دائما ما يرتبط شهر رمضان المبارك بتزكية الروح عند المسلمين، وتوجه القلوب نحو الروحانية والرقائق الدينية، لتزكية النفس والروح من قذى أشهر السنة الأحد عشر، ليعود بعد ذلك بصفائه ونقائه لخوض غمار رحلة أحد عشر شهرا أخرى.
تترافق مع تلك الروحانية طقوس رمضانية تتفرد بها اليمن، وتختلف من محافظة الى أخرى، وتتميزبها كل مدينة عن نظيرتها، وتتسع هذه العادات والتقاليد والطقوس في محافظة حضرموت وفقاً للمنطقة والمناسبة المترافقة معها العادة، وفي غالبيتها تحمل معاني الألفة والمحبة والتكاتف والتكافل الاجتماعي.
الكيف طاري
من أقدم ناطحات سحاب مبنية بالطين في العالم شبام حضرموت، تأتي انطلاقة التقاليد المرتبطة بشهر رمضان المبارك وهي عادة (الكيف طاري). والكيف طاري هو مختصر لكلمات حضرمية (كيه فطاري) بمعنى ماذا سيكون فطاري. وفي هذه العادة يتجمع عدد من الأطفال والفتيات في أول ثلاثة أيام بشهر رمضان، من بعد صلاة العصر الى قريب المغرب، بـ(دكة) أحد منازل حارتهم وتجلس كبيرتهم أو كبيرهم على موقع مرتفع وتنشد "كيفطاري".. "كيفطاري"... "كيفطاري"، ويردد بعدها الأطفال والفتيات. فيما بعد تقوم بسرد قصة أخرى بلحن، تتحدث خلالها عن اختلاف بين أبناء أسرة، وبعدها وفاق وعودة المياه الى مجاريها، وفيها مغزى أن شهر رمضان هو شهر التسامح والمودة والألفة. بعد ذلك تردد أسماء الموجودين واحدا واحدا، فتقول مثلا: "يا فاطمة سالم أبوش قدامش راكب على المهرة راعي رسول الله". وفي الختام تقوم بتوزيع الحلويات والمكسرات على الأطفال. في ما بعد يتوجه الأطفال إلى جانب مسجد الحارة، قريب المغرب، وينشدون بشكل جماعي: "يا مغرب أذن يا مغرب أذن شف أمي صيمهْ، شف أمي صيمهْ، بغت لقيمهْ، بغت لقيمهْ، من البريمهْ، من البريمهْ"، إلى أن يصعد المؤذن برأس المنارة للآذان. وحسب الإعلامي المتخصص بالتراث الشبامي الأستاذ علوي بن سميط فعادة الكيفطاري بشقها الأول لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا. لكن الشق الثاني منها اندثر بعد أن كان مستمرا في فترة السبعينات والثمانينات، ويكتفي الأطفال اليوم بترديد هذه الأهازيج بوسط حاراتهم.
من العادات القديمة ما يسمى "الفافوت"، وهي عرض أشكال مميزة وملونة على شكل مجسمات تعبيرية يتم تصنيعها من مادة السكر، ويتم منحها للأطفال ابتهاجا بقدوم شهر رمضان ولتشجيعهم على الصيام
التشهير
التشهير، أو المشاهرة، هي عادة حضرمية مرتبطة بشهر رمضان المبارك. يتهيأ أصحاب كل بيت لهذا التشهير، ربما البعض قبل رمضان، سواء كان التشهير ببيته مع الفطور ومأدبة العشاء، أو دعوة للتشهير بعد صلاة التراويح. فيُنَظف البيت وفناؤه وتُرش مداخل البيت "بالنورة البيضاء"، وتكثر الأنوار فيه لأن زمن التشهير يكون ليلاً، ويتهيأ الرجال والنساء لاستقبال المشهرين (المهنئين)، وتنظف الأواني، وخاصة أواني المشروب الهني والكيف السلي، وهو الشاي البخاري، وتقدم فيها للضيوف الحنظل والمكسرات والحلويات ويتبادل خلاله الأقارب والمعازيم التهاني، وغالباً ما يتم في التشهير "عزيمة" الأقارب للفطور والعشاء، وتكون الدعوة للتشهير عامة بعد صلاة التراويح، وعند النساء يُقدم في التشهير ما يسمى "التسميرة"، وهي حلويات تأتي بها كل بنت متزوجة خلال العام ما قبل رمضان أو من رزقت بمولود، وتردد أهازيج من قبل النساء باسم العروسة أو المولود، وهي مثلاً "يا مريم هاتي حقنا يا مريم لي من ربنا"، وتستمر مراسيم التشهير إلى الساعة الثانية عشر، منتصف الليل.
الفافوت
هي إحدى العادات القديمة المرتبطة بشهر رمضان، والتي كانت تشتهر بها عدد من المناطق في محافظة حضرموت، ومن خلالها يتم عرض أشكال مميزة وملونة على شكل مجسمات تعبيرية يتم تصنيعها من مادة السكر، ويتم منحها للأطفال ابتهاجا بقدوم شهر رمضان ولتشجيعهم على الصيام، وتغنى خلالها أهازيج وقصائد شعبية في ساحات المنطقة وبحضور أولياء الأمور والشخصيات الاجتماعية بالمنطقة، وتقام هذه العادة بمنطقة المقد بمديرية الشحر التي استمرت في إحيائها.
وريقة
وريقة عادة رمضانية وتقليد متوارث لوداع رمضان، وحصيلةُ لجهود المسحراتي. وفي عادة الوريقة يجوب الأطفال شوارع الحارات، يتقدمهم المسحراتي وهو يضرب على الهاجر وينشد ويردد الأطفال بعده الأهازيج الشعبية التوديعية لرمضان، ويتنقلون من بيت إلى آخر لاستلام ما يجود به الناس عليه تكريماً لجهده طوال شهر رمضان المبارك من نقود أو شعير، وتوزيع الحلويات على الأطفال. ومن الأهازيج التي يتم ترديدها في الوريقة "وريقة حيّا حييتي.. وريقة منين جيتي.. وريقهْ من الضيقهْ"، "ذا دار من يا محلاه الله يسلم مولاه"، "باصالح عطوه سجادة باصالح بغوه يصلي.. باصالح عطوه البر باصالح بغوه يكبر.. باصالح عطوه الذرهْ، باصالح يوم ود مرهْ"، وغيرها من الأهازيج التي تدخل الفرح والبهجة في أزقة الحارات وشوارعها.