بدأ بالخلاف بين الجانبين، عندما تشدّد الجمهوريون حول استبعاد بيت حميد الدين من المباحثات، وفي اليوم الثاني أصرّ علي بن ناجي الغادر شيخ قبيلة خولان على قيام دولة اليمن (لا ملكية ولا جمهورية)، وليس فيها بيت حميد الدين، وفي اليوم الثالث تشكّك الملكيون من الجمهوريين المنشقين لموقفهم المتشدّد من استبعاد أسرة حميد الدين، ومن ثَمّ كان التفريق بينهم في الخيام، لكن مع تواصل الحوار اقتنع الجميع في النهاية، بضرورة استبعاد أسرة حميد الدين"(5).
وكانت العقبة الثانية التي وضعها الجانب الملكي للمضيّ في أعمال المؤتمر هي إصراره على إلغاء اسم الجمهورية العربية اليمنية، وعلى ألّا يتصف الجانب الجمهوري بهذه الصفة؛ فكان ردّ رئيس الجانب الجمهوري بأن كل جانب يتصف بصفته، ويحتفظ بتسميته، وكانت ذريعة الملكيين أنّ احتفاظ الجانب الجمهوري بصفته يعني اعتراف الملكيين بالجمهورية، ورفض الجانب الجمهوري التخليَ عن اسم الجمهورية العربية اليمنية، إلّا إذا أقرّ الشعب في الاستفتاء المقرر تسميةً أخرى. ورفض الملكيّون استمرارَ الاجتماع، ما لم يتم إلغاء اسم الجمهورية العربية اليمنية، وتبنّى رئيس الوفد السعودي وجهة نظرهم، كما أصرّ الملك فيصل على إلغاء الاسم، وحاول الجانب المصري أن يشرح للجانب السعودي بأن إسقاط اسم الجمهورية العربية اليمنية قبل أن يتم الاستفتاء وتظهر نتائجه– حكمٌ مسبق لا يستطيع أحدٌ تحمّل مسؤوليتِه. يضاف إلى ذلك أنّ أغلبية دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية معترفة بالجمهورية العربية اليمنية التي هي أيضًا عضوٌ في هيئة الأمم المتحدة، وتحتل مقعد اليمن، فلا يمكن تغيير ذلك إلّا استنادًا إلى الاستفتاء. وتشير الوثائق إلى أنّ الملك فيصل كان يريد تذويب الجمهورية، إلى جانب خوفه من عدم انسحاب القوات المصرية من اليمن؛ إذ لم تبدأ بانسحابها بعد، وكان من المفروض أن يتم خلال عشرة أشهر بعد توقيع اتفاقية جدة، ويبدأ عقب ذلك التوقيع؛ الأمر الذي جعل فيصل يهدّد بإعادة المساعدة للملكيين وتسليحهم بعد أن قطعها عنهم، حسب قوله(6).
وإلى جانب تلك العقبات، فإنّ الوفد الملكي كان يتجاوز الإجراءات المتفق عليها ومنها:
"أنهم [كانوا] يأتون في كل جلسة بأشخاص جدد، وهذا معناه الفوضى، التي تعطي دليلًا آخر على عدم الجدية في تنفيذ الاتفاقية"(7).
لكلِّ ذلك وغيرِه، تأجّلَ المؤتمر بعد أن ظلّ كلٌّ من الطرفين في مقرّه فترةً دون لقاء رسمي، وأعلنت السعودية سحب ممثليها من لجنة الرقابة المصرية – السعودية المشتركة، وانتهى الأمر بتشكيل لجنة من عشرين عضوًا، تمثِّل الجانبين، وتعرض عليها طريقة اختيار نظام الحكم في الفترة الانتقالية، ولم يحقّق المؤتمر أيًّا من الأغراض التي عُقِدَ من أجلها(8).
المصادر:
(1) ينظر الموسوعة اليمنية، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 2003، مؤتمر حرض، أحمد قائد بركات، ص 1056 وما بعدها.
(2) ينظر كتاب "مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني"، الجزء الثاني 1962-1967"، الطبعة الأولى 2013، الملاحق ص 698-699.
(3) ينظر كتاب "مؤتمر حرض وثائق ومحاضر"، عبدالله الحسني، دار الكتاب الجديد، الطبعة الأولى 1966؛ حيث ذكر المؤلف أمام كلِّ اسمٍ في الوفدين انتماءَه المذهبيّ. الشافعيون في الوفد الجمهوري بلغوا 15 عضوًا، إلى جانب 10 أعضاء من المذهب الزيدي، وبالمقابل بلغ أعضاء الوفد الملكي من أتباع المذهب الشافعي 8 أعضاء إلى جانب 17 عضوًا من أتباع المذهب الزيدي. وقد جاء في أحد اعتراضات الجانب الجمهوري على تصنيف التمثيل على أساس طائفي أو كما جاء في مذكرات الرئيس القاضي "أنه سيأتي من ضمن ممثليهم عشرة من الشافعية، رغم رفضنا تصنيف التمثيل على أساس طائفي"، مصدر سابق، ص 422.
(4) ينظر مذكرات الرئيس القاضي، ص416-417.
(5) اليمن وأهل اليمن- أربعون زيارة وألف حكاية، يوسف الشريف، دار الشروق القاهرة، الطبعة 2008، ص205.
(6) ينظر الموسوعة اليمنية.
(7) مذكرات الرئيس القاضي، ص 451، من برقية رفعها رئيس الوفد الجمهوري لأعضاء لجنة السلام وهيئة الرقابة في المؤتمر.
(8) الموسوعة اليمنية.