دخل إضراب المعلمين في حضرموت شهره الخامس دون أن تحرك السلطة هناك ساكنًا، متمترسةً تارة خلف وعود لا تتحقق، وتارة أخرى خلف سخرية من مطالب المعلِّمِين التي تصفها بالمبالغ فيها.
الإضراب الذي بدأ في الحادي عشر من فبراير/ شباط من العام الجاري، أي بعد بداية الفصل الدراسي الثاني بحوالي شهر فقط، يعد الأطول، إذ كان من المفترض أن ينتهي العام الدراسي لمراحل النقل خلال شهر يونيو/ حزيران، ونظرًا لانعدام الحلول، بقي مصير العام الدراسي معلقًا حتى اللحظة.
تباين مواقف الطلاب
مجموعة من الطلاب الذين تحدثوا لـ"خيوط"، يتمنون إطالة أمد الإضراب من باب الركون إلى الراحة واللعب، غير مدركين الأثر السلبي الذي يترتب عليه هذا التأخير. صالح -طالب مرحلة ثانوية- يأمل أن يستمر الإضراب كي لا يصحو في الصباح الباكر، في حين يُبدي علي -طالب مرحلة ثانوية- تخوّفَه من عدم إنهاء العام الدراسي كما هو مخطط له. ويذكر محمد -طالب مرحلة ثانوية أيضًا- أنّ الطالب يرى في الإضراب فرصةً مواتية لتقليل عدد الدروس المقررة في الاختبارات، بمعنى كلما طال أمد الإضراب، تقلص حجم المقرر، ومن ثمّ سهولة مراجعته والسيطرة عليه، وبقدر فرحة مازن -طالب مرحلة أساسية- تكون خشيته من طول مدة الإضراب؛ كونه يخطط لأن يحصل على معدل ممتاز يُمكّنه من الالتحاق بالثانوية النموذجية. مازن يرى أنّ تقليص حجم المقرر له عواقب وخيمة لاحقًا، تتمثل في عدم تعلم الطالب للأساسيات، ومن ثمّ ظهور فجوة في معلومات الطالب الأساسية، وهو ما قد يشكّل عقبات أمامه في المستقبل التعليمي. وبناءً على مواقف سابقة، يرى بعض الطلاب، لا سيما ذوي التحصيل المتدني، أنه كلما امتدت مدة الإضراب، وجدت وزارة التربية والتعليم ضرورة اعتماد الآلية التي ألجأهم إليها فيروس كورونا في تصعيد الطلاب للمراحل التالية. وهم بهذا يبحثون عن الوسيلة التي تجعل منهم ناجحين، بصرف النظر عن كيفية تحقيقه.
يرى المعلمون المحتجون أنّ الدولة قادرة على تلبية مطالبهم، لكن من يدير البلاد ويتحكم بمصيرها الحالي لا يريد ذلك، فتجويع المعلم وإجباره على السعي خلف لقمة عيشه بدلًا من التركيز على رسالته التعليمية، هو أول مسمار تم دقه في نعش التعليم في البلاد، خاصة إذا تمت المقارنة بين راتب المعلم وراتب أصغر عسكري، وبين ما يقع على عاتق المعلم المطحون.
قلق أولياء الأمور
في ظل لا مبالاة أغلب الطلاب، وعدم جدية السلطة المحلية، وإصرار المعلمين على انتزاع حقهم، يظهر قلق أولياء الأمور على مستقبل أولادهم وخوفهم من أن يؤثر هذا التوقف على تحصيلهم في قادم السنوات، أو أن يتلقفهم الفراغ، ويخطفهم الشارع؛ ولهذا، فأولياء أمور الطلاب يتشتت موقفهم بين من يقرّ بأحقية المعلم في المطالبة بحقه في الزيادة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وبين من يرى أن هذا تصرفٌ غير مسؤول قد يقتل العملية التعليمية تمامًا، ويقامر بالمستقبل في المحافظة.
