في كتابه "محطات من تاريخ حركة اليسار في اليمن"، يتحدث القيادي اليساري سلطان أحمد زيد، عن تأسيسه ومجموعة من زملائه، في مطلع سبعينيات القرن المنصرم، لنادي الخريجين اليمنيين، باعتباره جزءًا من نضال الحركة الوطنية لتحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للطالبات والطلاب، وباعتبار مثل هذه الكيانات خليقة الحركات الشعبية، ومن شأنها أن تعزّز قيمَ التكافل والتعاون الجمعي، وأيضًا تقويم السلوك اللاقانونيّ للسلطات القائمة وانتزاع الحقوق منها.
وفي بداية خريف العام 1977، وبعد حملة اعتقالات طالت القوى السياسية والحزبية وبعض الكيانات المدنية، قررت السلطة آنذاك، إيقاف النادي ومصادرة ممتلكاته، وشكّلت لجنة للحصر والاستيلاء عليه. يشير زيد إلى دور جهاز الأمن (المخابرات) بزعامة سيِّئ الصيت الراحل محمد خميس، باعتباره اليد الباطشة للسلطة التي ضاقت ذرعًا بالنشاط المدني والحقوقي آنذاك.
في هذه السردية التاريخية، تبدو الأمور مُرتّبة على النحو الذي وجدت فيه أنظمة ما بعد الثورة اليمنية نفسها، مع ذلك لم يكن ليخطر ببال أحد أن يتقادم علينا الزمان، لنرى كيانات وهمية، تحمل في ظاهرها معنى العمل النقابي، وتذهب في باطنها لتبنّي الخطاب "القمعي" لسلطات الأمر الواقع، وتنكل على أساسٍ من ذلك، بالخريجين من الطلاب والطالبات الجامعيين.
خلال الأسبوع الفائت، وما زال، يتداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أدبيات وممارسات كيانٍ غير قانونيّ، يتبع جماعة أنصارالله (الحوثيين) الحاكمة في صنعاء، ويُدعى "نادي الخريجيين"، تشكّلَ في غفلة من انشغال اليمنيين بلقمة عيشهم، ووظيفتُه التنكيلُ الكامل بالطلاب والطالبات وأسرهم، مرتادي الجامعات اليمنية. وبقدر ما مثّلت ردود الأفعال وشهادات الضحايا، صدمةً للرأي العام، إلا أنّه جسّد الصورة الواضحة، عن كيف تدير السلطات في صنعاء شؤون الحكم مع المواطنين اليمنيين، وكيف تنظر لهم. ثم نجد هناك من يتساءل: لماذا تنحاز الجماهير اليمنية لثورة الـ26 من سبتمبر، كذكرى لمناسبة أثيرية؟.
إنّ ما جرى ويجري، يأتي في سياق إقليمي شديد الحساسية، بعد مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني من قبل سلطات "الأخلاق" في بلادها، ليعطي درسًا أكثر من واضح، عن أنّ إهانة الشعوب، والنظر لهم على أنّها غير مؤهلة وغير راشدة، قد يؤدّي إلى نتائج كارثية للأنظمة التي تعتنق هذا الشكل من السيطرة
قامت ثورة الـ26 من سبتمبر قبل 60 سنة، لكن لا أحد ينسى أنّها تحدثت باسم الشعب، وليس الجماعة، ولم يكن أيٌّ من قادتها يفكرون بالأغلبية الساحقة باعتبارها منظومة قاصرة، كما يفعل مراهقو سلطة صنعاء، بل على العكس من ذلك، مجّدت الشعب، واعتبرته صانعَ المعجزات، ومصدر جميع السلطات والتشريعات، ثم تأتي الأنظمة لتنفيذ رؤيته في الحكم والحياة. وبما أنّنا اليوم، أمامَ نموذجٍ منحطّ من السلطة، يمكننا قياس ما الذي يعنيه الشعب، لثلة المراهقين هؤلاء.
تكفّلت سلطة أنصارالله الثيوقراطية، ولا ندري وَفق أيّ دستور، بتشكيل "نادي الخريجين"، وتسجيله في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبدلًا من تقديم خدماته للطلاب والطالبات الجامعيين أو الدفاع عنهم لدى الجهات المختصة، أدّى هذا المكوّن وظيفته القمعية، كما لو أنّنا في زريبة موحلة، وليس في بلدٍ من بلدان الكرة الأرضية. ولم يكن لأحد أن يعلم ما يحدث هناك من سنوات، لو لم تكن الروح الوطنية الوثّابة لثورة الـ26 من سبتمبر، طاغية على كل تخرّصات المرحلة، وهي فرصة جديدة لمعرفة كيف أنّ هذه المناسبة تقف دائمًا في صف الأغلبية من الناس، حتى بعد 60 عامًا من قيامها.
يدير "نادي الخريجيين" -كما تسرّب- مجموعةٌ من المراهقين، يقال إنّهم يستمدون سلطتهم من مكتب رئاسة أنصارالله في صنعاء؛ ما يجعل ممارسات البطش لديهم في حالة من الاسترخاء الكامل، من أنّهم يفعلون ما يريدون، ولا يوجد هناك من يحاسبهم؛ يقررون ما يجب أن يلبس الطلاب، وعلى الوجه الأخص الطالبات، في حفلات التخرج، ويتدخلون في كل شيء، نعم كل شيء، من محلات خياطة الأزياء وحفلات التصوير إلى كلمة الحفل حتى إلى مناكير أصابع القدم، عوضًا عن عقلية الجباية واستخراج الأموال بطريقة غير مشروعة، والتي تمثّل سمةً ثابتة للحكام الجدد.
المفارقة العجيبة في حالة الوصاية هذه، كيف أنّ الناشطين على مواقع التواصل، رصدوا حالة من الأميّة المريعة لدى أعضاء النادي، متمثّلًا في أخطائهم اللغوية وهم يحاولون الردّ على حملة التضامن مع الخريجين الكسيرين. أيضًا في صفحة واحدة، على الأقل، لأحد المقربين من النادي والمدافعين بشراسة عنه، رصد الناشطون ولعه الشديد بالصفحات الإباحية على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، لنعلم بأي عقلية تدار شؤون الناس. ثم إنّه وباستثناء بيان مخزٍ أصدره النادي، للدفاع عن سلوكه وممارساته المشينة، اكتفت سلطة صنعاء بالفرجة، وكأنّ هذا الأمر لا يعنيها، أو أنّها متماهية تمامًا مع هذا التنكيل بحق شريحة مهمة من المجتمع اليمني.
إنّ ما جرى ويجري، يأتي في سياق إقليمي شديد الحساسية، بعد مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني من قبل سلطات "الأخلاق" في بلادها، ليعطي درسًا أكثر من واضح، عن أنّ إهانة الشعوب، والنظر لهم على أنّها غير مؤهلة وغير راشدة، قد يؤدّي إلى نتائج كارثية للأنظمة التي تعتنق هذا الشكل من السيطرة. أما بالنسبة للوهم القائم، لدى مُسيّري سلطة أنصارالله (الحوثيين)، من أنّهم قادرون على مصادرة حقوق الناس وحرياتهم، فذلك ينم عن جهل فادح بنواميس الحركات الاجتماعية، ومكر التاريخ، ذلك أنّ الطبيعة البشرية مجبولة على الانعتاق والتحرر، وقادرة على الانتصار لذاتها، في أكثر الظروف قسوة وحلكة، فهل متّعِظ؟!.