"من يريد تبادل الهموم فعليه الالتحاق بحصة الرياضة، فهي فرصة للنقاشات والثرثرة بين طالبات المدرسة"؛ هكذا افتتحت سمر نجيب (15 عامًا)، طالبة في المرحلة الإعدادية في مدرسة صلاح الدين سابقًا -الحوراء حاليًّا- المخصصة للبنات في صنعاء، حديثَها عن حصة الرياضة وأنشطتها.
تواصل سمر حديثها لـ"خيوط": "نحن لدينا حصة واحدة في الأسبوع، ولكن اسمها حصة نشاط وليست رياضة، والأنشطة تختلف بين تدبير منزلي وحاسوب إلى جانب الرياضة، حيث يتم تقسيمنا عليها بشكل دوري، لكن أغلبنا يذهب مع قسم الرياضة، لأنها لعب فقط ولا تحتوي على واجبات في مدرستنا".
ليس هناك مكان مجهز لممارسة الرياضة، مثل: الشطرنج، وكرة السلة، وكرة الطائرة، وغيرها من الألعاب؛ لذلك تقول هذه الطالبة: "نحن نختار الرياضة لنواصل أحاديثنا مع الصديقات أو نلعب ألعابًا أخرى، مثل: البيضة أو السباقات، وبعضنا يفضلن المشي في ممرات المدرسة، وأخريات يعتبرنها فرصة لكتابة الواجبات وتوفية الدروس".
في السابق، كانت هناك ألعاب مثل الشطرنج وكرة القدم، لكنها مخصصة للمراحل الأعلى، وطلاب المرحلة الابتدائية لا يمارسونها، وكان وقت الحصة 45 دقيقة فقط، ولا يستطيع الجميع اللعب؛ بسبب ضيق الوقت وكثرة الطالبات، وبعد الحصة تُصادر المسؤولة الألعاب فورًا، وهكذا تستمر الحكاية أسبوعيًّا؛ لذا بحسب حديث عديد من الطالبات يتم تفضيل تشكيل حلقات للحديث ولعب لعبة "الصراحة".
تعتبر الرياضة المدرسية من أهم الأعمدة لتطوير الحركة الرياضية في البلاد؛ لأنها تمثل الانطلاقة الأولى لأي بطل أو رياضي قبل وصوله إلى مضمار التنافس، كما أنها تهيئ الطلاب والطالبات لتلقي معلومات الدروس بكل سلاسة وبساطة.
وهي من وجهة نظر إسماعيل عبدالله، مدرس رياضة، تحدث لـ"خيوط": "وسيلة لقتل الكسل، والعقل السليم في الجسم السليم، لكن للأسف هذا غير مطبق في مدارسنا، ولا سيما الحكومية منها، وخاصة مدارس البنات، وإن طبقت فيتم الاهتمام برياضة كرة القدم للطلاب الذكور لا غير، وبغض النظر عن الأنشطة الرياضية الأخرى، وبعض المدارس تكتفي بتمارين طابور الصباح".
عملية التضيق وانعدام الأنشطة الرياضية في مدارس البنات تشمل مختلف المدارس العامة والخاصة، حيث تنعدم حصة الرياضة التي نادرًا ما تحضر في المدارس الأهلية، بالتزامن مع عدم توفر معلم أو معلمة مختصة بتدريس الرياضة البدنية -على سبيل المثال- وشرح أهميتها وفوائدها للطلاب في أي مرحلة عمرية أو تعليمية.
بدورها، تتحدث في هذا الخصوص رندا الزيادي، مسؤولة الأنشطة في الجمعية الرياضية اليمنية، بالقول: "قبل عشر سنوات، كانت المدارس الحكومية للبنات لا تهتم إلا بالمنهج الدراسي؛ لأن الدولة أساسًا لا تهتم بشيء اسمه رياضة في المدارس".
ينطبق هذا الحال مع المجتمع والأسرة اليمنية، لذلك تنظر الطالبات لحصة الرياضة -كما تؤكّد الزيادي- بأنها إسقاط واجب لا غير، وفسحة لتبادل النقاشات والتعارف فيما بينهن، تضيف: "هكذا كان الوضع في السابق، فما بالك اليوم ونحن نعيش في وضع يفرض خطوطًا عريضة على النساء بشكل عام".
