اختلفت القوى السياسية في كل شيء، لكنها اتفقت في عملية استبعاد النساء من رابع حكومات هادي المعترف بها دوليًّا، المعلن عنها، في مخالفة صريحة -وفق مراقبين- لمخرجات الحوار الوطني الذي استندت إليه ديباجة قرار تشكيل هذه الحكومة.
ورغم الردود الإيجابية الداعمة لمشاركة المرأة واحترام حقوقها من قبل التكتلات والأحزاب اليمنية إلا أن هذه الردود مجرد أقوال، سرعان ما تتلاشى وتنتهي عندما يتعلق الأمر بالأفعال.
رئيس الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي انضم إليها المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك رئيسي في التشكيل الجديد، معين عبدالملك، أرجع غياب المرأة في هذا التشكيل إلى عدم ترشيح القوى السياسية لنساء في حصصهم الوزارية، مشيراً في السياق إلى أن هناك معالجات قريبة لهذا الخلل.
الأحزاب السياسية أيضاً أصدرت بيانات، أعلنت من خلالها وقوفها بجانب النساء وأسفها لعدم إشراكهن واستبعادهن، بينما تتعهد الناشطات اليمنيات في المجتمع المدني، محلياً ودولياً، بمواصلة الاحتجاجات وجهود الرقابة، من أجل تحقيق العدالة والإنصاف والتعهدات السياسية والالتزامات الوطنية والدولية بشأن حقوق المرأة اليمنية.
حكومة ذكورية خالصة
استبعاد النساء من التشكيلة الجديدة لحكومة عدن، بعد إعلان حكومة ذكورية خالصة، شكل صدمة كبيرة للناشطات والناشطين وللمجتمع المدني في اليمن عموماً.
تقول نائب رئيس الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الدكتورة نادية السقاف: "لا نعرف ما الذي أدى إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة التي صدمت اليمنيات والمجتمع، بل والعالم بأسره".
وتضيف الدكتورة السقاف في حديث لـ"خيوط": "لا يوجد تناقض بين المضي قُدُمًا في تنفيذ "اتفاق الرياض" الذي انبثقت عنه هذه الحكومة وبين وجود مشاركة عادلة للمرأة، بل للشباب أيضًا؛ فكل الأحزاب تمتلك كفاءات تستطيع أن تدفع بهم إلى الأمام، وكذلك من المستقلين".
وتشير السقاف إلى أنه لم يكن هناك خيار؛ إما المضي في تنفيذ الاتفاق، وإما إشراك النساء والشباب وفقًا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ولهذا جاءت التشكيلة صادمة، مؤكدة على أن "الجهود والمحاولات ستستمر لتصحيح الوضع".
وتكشف التشكيلة الجديدة لرابع حكومات هادي المعترف بها دوليًّا، النوايا السياسية غير المنصفة بحق المرأة. هذا ما تراه المحامية والناشطة الحقوقية عفراء الحريري، التي تقول في حديثها لـ"خيوط" إن تشكيل هذه الحكومة "جاء انعكاسًا لنوايا من شكّلها على هذا النحو". وتضيف أن خلو الحكومة من النساء، "أسقط الأقنعة التي كانت تخفي وجوه السياسيين وراءها، والذين كانوا لفترة من الزمن يتغنون في خطبهم بأهمية ومكانة المرأة، لإرضاء المجتمع الدولي، وكسب نقاط للمصلحة الخاصة عن التقدم والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان". وعن تقديراتها لأسباب ما حدث، تظن عفراء "أن من شكّل هذه الحكومة يخشى النساء، ربما يجد من تخضع لطاعته من النساء"، ومع ذلك تستدرك بالقول: "لكن في الغالب الأعم أظن لا، وأتمنى ألا يخيب ظني".
