لو أنّ هناك حكومة رشيدة ما حلت العتمة

كيف يمكن استغلال الثروة الغازية بدلًا من هدرها؟
د. عبدالغني عبدالله جغمان
August 22, 2023

لو أنّ هناك حكومة رشيدة ما حلت العتمة

كيف يمكن استغلال الثروة الغازية بدلًا من هدرها؟
د. عبدالغني عبدالله جغمان
August 22, 2023
.

مع سنوات الحرب، برزت عدة مشاكل وأزمات اقتصادية خانقة في اليمن، ومنها أزمة الكهرباء، بالتزامن مع صراع يدور حول الموارد العامة والثروات الطبيعية، وما تتعرض له من إهمال وهدر، وسط تساؤلات عديدة تطرح حولها وحول ضعف الاستفادة منها بالنظر إلى عدم وجود رؤية اقتصادية مناسبة ومجدية لإدارتها والتعامل معها.

في هذا السياق، نعيد طرح التساؤل الذي أثرناه في أكثر من موضع ومناسبة، ويعيد إنتاج نفسه في ظل الظروف والأوضاع الراهنة:

هل استغلت اليمن احتياطيّاتها الغازية من أجل توليد الطاقة الكهربائية، والتي تعاني من ترديها ونقص الخدمة المقدمة منها مختلف المحافظات والمناطق اليمنية؟ وتعد في ذات الوقت إحدى المشاكل المستعصية التي عجزت كل الحكومات السابقة والحالية عن حلها والعمل على ضمان توفيرها واستمرارها، لا سيما أن اليمن يعيش في ظلام دامس، محرومًا من أبسط الحقوق، التي كان بالإمكان توفيرها لو أنّ هناك حكومة رشيدة ومسئولين نزيهين ممسكين بهذا الملف.

بيانات التوليد والإنتاج

ضمن تقرير كارثية اتفاقية الغاز المسال في اليمن، الذي أعدته شركة أولتارا الاستشارية Ultare Trading and Consultations، مشروع الغاز المسال الذي تديره شركة توتال الفرنسية بشراكة هنت الأمريكية والشركة الكورية، والذي تم الإثبات بموجب تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة باليمن، وتقارير الخبراء الفنيين ومحاضر النيابة وتقارير شركة صافر؛ عدم جدوى بيع الغاز في هذا المشروع؛ لأن حصة الحكومة لم تتجاوز 5% من صافي أرباح المشروع خلال الست السنوات التي تم فيها إنتاج وبيع الغاز عبر مشروع بلحاف، في حين تقدر خسائر اليمن إذا استمر المشروع بحدود 100 مليار دولار.

بالعودة الى اتفاقيات المشروع، نجد أنه تم تخصيص حصة مشروع الاستهلاك المحلي لتوليد الطاقة الكهربائية، حسب المادة (2.1) من اتفاقية تطوير الغاز (GDA) الموقعة في عام 1995، والصادرة بقانون رقم (1) لعام 1996، بكمية (250) مليون قدم مكعب يوميًّا، بإجمالي يقدر بنحو (3.6) تريليون قدم مكعب لتشغيل ما عدده ثلاث محطات لتوليد الكهرباء، على الأقل، بقدرة تصل إلى ألف ميجا وات، في مأرب لمدة (40) سنة.

إلا أنّ الشركاء الأجانب (هنت وتوتال) في مشروع الغاز (بلحاف)، قاموا بتقييد حصة الكهرباء فقط بكمية (1) تريليون قدم مكعب، بمعدل قدره (100) مليون قدم مكعب يوميًّا، عملًا بنص المادة ( 5.1 ) من اتفاقية إمداد الغاز (FDA)، (وهذه الاتفاقية لم تعرض، ولم يوافق عليها مجلس النواب).