لماذا مدارس الفتيات بدون أنشطة؟
تفتقر اليمن لبنية تحتية مناسبة للطلاب، تساهم بتطوير الرياضة المدرسية بشكل خاص، والحركة الرياضية بشكل عام، ففي مختلف دول العالم تمثل المدارس أساسًا ومنطلَقًا رئيسيًّا للاهتمام بالرياضة بمختلف أنشطتها وألعابها.
لكن بالمقابل، هناك إشكاليات وتحديات أخرى إلى جانب الافتقار للبنية التحتية، فعلى سبيل المثال، كما تذكر الزيادي: "تنظر الأسر لممارسة أولادها للرياضة بأنها مضيعة للوقت، والعمل وقت الفراغ أكثر نفعًا منها، وبالنسبة للفتيات، فالرياضة عيب مجتمعي وممارستها مصيبة".
إن وجود إدارة مختصة من وزارة الشباب والرياضة، وكذلك وزارة التعليم، تدعم رياضة المدارس للبنات وغيرها من مدارس الذكور، يساعد على إهمال الرياضة واعتبارها مجرد حركات وألعاب عديمة النفع، بالرغم من أنها مهارة للتعلم والانضباط والعمل بروح الفريق.
بالمجمل، تعاني اليمن من قلة في عدد الرياضيين المختصين بتدريب طلاب وطالبات المدارس، سواء من الإناث أو الذكور. وتوضح الزيادي أن مختص الأنشطة لا علاقة له بالرياضة، مع ذلك تُمنح له مادة الرياضة لملء الفراغ فقط، وأحيانًا تتم مصادرة حصص مادة الرياضة، لاستكمال دروس المواد الأساسية وإتمام المنهج؛ لأن الرياضة ليست مادة أساسية، بل وقت مستقطع للخروج، وهذا ما تتبناه معظم المدارس.
تضيف: "في بعض الأحيان، تجد الفتاة أو الطالبة نفسها لا تهتم بالرياضة تحت مبرر لماذا كل هذا العناء والدخول في نقاشات حادة مع الأسرة والبيئة غير المشجعة على ممارسة الفتاة للرياضة؛ لذا تلجأ الفتاة غالبًا إلى حصة الرياضة في المدارس لتبادل الأحاديث مع قريناتها، وهنا الأسرة كذلك تؤدي دورًا مهمًّا في صقل أفكار بناتهم حول الرياضة وأهميتها. لو مارست الفتاة الرياضة باعتبارها جزءًا من التنشئة، سيكون لها تأثيرها كبقية المواد الأخرى، لكن للأسف ما زلنا نحوم حول التنشئة الصحيحة للفتيات، وليس بغريب أن نرى خلال السنوات القادمة تدنيًا أكثر وأكثر؛ بسبب الخطوط العريضة المفروضة على النساء وفكرة العيب المجتمعي السائدة على النساء".
في السياق، تقول أماني هلال، ربة أسرة وولية أمر، لـ"خيوط": "نحن في وقت منعت فيه وزارة التربية والتعليم تواصلَ أولياء الأمور مع المدرسين وإدارة المدرسة عبر الهاتف وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف تنتظر أي اهتمام بخصوص الرياضة من الأسر؟!".
فضلًا عن الوضع القائم في البلاد وتبعات الصراع، والأوامر التي تصدر من السلطات، والمدارس تنفذ؛ لذا في الواقع ليس هناك أي اهتمام من المدرسة بالرياضة بقدر اهتمامها بالفعاليات والإذاعة المدرسية، خاصة مدارس العاصمة صنعاء، فالفعاليات يخصص لها دعم وجهد وحضور من وزارة التعليم.
في هذا الخصوص، ترى هلال، أنه "ليس هناك فائدة من هذه الفعاليات غير ضياع وقت أطفالنا، وغرس أفكار لا عقلانية لديهم، وكل هذا يؤثر على التعليم ويسهم في تدنيه، حيث لا ننتظر شيئًا من المدارس، ونقوم بواجبنا نحن أولياء الأمور، بتعليم بناتنا وأولادنا، وربما مستقبلًا سنرى انخفاضًا في نسبة الملتحقين بالمدارس؛ بسبب الفوضى التعليمية الحاصلة".
