قررت الأربعينية "أم رؤوف" عدم تسجيل أطفالها في المدرسة لهذا العام بعد أن تفاجأت وغيرها من المواطنين بارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية ووصول سعر الكراس "الدفتر" الواحد إلى أكثر من 400 ريال. هكذا تصف هذه المرأة، من سكان المكلا في حضرموت جنوب شرقي اليمن، والتي تعيل ثلاثة أطفال وضعها مع بدء العام الدراسي الجديد، وعدم قدرتها على توفير مستلزمات المدرسة لأولادها.
وبخلاف الكراسات، ارتفعت أسعار الحقائب إلى أكثر من 8 الأف ريال للحقيبة الواحدة، في حين يكلف الزي المدرسة قرابة 14 ألف ريال، إذ تشهد حضرموت كغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا اضطراب متواصل في سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية وتدهوره منذ الشهر الماضي ليتجاوز 1400 ريال للدولار الواحد.
أم رؤوف حالها كحال الملايين من الأسر اليمنية الذين أرهقتهم الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والتي ألقت على عاتقها أعباء إضافية لتواجه هذا المصير لوحدها.
ومع حلول كل عام دراسي تتجدد معاناة الأسر اليمنية سواءً في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، أو المناطق الأخرى الواقعة تحت نفوذ "الحوثيين"، في حين تعد حضرموت واحدة من هذه المحافظات التي أصبحت فيها العودة إلى المدارس شبحًا يطارد الأهالي في تأمين مستلزمات واحتياجات أبنائهم.
تتابع "أم رؤوف" حديثها لـ"خيوط"، بالقول؛ إن العام الدراسي الجديد بدأ وهي لا تملك المبلغ المالي الكافي لتأمين مستلزمات أبنائها الدراسية، وهو ما اصابها بالخيبة والحزن لحرمان أبنائها من الالتحاق بالمدرسة لهذا العام.
جنون الأسعار
ويواجه المواطنون في حضرموت كغيرها من المحافظات والمناطق اليمنية تحديات واسعة مع بدء كل عام دراسي جديد الذي تتضاعف تكاليفه ومتطلباته من عام لآخر، والذي يتطلب توفير المستلزمات الدراسية الأساسية لتمكين الطلاب من التعليم، إلا أن الأهالي في حضرموت يؤكدون اصطدامهم بتكاليف توفير هذه المستلزمات مع ارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية.
تشمل هذه المستلزمات؛ المواد القرطاسية والأدوات المدرسية الأساسية، وصولاً إلى الملابس الخاصة بالمدرسة والحقائب، إذ تثقل تكاليفها كاهل الأهالي وتبعاته على الأسر محدودة الدخل والفقيرة والتي تكافح لتوفير متطلبات الحياة المعيشية اليومية.
تعاني حضرموت كغيرها من المحافظات في اليمن من أزمات وتحديات اقتصادية خانقة، والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتردي الأوضاع المعيشية في ظل ما يواجه الاقتصاد الوطني من أزمات متعددة تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين
يؤكد الطالب يوسف محمد "اسم مستعار" لـ"خيوط"، أنه منذ بدء الإجازة الصيفية للعام الماضي التحق للعمل في مجال البناء "الصبَّة"، وهو عمل شاق يتقاضى مقابله أجر زهيد حيث يقضي طوال ساعات اليوم في العمل، وذلك للتعود على العمل والاعتماد على نفسه في تأمين احتياجاته الدراسية، مضيفًا أنه من عائلة فقيرة جدًا وهو ما جعله يتعرض للنقد والسخرية من الطلاب في المدرسة.
ويقول: نتيجة لعملي المتواصل والمرهق وأنا في سن صغير لا يحتمل التعب والجهد الذي أبذله، مشيرًا إلى أنه تعرض لمرض مزمن الزمه الفراش لشهور عديدة وجعله يخسر كل المبلغ الذي سعى إلى تأمينه لمواصلة تعليمه.
ويعتبر يوسف واحداً من بين ملايين الطلاب المهددون بالتسرب من التعليم بسبب عدم قدرتهم وأسرهم على تلبية وتوفير متطلبات المدرسة التي أصبحت "لمن أستطاع إليه سبيلا".
مبادرات للتخفيف
في السياق، توضح الناشطة الاجتماعية بمدينة الحامي التابعة لمديرية الشحر في حضرموت التي تعرف بنفسها باسم "أم خالد"، لـ"خيوط"، أن كثير من الحالات تأتي إليها يوميًا وتبلغها بعدم قدرتها على مواصلة أبنائهم للتعليم حيث تقوم بمساعدتهم من خلال نشر هذه الحالات على نطاق واسع وكبير لفاعلي الخير بالمنطقة عبر موقع " الواتساب" فيستجيب ويتعاون معها الكثيرين.
حيث خصصت هذه المرحلة لحملة المدرسة والتي استهدفت فيها الأسر الفقيرة والمتعففة والأيتام تقوم بتأمين لهم قرطاسية متنوعة وتوفير حقائب للأطفال المعسرين ،اذ تزداد في استقبال الحالات بشكل يومي وبأعداد كبيرة.
وتضيف "أم خالد"، أن الحملة تستهدف مساعدة 1000 طالب وطالبة من طلاب الروضة والأساسي والثانوي والجامعي وبمختلف فئاتهم، من خلال توفير ما أمكن من المتطلبات لتخفيف العبء على أولياء أمورهم، فهي بهذه البادرة الطيبة تسهم في إلحاق العشرات من الطلاب بالمدارس وتغير مسارهم من الحرمان وسوق العمل إلى مقاعد الدراسة
حلٌ وحيد
تعاني حضرموت كغيرها من المحافظات في اليمن من أزمات وتحديات اقتصادية خانقة، والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتردي الأوضاع المعيشية في ظل ما يواجه الاقتصاد الوطني من أزمات متعددة تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين.
ويشدد الدكتور محمد الكسادي رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في كلية العلوم الإدراية بجامعة حضرموت، في حديثة لـ"خيوط"، على أن التضخم الناتج عن غلاء الأسعار من أكبر التحديات التي يواجهها المواطن في حياته اليومية هي التضخم وغلاء الأسعار مع استمرار تدهور العملة المحلية وتسببها في تأكل القوة الشرائية.
لتأتي هذه التحديات بحسب الكسادي بين الفينة والأخرى بحيث تستخدمها أطراف الصراع كأوراق سياسية بالضغط على الجانب الاقتصادي في إطار الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية بين جميع الأطراف.
ويؤكد أن الحرب هي المتسبب الرئيسي في كل ذلك، وصعوبة التوصل إلى هدنة وإيجاد حل جذري للصراع الدائر في البلاد، إذ يعتبر الكسادي أن الحل الوحيد يتمثل بالجنوح للسلم بين جميع الأطراف المتنازعة للخروج من هذه الأزمة الإنسانية التي يعيشها المواطنين.