وتم تبرير هذا الخصم من حصة (الاحتياطي المخصص لتوليد الكهرباء) بعدم وفرة احتياطيات غازية مؤكدة في قطاع (18) عما تم توثيقه في الملحق (ب) من اتفاقية منشآت وخدمات المنبع (UFSA)، وتبين لاحقًا من خلال خطة تصدير الغاز الموثقة بتقرير تشهيد D&M الصادر في 21 يونيو/ حزيران 2005، استهداف الشركاء الأجانب للمشروع (3 تريليونات قدم مكعب) تم إخفاؤها، بعلمهم، وعدم الإعلان عنها في تشهيد D&M الصادر في 15 أغسطس/ آب 1996، للهروب من حصة الاستهلاك المحلي للكهرباء.

قامت الشركة بالاستحواذ على كافة المخصصات الغازية المعتمدة في الاتفاقيات لصالحها، وبدون أي مراعاة لمتطلبات الشعب، وبموافقة من وزارة النفط والحكومة آنذاك، وظلت صامتة حتى 2013، حين تقدم فريق الحكم الرشيد في مؤتمر الحوار الوطني بمذكرة لنيابة الأموال العامة حول الفساد في هذا الموضوع.

الآن، ماذا عن المحطات الكهروغازية في اليمن؟

توجد لدينا محطة واحدة في اليمن ومشروع محطات، وعلى النحو التالي:

1- محطة مارب الغازية Marib Simple Cycle Power Plant.

هي أول محطة توليد للكهرباء تعمل بالغاز، وتقع في محافظة مارب، وتنقسم في تنفيذها إلى 3 مراحل.

بدأ التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى مأرب (1) في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، ودخلت الخدمة في عام 2010.

تتكون المحطة من ثلاث وحدات تربينات غازية بقدرة إجمالية 341 ميجا وات، تستهلك 80 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًّا، إضافة إلى ثلاثة محولات رفع 400/ 17.5 كليو فولت، قدرة كل محول 140 ميجا فولت/ أمبير، مع محوِّلَي خفض 33/ 400 كيلو فولت، قدرة كل محول 20 ميجا فولت/ أمبير، مع إنشاء خطوط وأبراج كهربائية من صافر إلى صنعاء.

الجدير بالذكر أنه جرى إعادة تشغيل محطة مأرب الغازية منتصف عام 2020، بعد تركيب توربينات خاصة بتوليد الكهرباء بمقر المحطة.

  • الغاز الذي ينتج من قطاع (S2)العقلة، والتي تقدر كميته ما بين 50-80 مليون قدم مكعب يوميًّا، يحرق في الهواء، ولم يتم تشغيل ضاغطات الغاز التي تم شراؤها في 2012، ولم يتم بناء محطة كهروغازية في شبوة؛ لكي يتم استغلال هذا الغاز الذي كان من الممكن أن يضيء محافظات شبوة والبيضاء وأبين وجزء من إب وحضرموت.

كما أنّ المحطة خرجت عن الخدمة لإجراء الصيانة (العمرة) في فبراير/ شباط 2022، بعد أن تعطلت منذ 2014، وتم الاتفاق مع شركة سيمنس الألمانية على صيانة المحطة، بدعم من صندوق التنمية الكويتي بمبلغ 40 مليون دولار، ووقعت اتفاقية بين وزارة الكهرباء والطاقة والصندوق الكويتي في مايو/ أيار 2022 بتمويل الصيانة.

2- محطة مأرب (2).

بدأَ بناءُ المرحلة الثانية (محطة مأرب 2) عام 2013، بطاقة إنتاجية مصمّمة لتبلغ 400 ميجا وات. كانت هناك أيضًا خطة لتوسيع قدرة مأرب (1و2) من خلال تحويلهما من توربينات الغاز ذات الدورة البسيطة إلى التوربينات الغازية ذات الدورة المركّبة، ولكن بسبب الاضطرابات السياسية عُلّقت المرحلة الثانية.

الآن تتبعثر مكونات المحطة الغازية (2) في موانئ البلاد في الحديدة وعدن والمكلا، ولم تصل إلى مارب بسبب الحرب.

3- المحطة الغازية (3).

