تشهد محافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن) ارتفاعًا كبيرًا في أعداد المصابين بالحمّيّات التي تجتاح جميع مناطقها في الوادي والصحراء، حيث تكتظ بهم أقسام الطوارئ في المستشفيات والمراكز الصحية، في ظلّ شحة الإمكانيات وقلة الكوادر الصحية العاملة فيها.
طوارئ هيئة (مستشفى سيئون العام) -وهي الجهة التي يتوجه إليها أغلب المصابين بالحميات من جميع مناطق المديرية؛ البؤرة الأكبر للمصابين- استقبلت في يوم واحد أكثر من 200 حالة مصابة بالحمى الفيروسية (الضنك)، فضلًا عن المراكز الصحية والعيادات الخاصة التي يتواجد في مواقع انتظارها الكثير من المرضى.
يقول المواطن محمد صالح، الذي أصيب بالحمى الفيروسية منذ حوالي 10 أيام ولا تزال أعراضها بجسده إلى اليوم، في حديثه لـ"خيوط": "بعد إصابة ابنتي سلمى (13 عامًا)، واستمرارها لحوالي ثلاثة أسابيع، انتقلت الحمى لتصيب أكثر من 4 أشخاص من أفراد الأسرة".
يضيف صالح، أنّ الأعراض تبدأ بصداع في الرأس وألم شديد في الظهر والأرجل، يتبعه ارتفاع درجة الحرارة، وبعد عدة أيام تبدأ أعراض الغثيان، وألم في البطن، وحساسية بكافة مناطق الجسم.
ويذكر تقرير صادر من مكتب الصحة والسكان بوادي وصحراء حضرموت، اطلعت عليه "خيوط"، أنّ إجمالي الحالات المبلَّغ عنها بالحميات حتى كتابة التقرير بلغ (2456) حالة، وتركّزت الحالات في مديرية سيئون بـ(1997) حالة، ومديرية شبام (137) حالة، ومديرية تريم (133) حالة، ومديرية القطن (102) حالة، إلا أنّ مختصين يشيرون إلى أنّ عدد الإصابات قد يتجاوز الضعف إذا ما أُخِذ بعين الاعتبار المتردّدون على العيادات الخاصة، وعيادات المجارحة البسيطة المنتشرة بالأحياء والممرضين بالبيوت.
بعد الانتشار الكبير للحميات، استنفرت السلطات المحلية والصحية بوادي وصحراء حضرموت، ومعها المبادرات الشبابية، الجهودَ في محاولة لاحتواء انتشارها، حيث نفّذت فرق الترصد الوبائي نزولات ميدانية للتقصي الحشري، وذلك للبحث عن بؤر توالد وتكاثر البعوض في بعض الأماكن.
وفق مسؤول الترصد الوبائي بمكتب الصحة بحضرموت، الدكتور سعيد سعيدان، في تصريح لـ"خيوط"، فإن انتشار الحمّيّات بدأ بعد هطول الأمطار خلال الفترة الماضية بحضرموت، وحصول البعوض الناقل على أماكن للتكاثر.
يقول سعيدان: "إنّ البعوض الناقل والمستوطن بشكل محدود بوادي وصحراء حضرموت في البرك المائية التي خلّفتها الأمطار، استطاع الحصول على مَواطِن جديدة للتوالد والتكاثر وتكوين البؤر، لينتقل بعدها إلى بؤر تكاثر أخرى، مثل: مياه المكيفات الصحراوية، والثلاجات وبرادات المياه، والأحواض المنتشرة في شوارع المدينة".
جهود المكافحة
بعد الانتشار الكبير للحميات، استنفرت السلطات المحلية والصحية بوادي وصحراء حضرموت ومعها المبادرات الشبابية، الجهودَ في محاولة لاحتواء انتشارها، حيث نفذت فرق الترصد الوبائي نزولات ميدانية للتقصي الحشري؛ وذلك للبحث عن بؤر توالد وتكاثر البعوض في بعض الأماكن، إضافة إلى قيام السلطات المحلية ومكتب الصحة بتوجيه الوحدات والمراكز الصحية التابعة لمكتب الصحة بمديرية سيئون، بفتح أبوابها لفترتين صباحية ومسائية، مع تقديم المحاليل الوريدية مجانًا للمصابين بالحمى الفيروسية.
تأتي هذه الجهود في ظلّ شحة إمكانيات وضعف في الكادر لم تؤتِ نتائجها المرجوّة؛ الأمر الذي دفع بعض الفرق التطوعية كفريق (لمة شباب) بمنطقة (مريمة) -إحدى مناطق مديرية سيئون- لتنفيذ حملة تطوعية لمكافحة البعوض الناقل.
بحسب عضو الفريق ماجد حماد، متحدِّثًا لـ"خيوط"، فقد بدأت الحملة بعملية الرش الرذاذيّ في برك الماء الكبيرة التي خلّفتها الأمطار باستخدام الديزل، بالإضافة إلى أحواض مياه المكائن الزراعية (يتم استخدامها لتوليد الكهرباء بالبيوت)، والعمل على الترصد الحشري في برادات المياه بالمساجد والمدارس وغيرها من الأماكن، للقضاء على بيض ويرقات البعوض، ومِن ثَمّ تنفيذ حملة الرش الدخاني للبعوض الناقل، واستمرت ثلاثة أيام، ومعها انخفضت معدلات الإصابات اليومية المسجلة بالمنطقة بشكل كبير.
تنبيهات بالخطر
واستطاعت الجهود المبذولة والتنسيق الحاصل بين الجانب الشعبي والرسمي وتناغمهما في حملات التوعية والوقاية وتكثيف المعالجة الضرورية، إلى تراجع نسبيّ ملحوظ في عدد المصابين.
إلا أنّ الحُمّيَّات لا تزال تظهر بين لحظة وأخرى بالنظر إلى وجود بيئات حاضنة، ربما لم تصلها جهود المعنيّين لأسباب غير واضحة.
إذ يثير هذا الوضع القلقَ والخوف من تزايد الحُميات بقوة، خاصة أنّ هناك تنبيهات أرصادية تُشير إلى إمكانية استمرار التبدلات والتقلبات المناخية في وادي حضرموت، وهو ما ينذر بعودة موجات الحُمّى الفيروسية (الضنك).