الجدير بالذكر أنّ هناك مبادرات كانت قد انطلقت في المحافظة، للتخفيف من حدة الأزمة، ولِحلحلة الوضع قبل انسداد الأفق، مثل التبرع بمبالغ مالية تعطى حوافز للمعلمين من أجل إتمام العام الدراسي، لكنها تظل مبادرات محدودة، وذات نطاق جغرافي بسيط.
يقول حسان، وهو ولي أمر طالبَين، لـ"خيوط": "أولياء الأمور من غير المعلمين يرون الإضراب انعكاسًا للوضع السيئ الذي تعيشه البلاد، ومن ثَمّ فهم يتعاملون مع الإضراب بصفته نتيجة حتمية للفوضى التي تعيشها البلاد"، في حين يرى فائز أنّ مطالب المعلمين واقعية، لكنه يعتقد، في حديث لـ"خيوط"، أنّ الإضراب ليس الحل الأمثل، كون دفع المكاره أولى من جلب المصالح، وفي الوقت نفسه يرى أنه لا توجد طرق أخرى للمعلم لانتزاع حقه.
ويضيف حسان: "بعض أولياء الأمور، حين يئِسوا من إيجاد حلول، قاموا بنقل أولادهم من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، وبعضهم دفع أولاده إلى حلقات المساجد أو الدورات في المعاهد، لكن تبقى هذه المدارس والمعاهد غير متاحة للجميع، حيث تتراوح رسومها بين 700-1000 ريال سعودي".
وعن أضرار الإضراب التي بدأت تظهر جليًّا على السطح، يرى فائز أنّ تسيّب الطلاب وتسكعهم في الشوارع والطرقات ومقاهي الإنترنت، وانخراطهم في أعمالٍ قد لا تتناسب مع أعمارهم وتركيبتهم، من الأمور المزعجة التي أفرزها الإضراب، وأثرها ملموس وواضح.
بدأ الإضراب حسب النظم واللوائح القانونية، إذ تم رفع الشارات مدة ثلاثة أيام، قبل أن يتم الإضراب الجزئي ثم الإضراب الكلي، وما يرجوه المعلمون هو تفعيل قانون المعلم الذي غُيّب، خصوصًا البنود المتعلقة بهيكل الأجور لسنة 2005، الذي ينص على أن الحدّ الأدنى للأجور 105 دولارات، في حين راتب المعلم حاليًّا لا يتجاوز 50 دولارًا".
مطالب طبيعية للمعلمين
هذا، وقد تمثّلت مطالب المعلِّمِين -كما نص عليها البيان الصادر عن نقابة المعلمين في وادي حضرموت، بتاريخ 11 أبريل/ نيسان- في صرف العلاوات السنوية والتسويات، وبالأثر الرجعي للسنوات الماضية منذ توقفها سنة 2013، وتحقيق هيكلة أجور تتناسب مع غلاء المعيشة السيئ، والتأمين الصحي للمعلم ولمن يعولهم من أفراد أسرته.
في السياق، ذكر نقيب المعلمين اليمنيين في وادي حضرموت، ياسر بن طالب، في حديث لـ"خيوط"، أنه لا يوجد خلاف مع السلطات، إنما هي مطالب طبيعية للمعلمين الذين يرزحون تحت وضع اقتصادي صعب ترتفع فيه الأسعار إلى الحد الذي لا يسد به الراتب دفع إيجار المنزل.
أما الأمين العام لِلَجنة معلمي حضرموت، محمد سالم بافقاس، فقد تحدث لـ"خيوط" قائلًا: "بدأ الإضراب حسب النظم واللوائح القانونية، إذ تم رفع الشارات مدة ثلاثة أيام، قبل أن يتم الإضراب الجزئي ثم الإضراب الكلي، وكلُّ ما أرجوه هو إعادة تفعيل قانون المعلم الذي غُيِّب، خصوصًا البنود المتعلقة بهيكل الأجور لسنة 2005، الذي ينص على أنّ الحد الأدنى للأجور 105 دولارات، في حين راتب المعلم حاليًّا لا يتجاوز 50 دولارًا".