ونصت الوثيقة الوطنية للحوار الوطني الشامل على أن من الحقوق السياسية للمرأة "أن تلتزم الدولة بتمثيل المرأة بما يمكّنها من المشاركة الفاعلة في مختلف الهيئات وسلطات الدولة والمجالس المنتخبة والمعينة بما لا يقل عن 30%".
حملات مندِّدة
رافق إعلان حكومة عدن الجديدة، المكونة من 24 وزيرًا، احتجاجات نسائية واسعة رافضة لما أسمينه بالاستبعاد والإقصاء الذي يسلب حقوقهن المكفولة.
تقول عضو لجنة صياغة الدستور اليمني الدكتورة ألفت الدبعي إن "استبعاد النساء من الحكومة دليل عدم استيعاب الأحزاب السياسية درس شراكة النساء"، مشيرة إلى أن هذا يعكس حقيقة التقدير الاجتماعي في تعاطي الأحزاب مع المرأة في المجال العام".
وتشرح الدكتورة ألفت طريقة تعامل قادة هذه الأحزاب من الذكور مع المرأة، بالقول: "يشيدون بها وبأدوارها وما أحدثته من زخم في الحياة العامة وتدخلاتها المختلفة والمتنوعة كلاعب رئيسي في النضال من أجل قضايا البلد سلمًا وحربًا، لكنهم وقت الذهاب إلى أماكن صنع القرار أول ما يتخلون عنه هو شراكة النساء".
وسبق إعلان هذه الحكومة حملة إلكترونية نسوية واسعة، لا تزال مستمرة، احتجاجًا على ما يصفنه بالتمييز المجحف ضد حقوق النساء، واستبعادهن من المشاركة السياسية.
في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، خرجت العشرات من النساء الثلاثاء 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بتظاهرة مناهضة لإقصاء النساء، وطالبت المحتجات بتمثيل النساء في الحكومة الجديدة بما لا يقل عن 30%، وفقًا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
وفي السياق، أصدرت الحركة النسوية اليمنية بيانًا ذكرت فيه أن تشكيل الحكومة الجديدة فيه تمييز مجحف ضد حقوق النساء في المشاركة السياسية، وأن هذه هي المرة الأولى خلال الثلاثين سنة الماضية التي تخلو فيها تشكيلة حكومية في اليمن من النساء تمامًا.
الناشطة الحقوقية عفراء الحريري تؤكد في هذا الخصوص، أن استبعاد النساء من المشاركة السياسية أمر مرفوض، وأن هذه الحكومة لا تملك من أمرها شيئًا، وإلا كيف صرح قادة بعض الأحزاب رفضهم لهذا التشكيل، وكأنهم كانوا في عزلة تامة.
وتشير الحريري إلى أن الكارثة في كون وضع الحكومة لن يكون مرهونًا لأيديولوجية الأحزاب التي ينتمي إليها أعضاء الحكومة، وإنما لمستويات الطاعة لمن شكلها.
وحتى الاثنين 29 ديسمبر/ كانون الأول 2020، لا يزال وزراء التشكيل الجديد للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في العاصمة السعودية الرياض، بعد أن أدى رجالها اليمين الدستورية أمام الرئيس المعترف به دولياً، عبدربه منصور هادي.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أنه بعد أداء الوزراء اليمين الدستورية، أقيم حفل خاص بهذه المناسبة في الرياض، أعلنت السعودية خلاله توقيع ثلاثة عقود لمشاريع تنموية بقيمة 500 مليون دولار بين الحكومة اليمنية (الجديدة) والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. وبحسب وكالة الأنباء الرسمية، فإن هذه المشاريع سوف تنفذ في عدن، المهرة ومأرب، وهي من المحافظات اليمنية الأكثر ملاءمة للاستثمار النفطي والتجاري.
كما نشرت صحيفة اليوم السعودية الاثنين 28 ديسمبر، تصريحاً لمحافظ عدن أحمد لملس، يقول فيه إن وزراء الحكومة الجديدة سوف يصلون عدن خلال يومين.