حصة الرياضة ليست في الجدول
عملية التضييق وانعدام الأنشطة الرياضية في مدارس البنات، تشمل مختلف المدارس العامة والخاصة، حيث تنعدم حصة الرياضة التي نادرًا ما توجد في المدارس الأهلية، بالتزامن مع عدم توفر معلم أو معلمة مختصة بتدريس الرياضة البدنية، على سبيل المثال، وشرح أهميتها وفوائدها للطلاب في أي مرحلة عمرية أو تعليمية؛ لذلك حرصت هلال على إلحاق بناتها بنادٍ رياضي خارج إطار المدرسة لشغل أوقاتهن بعد المدرسة، وكذلك الاستفادة منها وتعلم الانضباط والالتزام.
من المهم إدماج النساء بالرياضة، لارتباطها بالمجتمع، باعتبارها جزءًا من التغيير الذي يمكن إحداثه في شخصية الطلاب وتعاطيهم وتعاملهم مع الآخرين؛ لذا فإن الأمر يقتضي تفعيل الحصص الرياضية بشكل حقيقي، إضافة إلى تدريب مجموعة من الأشخاص لدى وزارة الشباب والرياضة ليكونوا معلمي رياضة، ويتم توزيعهم على مختلف المدارس.
من جهتها، تشكو رنا يوسف (17 عامًا)، طالبة في مدرسة مجاهد أبو شوارب بصنعاء، لـ"خيوط"، من إلغاء حصة الرياضة في مدرستها: "في السابق، كان لدينا عدة ألعاب؛ كرة سلة، كرة طائرة، كرة تنس، شطرنج، وكنا نلعب ونتنافس مع طالبات من خارج المدرسة، وكانت روح المنافسة رائعة جدًّا".
تضيف يوسف: "حاليًّا إدارة المدرسة لم تعد تهتم بالرياضة كالسابق، ومعلمة الرياضة لا تحضر، فأصبحت ممارسة الألعاب بدون هدف، وبالنسبة لنا نحن الصف الثالث الثانوي، ليس لدينا حصة رياضة؛ بحجة أنها ستؤثر على تحصيلنا الدراسي، مع أننا كنا نقدم مستويات رائعة بلعب وممارسة الرياضة، مع التوفيق بين الرياضة والدروس، لكن الآن تغير الوضع، وإذا شوهدنا نلعب -خاصة نحن الوزاري- يتم توبيخنا".
لا يتوقف غياب حصة الرياضة عن جدول الحصص الدراسية اليومية، عند كونه مشكلة تعاني منها مدارس البنات فقط، فبعض مدارس الأولاد تفتقر كذلك لوجود حصة خاصة بالرياضة.
يشير صادق العبسي- مدرّس، لـ"خيوط"، إلى أن حصص الرياضة ليست من الأولويات لدى القائمين على العملية التعليمية في البلاد، على الأقل مقارنة بما كان في السابق، فقبل أعوام كان هناك اهتمام بالرياضة باعتبارها إحدى الوسائل لاكتشاف وتطوير وصقل المواهب.
لكن الوضع الحالي مؤسف للغاية، حيث تغيب الأنشطة الرياضية بالتوازي مع غياب الوعي التعليمي، إذ أصبحت الوزارة المختصة بالتعليم تركز على تقديم دورات وورش لكيفية تحضير الفعاليات، وشرح أمور لا علاقة لها بالمنهج للطلاب، بدلًا من الاهتمام بالأنشطة والفعاليات في المدارس.
في حين، تؤكد رندا الزيادي أهمية إدماج النساء بالرياضة، لارتباطها بالمجتمع، باعتبارها جزءًا من التغيير الذي يمكن إحداثه في شخصية الطلاب وتعاطيهم وتعاملهم مع الآخرين؛ لذا فإن الأمر يقتضي -كما تقترح- تفعيل الحصص الرياضية بشكل حقيقي، إضافة إلى تدريب مجموعة من الأشخاص لدى وزارة الشباب والرياضة، ليكونوا معلمي رياضة ويتم توزيعهم على مختلف المدارس، وكذا عمل بدائل وتشبيك بين المدارس والنوادي الرياضية، فالرياضة للجميع، ومهمة بشكل كبير في الحياة اليومية.