مثل سائر المناطق في اليمن، تتميز محافظة حَجَّة بجانبٍ من الخصوصية في الاحتفال بالعيد، من حيث العادات والتقاليد التي يمتزج فيها الموروث المحلي بالمعتقد الديني بالفلكلور أحيانًا، على نحوٍ لا يخلو من تمايز نسبي، وإن كان في كثير من تفاصيله وأنماطه يتماثل مع مناطق أخرى من اليمن.
ما يميز محافظة حجة عن سواها من المحافظات اليمنية يكمن في تنوعها الديمغرافي، الذي يعدُّ أشبه بفسيفساء اجتماعية تختزل اليمن الكبير، من واقع طبيعتها الجغرافية التي تمتد بين الجبل والساحل التهامي، وصولًا إلى الحدود السعودية التي تحاذي الجزء الشمالي من محافظة حجة، إلى جانب فئة قليلة من سكان الجزر التابعة لقطاع ميدي في البحر الأحمر، الأمر الذي يجعلها تلخيصًا مصغَّرًا لعموم اليمن بكل فئاته وثقافاته.
هذا التنوع الكثيف حمل تأثيره المكاني على الثقافة المحلية، وأثرى تنوعها على نحوٍ غير اعتيادي، بالمقارنة مع نظيراتها من المحافظات اليمنية الأخرى. ومن جملةِ ذلك، طقوسُ الاحتفال بعيد الفطر، الذي يعدُّ إحدى المناسبات الدينية الأعلى مقامًا في وجدان المسلمين، ولا سيما في المجتمعات العشائرية التي ما تزال أكثر حميمية مع الدين وأكثر ارتباطًا بالفلكلور الملحي، شأن محافظة حجة.
اختلاس البهجة
رغم الضائقة المعيشية التي يعاني منها اليمنيون، بمن فيهم سكان محافظة حجة، تغص الأسواق بالحركة تأهبًا للعيد، بينما تعكف ربات البيوت على تحضير الحلويات والمعجنات التي تعد جزءًا أصيلًا من أجواء العيد بمحافظة حجة، تمامًا كما هو حال بقية مناطق اليمن والعالم الإسلامي، بحكم ما جرت عليه عادة الزيارات المتبادلة بين الأقارب وتبادل التهاني والأمنيات السعيدة بين أفراد المجتمع، كنوعٍ من العادات الدينية التي يحض عليها الإسلام.
في بعض مناطق الشمال الشرقي من محافظة حجة، تأخذ الطقوس العيدية شكلًا كرنفاليًّا، حيث يتجمهر شباب العشيرة والفتيان اليافعون صباح العيد لأداء "البَرَع"، وهي رقصة حربية تُؤدَّى بشكلٍ جماعي متناغم على إيقاع الطبل و"الطاسة"، إلى جانب إنشاد "الزامل".
في صباح العيد، تصدح مآذن المساجد بأصوات التكبير أو التلاوات والأذكار المأثورة. في أثناء ذلك يخرج الرجال والأطفال في ثيابهم الجديدة، لصلاة العيد في الجبَّانات أو المساجد، بينما تظل النسوة في البيوت لإعداد فطور العيد الذي يتكون عادةً من خبز الطابون مع العسل أو زيت السمسم، فيما تزدهي المجالس بأطباق الحلويات والمكسرات والسكاكر، استعدادًا لاستقبال الضيوف.
أما في بعض مناطق الشمال الشرقي من محافظة حجة، فتأخذ الطقوس العيدية شكلًا كرنفاليًّا، حيث يتجمهر شباب العشيرة والفتيان اليافعون صباح العيد لأداء "البَرَع"، وهي رقصة حربية تُؤدَّى بشكلٍ جماعي متناغم على إيقاع الطبل و"الطاسة"، إلى جانب إنشاد "الزامل"، وهو أيضًا نوعٌ من الشعر الشعبي الحربي، يُعتَقد أن بداية ظهوره تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وتحديدًا إبان الغزو الروماني لليمن؛ يُؤدَّى بشكلٍ جماعي، وهو سبب تسميتها (أزمالًا)، التي ترادف في اللغة معنى أخلاط، دلالة على اختلاط أصوات منشديه ببعضها، إلا أن هذه العادة بدأت تنحسر بشكل تدريجي خلال السنوات الأخيرة.
فرحةٌ لم تكتمل
رغم ما يحمل العيد من البهجة ومشاعر القرب واجتماع العائلات وعودة الغائبين، قد لا يخلُو من إذكاء مشاعر الفقد والشجن، بالنسبة للعائلات التي فقدت واحدًا من أبنائها أو أكثر خلال الحرب، التي أجهزت على الآلاف من الشباب بمحافظة حجَّة ممن انخرطوا مع أطراف الصراع، إذ تُعد حَجَّة المحافظة الثانية في اليمن من حيث عدد القتلى الذين قضوا في الحرب، بعد محافظة صعدة (شمال اليمن)، وتتصدر مديرية المفتاح القائمة بعددٍ يقترب من ألفي قتيل منذ مارس/ آذار 2015، حتى الآن.
في واقع كهذا، ليس العيد سوى مناسبةٍ تنكأ القلب، وفقًا لـ(أُمّ عبدالوهاب)، وهي سيدة أربعينية فقدت اثنين من أبنائها في أقل من سنة، تقول لـ"خيوط"، إن العيد يؤجج في قلبها مشاعر الفقد، بعد أن هلك ابْنَاهَا في الحرب، "حين أتذكر أن الغائب لا يعود من تحت التراب أبكي وأتألم. في العيد الفائت ذهبت إلى الروضة (المقبرة) حيث يرقدُ ابْنَايَ، وطفِقتُ أبكي بلا توقف. حسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب"، تردف.
دون أم عبدالوهاب، كثيرٌ من الأمهات والآباء والأبناء والزوجات بمديريات محافظة حجة، يتشاركون مشاعر الحزن ذاتها، جراء فقدانهم واحدًا من ذويهم أو أكثر خلال الحرب، إلا أن ذلك لا يمنع في العادة من اختلاس لحظاتِ سعادة يتقاسمون فيها دفء التآلف والقرب مع محيطهم وعائلاتهم كنوعٍ من البرتوكول خلال العيد، رغم قسوة الواقع الذي لا مناص لهم من محاولة التصالح معه، وإنْ على مضضٍ ومشقة.