يتحدّث علوي، وهو معلم، أنّه بالإمكان تحقيق مطالب المعلمين بمجرد إيقاف إهدار ونهب الأموال من قبل السلطة، مستغربًا من دور وسائل الإعلام التي تحاول تصوير الوضع في حضرموت بأنه مستتب، وأن كل شيء هنا أفضل مقارنةً بمحافظات الجمهورية الأخرى، إذ يرى أنّ العملية التعليمية برمتها في المحافظة شكلية، في ظل هضم حقوق المعلم.
هدف خفي لتجويع المعلمين
مواطنون يرون أنّ هناك مؤامرات خارجية رامية لتدمير العملية التعليمية، وتجهيل هذا الجيل الذي شاءت أقداره أن يأتي في هذه الحقبة الصعبة من تاريخ البلاد، ويرى المعلمون المحتجون أن الدولة قادرة على تلبية مطالبهم، لكن من يدير البلاد ويتحكم بمصيرها الحالي لا يريد ذلك، فتجويع المعلم وإجباره على السعي خلف لقمة عيشه بدلًا من التركيز على رسالته التعليمية هو أول مسمار تم دقه في نعش التعليم في البلاد، خاصة إذا تمت المقارنة بين راتب المعلم وراتب أصغر عسكري، وبين ما يقع على عاتق المعلم المطحون وبين غلاء المعيشة، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي يصل فيها صرف الريال السعودي إلى 460 ريالًا يمنيًّا، إضافة إلى التدهور الشديد في الخدمات، لا سيما خدمة الكهرباء في مناطق تصل درجة الحرارة فيها إلى ما يقارب 55 درجة مئوية.
صدمت نقابة المعلمين- فرع حضرموت، بالتسوية التي وضعتها السلطات، بعد أن كانت قررت رفع الإضراب قبل عيد الفطر. خيبة الأمل هذه دفعت النقابة للعودة إلى الإضراب حتى تحقيق جميع المطالب. ويعلق بافقاس بأن السلطة المحلية تعذّرت بأن هذا الأمر مركزي يتبع الحكومة، لكنه يرى أن لا عذر لها في قضية إحالة عقود المتقاعدين إلى الخدمة المدنية، وتثبيتهم.
وعن واقعية مطالب المعلمين ومماطلة السلطة المحلية، يشير بافقاس، وهو موجّه تربوي، إلى أنّ التعليم ليس من أولويات السلطة، إذ يحظى الدبلوماسي والعسكري في بعض التشكيلات العسكرية براتب يساوي عشرة أضعاف ما يتقاضاه المعلم.
في ظل إصرار المعلمين على انتزاع حقوقهم، وفشل السلطة في تلبيتها، أعلن مكتب التربية بساحل حضرموت، عن عقد اختبارات نهاية الفصل الدراسي الثاني، الأمر الذي أثار حفيظة المعلمين، حيث أصدروا بيانًا يُدين هذا الفعل، كونه يعرض الطلاب لصدمة الاختبارات دون تهيئة مسبقة، في حين تجري المساعي للوصول إلى اتفاق حول إجراء اختبارات الوزارة للصف الثالث الثانوي في موعدها المقرر بنهاية يونيو/ حزيران. ولأنّ الإضراب ذهب بأكثر من ثلثي المقرر، يتم تكثيف الجهود من أجل اختبار الطلاب إلى آخر موضوع تم تغطيته قبل الإضراب. وعن محاولات إنقاذ العام الدراسي، يرى راضي، معلم ثانوية، في حديث لـ"خيوط"، أنّ استئناف الدراسة في هذا الجو الخانق أمر مستحيل، لكن بالإمكان إجراء امتحانات شكلية فقط، في حين يتم احتساب نتيجة الفصل الأول. ويعتقد محمد أنّ ضرورة شعور الناس بقيمة المعلم حقيقة، وليس مجرد كلام، قد تسهم في إنقاذ العام الدراسي، بمعنى ضرورة التفاف الناس للضغط على السلطة المحلية من أجل إنصاف المعلم.