يواجه مزارعو محافظة حضرموت، إلى جانب مشاكل ارتفاع تكاليف الزراعة وظهور الآفات والأمراض الزراعية والتوسع العمراني، تقاعسًا من قبل الجهات الرسمية المعنية في ضبط متنفذي الأراضي الذين يسطون على أراضي المواطنين بلا وجه حق.
في الشهر الماضي، نفذ عشرات المزارعين بمحافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن) وقفة احتجاجية أمام مبنى الدوائر الحكومية بمدينة سيئون ثاني أكبر المدن في محافظة حضرموت، ضد ما أسموه صمت الجهات الرسمية إزاء السطو على أراضيهم من قبل بلاطجة ومتنفذين .
وصدر عن الوقفة الاحتجاجية، بيان طالب فيه المحتجون السلطات المحلية والأمنية بحضرموت، بإيقاف ما تتعرض له أراضيهم الزراعية من مصادرة، وإتلاف متعمد لمزارعهم من قبل متنفذين بقوة السلاح والسلطة دون وجه حق.
وأشار البيان إلى أن الاعتداءات لم تتوقف عند إتلاف المزروعات، بل وصل إلى التصفية الجسدية لبعض المزارعين وتهديد آخرين بالتصفية والاعتداء على بيوتهم وممتلكاتهم، وذكر البيان أن المزارع ربيع كرامة الخديد أحد الذين تعرضوا للتصفية الجسدية بدم بارد أمام الناس جهارًا نهارًا دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنًا مع وجود القاتل يسرح ويمرح في شوارع حضرموت.
امتداد تاريخي
تأتي الوقفة الاحتجاجية بعد قيام مسلحين قبليين بإطلاق النار على بيت أحد المزارعين على إثر خلاف حول أرض زراعية، دون تدخل الجهات المعنية لوضع حد لهذا التصرف.
تفتقر الجهات الأمنية للقوة الكافية، لتنفيذ الأوامر القضائية ومواجهة متنفذي الأراضي في ظل الوضع الصعب الذي تعانيه الجهات الأمنية، من ضعف في الإمكانيات والقدرات، حيث لا تملك المراكز الأمنية أكثر من سيارتين
لمشاكل الأراضي الزراعية في حضرموت امتدادٌ تاريخي يبدأ منذ زمن السلطنة الكثيرية التي صرف سلاطينها وثائق إقطاع بمساحات شاسعة للكثير من المنتفعين دون حدود مبينة وواضحة، بعدها قامت السلطة التي تلت حكم السلاطين بتأميم غالبية الأراضي الزراعية وإعادة توزيع غالبيتها لصالح الدولة.
بعد سنة 1990، شكلت دولة الوحدة لجنة للتدقيق بالوثائق وإعادة الممتلكات إلى أهلها بحلول عادلة ليتم استرجاع الكثير من الأراضي لأهلها.
تقاعس الجهات المعنية
في هذا الصدد، يقول المزارع سليم عنبر، في حديثه لـ"خيوط": "كنا نزرع في أراضٍ تابعة لبعض الملّاك وندفع لهم الخراج (العشور)" -المسمى الدارج في حضرموت- والذي يدفعه المزارع سنويًّا لمالك الأرض وهو العشر من جميع ما يحصده من الأرض الزراعية.
بعد سنة 1990 تم إعادة الأراضي لملاكها، لتكون أراضيَ سكنية، فيما قامت الدولة بتعويض المزارعين بأرض زراعية تابعة لها بما يعادل 5 فدادين لكل مزارع، والتي كانت تزرع من قبل مزارعين آخرين بعقود انتفاع من قبل الدولة، وبالتالي تم إعادة توزيع هذه الأراضي لتشمل كافة المزارعين.
وبالرغم من ذلك لم يُمكّن بعض المزارعين من أراضيهم ولا تحديد معالمها منذ سنة 1995 في تقاعس غير مبرر من قبل مكتب وزارة الزراعة والري آنذاك، في المقابل أوقف متنفذو الأراضي الكثير من المزارعين، وخاصة في المناطق الغربية من مديرية سيئون، مدعين ملكيتهم للأراضي رغم تملّك المزارعين لوثائق وأوراق رسمية.
ويضيف عنبر: "أخذنا غمار محاكمة مارثونية بيننا وبين المتنفذين انتهت بإصدار حكم نهائي وقطعي من المحكمة العليا بتمكيننا من الأرض التي تبلغ مساحتها حولي 20 فدانًا، وما زلنا نتابع الجهات المعنية لتمكيننا من أرضنا وإبعاد المتنفذين عنها دون أي تحرك من قبلها لتنفيذ الأوامر القضائية".
في هذا السياق، تحدث مصدر أمني رفض الكشف عن اسمه لـ"خيوط" قائلًا، إن الجهات الأمنية تفتقر للقوة الكافية لتنفيذ الأوامر القضائية ومواجهة متنفذي الأراضي في ظل الوضع الصعب الذي تعانية الجهات الأمنية، من ضعف في الإمكانيات والقدرات، حيث لا تملك المراكز الأمنية أكثر من سيارتين فيما بعض الجنود يداومون بأسلحتهم الشخصية، في المقابل لا تقدم وزارة الداخلية أي دعم ملموس بهذا الجانب بحجة ضعف الدعم العسكري المخصص من قبل الحكومة المعترف بها دولياً".
في منتصف شهر مايو/ أيار من السنة الجارية 2021، أقدمت مجاميع قبلية مسلحة على محاصرة مركز الأمن بمديرية سيئون عاصمة وادي حضرموت بعد احتجاز أحد شيوخ القبائل وتم الإفراج عنه بعد ساعات من الحادثة.
ليست هذه الطريقة الوحيدة التي ينتهجها متنفذو الأراضي بحضرموت لأخذ الأراضي المملوكة للمزارعين عنوة، ففي التسعينيات عمد عدد من ضباط الجيش والقادمين من خارج محافظة حضرموت إلى التواطؤ مع بلاطجة الأراضي لمضايقة المزارعين ودفعهم لبيع الأراضي بثمن بخس للضباط والمتنفذين عن طريق سمسار أراضي محلي، حيث يتم إقناع المزارع بالبيع من أجل التخلص من المشكلة التي كانت تمنعه من زراعتها.
مدير عام مكتب الزراعة والري، المهندس شكري باموسى قال لــ"خيوط": إنه في عام 2002تم تحويل قسم الأراضي الزراعية إلى مصلحة أراضي وعقارات الدولة مع جميع الملفات وحتى الكادر الوظيفي في القسم، وأصبح مكتب العقار هو المسؤول الأول عما يحدث في الأراضي الزراعية بالإضافة إلى المحاكم التي لها الفصل في مثل هذه الاختلافات".
ومع هذه المبررات التي تسوقها جهات الاختصاص تبقى خيبة أمل المزارع الذي يشاهد كل هذا العبث والتنفذ، فيما تتراجع زراعة الأراضي واستصلاحها، واستثمارها الاستثمار الأمثل الذي يعود بالنفع على المزارع وعلى المحافظة والبلد عمومًا.