حسب الدراسات الأولية كان يفترض أن تنفذ في مأرب، ولكن لم تقدم وزارة النفط تأكيدات بتخصيص كميات كافية من الغاز تضمن عمل المحطة لمدة 25 عامًا على الأقل، (كل الاحتياطات تم تخصيصها لشركة توتال الغاز المسال، وهي المشهد على الاحتياطيات وهي الموزع لها). ما هو دور وزارة النفط والمعادن اليمنية؟ في هذا الجانب، الحقيقة لا أعلم، لأن الموضوع موكل إلى شركة توتال وإلى اليوم.

لهذا قامت وزارة الكهرباء بنقل الاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص إلى محطة غازية لتوليد الكهرباء، تقع في معبر محافظة ذمار بتكلفة 400 مليون دولار، أعلن عن مناقصتها في سبتمبر/ أيلول 2009، من المتطلبات أن تتضمن أربعة توربينات غازية تعمل بوقود الغاز الطبيعي الذي سيصل من منطقة صافر بمأرب ويمر عبر أنبوب إلى منطقة معبر بذمار، يمر بتوازٍ مع أنابيب النفط للتصدير عبر راس عيسى إلى منطقة آنس (ذمار)، وقدرت تكلفة إنشاء الأنبوب بـ250 مليون دولار مع مجمع معالجة للغاز، وفشل هذا المشروع نظرًا لانعدام وجود المادة الرئيسية، ألَا وهي مخصصات محددة من احتياطيات الغاز لمثل محطة كهذه، سواء مارب (2) أو مارب (3).

موارد لضمان التوليد

من باب الإنصاف كانت هذه المحطات ضمن الخطة الاستراتيجية لتطوير قطاع الكهرباء متوسطة المدى خلال ثلاث سنوات (2010-2012) واحتياجاتها الاستثمارية وبرنامجها التنفيذي، بكلفة استثمارية تقدر بنحو (2.9) مليار دولار، وكانت تهدف هذه الخطة إلى توفير حوالي 1500 ميجا وات، من خلال تنفيذ 46 مشروعًا ما بين محطات إنتاج غازية للكهرباء وخطوط نقل وكهرباء ريف.

فيما يخص أخبار وإشاعات تظهر من وقت لآخر منها ما يتعلق بإنشاء محطة كهروغازية في حضرموت وأخرى في عدن، فإنني أقول إنّ التحدي الرئيس لها هو: من أين ستكون موارد الغاز المغذي للمحطات؟ حيث يتواجد ما نسبته 80% من الاحتياطات الغازية لليمن والتي تقدر بنحو 18 تريليون قدم مكعب، في حقول صافر (مارب)، و15% في حقول شبوة، وبعض من الغاز في قطاع (10)، والذي تم إنشاء محطة خرير الغازية بقدرة 75 ميجا وات، وتعمل الآن في وادي حضرموت.

تجدر الإشارة إلى أنّ الغاز الذي ينتج من قطاع (S2) العقلة، والتي تقدر كميته ما بين (50-80) مليون قدم مكعب يوميًّا، يحرق في الهواء، ولم يتم تشغيل ضاغطات الغاز التي تم شراؤها في 2012، ولم يتم بناء محطة كهروغازية في شبوة، لكي يتم استغلال هذا الغاز الذي كان من الممكن أن يضيء محافظات شبوة والبيضاء وأبين، وجزءًا من إب وحضرموت.

وهنا نقول: إنّ على الدولة العمل بكل جدية لتخصيص موارد غازية كافية لضمان توليد الطاقة الكهربائية من هذا المصدر غير المكلف والنظيف، في كافة أرجاء اليمن في السنوات القادمة؛ كون الكهرباء هي عصب التنمية، وسبب ازدهار العديد من القطاعات الأخرى في أي بلد، كقطاع الصناعة والتجارة والبناء والنقل، والتعليم، والصحة، وغيرها. بدلًا من بيعه لشركة توتال Total Energies وغيرها.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English