هناك الكثير من المناطق الزمانية والمكانية في خارطة الأدب اليمني الحدي، لا زالت مغلقة ومجهولة أمام القارئ اليمني قبل العربي حتى الآن .
لقد استشري الكسل النقدي، وأصبحت عيون نقادنا لا ترى إلا كتابات الأصدقاء وما تكرسه أضواء ومنابر الإعلام، وتقوقعت حول كتابات التسعينيين لا تغادرها، فحجبت الضوء عن كثير من التجارب الأدبية التي أفرزتها عقود ما قبل التسعينات – خاصة تلك التجارب التي نبتت في الهامش الجغرافي – وأزاحتها إلى زوايا العتمة والتجاهل والنسيان، وباتت هذه التجارب الأدبية – على أهميتها – تعيش غربتها في واقعنا الأدبي.
إن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن المشهد الأدبي اليمني المعاصر لا يتشكل فقط من التجارب الأدبية التي أفرزها ويفرزها المركز الجغرافي ( صنعاء – عدن – تعز ) فهناك الكثير من التجارب الأدبية، بل والحركات الأدبية التي نبتت في الهامش الجغرافي لوطننا الحبيب لا تقل قيمة ولا أهمية عن مثيلاتها في المركز، إن لم تتفوق عليها أحيانًا، ومع ذلك ظلت هذه التجارب مهمشة ومنسية ومجهولة، ولا ذنب لها إلا أن أصحابها اضطرتهم ظروفهم المعيشية إلى البقاء في الهامش، بعيدًا عن المركز وأضوائه التي أصبحت للأسف الشديد تحسن القبيح وتلمع أنصاف الموهوبين.
كما أن المشهد الأدبي اليمني المعاصر لا يتشكل فقط من مفردات المشهد الإبداعي التسعيني على اختلافها وتنوعها وثرائها، فهناك الكثير من التجارب الأدبية التي أفرزتها عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، وكانت الأساس والممهد لهذا الحراك والثراء التسعيني، لكنها مع ذلك أصبحت غريبة ومجهولة لا يعرف عنها أدباؤنا وقراؤنا الشباب شيئاً.
لذلك فإن أي محاولة لكتابة تاريخ الحركة الأدبية اليمنية ستكون ناقصة ومشوهة إذا لم تستوعب وتلم بهذه المساحات الزمانية والمكانية المهملة لأنها جزء أساسي في المشهد الأدبي اليمني لا يكتمل إلا بها .
لقد تواردت على ذهني كل هذه الحقائق والخواطر وأنا أقلب بين يدي الأعمال الشعرية الكاملة للأستاذ الشاعر عبد الله محمد عطية ( 19٣٠- 1995) التي صدرت ضمن إصدارات وزارة الثقافة في العام ٢٠٠٤ حين كانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية، وهي مجموعة شعرية ضخمة تحمل بين دفتيها تجربة شعرية خصبة وعميقة امتدت لتغطي مساحة زمنية تقترب من نصف قرن من الزمن رصدت خلالها كل منعطفات التاريخ اليمني والعربي الحديث والمعاصر، وامتدت رأسيًاً لتحاور كل المنجز الشعري العربي الحديث من القصيدة الشوقية التجديدية وحتى القصيدة التفعيلية والمدورة، ومع ذلك لم تحظ هذه التجربة الشعرية الكبيرة بوقفة جادة ومتأنية تسبر أغوارها حتى الآن، لا لشيء سوى أنها تنتمي إلى عقود ما قبل التسعينات، ولأن صاحب التجربة عاش في الهامش الجغرافي بعيدًا عن أضواء المركز.
إذن هي دعوة نوجهها إلى نقادنا –والشباب منهم خاصة – للتخلص من الكسل النقدي والاكتفاء بالتعامل مع السهل والقريب والمباشر من مفردات المشهد الإبداعي، فهناك الكثير من الكنوز الإبداعية اليمنية المعاصرة لا تزال مطمورة تحت رمال الإهمال والتجاهل، وتحتاج إلى قليل من الجهد للتفتيش عنها وتقديم لآلئها إلى القارئ اليمني والعربي والعالمي.