كانت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، بمثابة لحظة تاريخية فاصلة بين زمنين وشطرين لم يدركها أو يعرف عنها جيلُ الشباب في اليمن، الذي يرزح تحت وطأة التهميش، وما أضافته الحرب والصراع الدائر في البلاد، من تبعات تسبّبت في تفاقم معاناة معظم سكان اليمن.
أثّرت هذه التبعات المتراكمة على نظرة هذه الفئة للوحدة، إذ باتوا يتعاملون معها -وفق حديث كثير منهم من مختلف المحافظات، لـ"خيوط"- بما تحمله ملامحها من تبعات وظروف حديثة فرضتها حرب 2015 أو تشوّهات قديمة سابقة، وهو ما يتطلّب -كما يرى الكاتب الصحفي رعد الريمي، من سكان مدينة عدن- الغوص أعمق نحو الحفاظ على هذه القيمة المعنوية بشكلها العام.
ويؤكّد في حديثه لـ"خيوط"، صعوبة التكهّن بمستقبل اليمن في ظلّ هذه المتغيرات والتطورات المتلاحقة، وكذا التداخلات، سواء المحلية أو العربية أو الدولية.
ويشكو الشباب في اليمن من تهميش صوتهم الذي يكاد يكون نهجًا مستدامًا من قبل جميع الكيانات والأحزاب أو التكتلات السياسية، بينما تظلّ مشاركتهم أمرًا شكليًّا صوريًّا لا يمت للواقع بصلة.
إضافة إلى محدودية إعطاء الفرصة للشباب من قبل الكيانات السياسية المحلية أو الجهات الدولية العربية أو الأجنبية، إذ لا يتم الالتفات لهم -وفق الريمي- إلّا حينما يتعلّق الأمر بالقضايا الملتهبة والمصيرية، في محاولة سيئة لاستغلال الشباب نحو أهداف مغايرة تمامًا تفوق قدراتهم على فهمها واستيعابها لتشعباتها وتضخمها الواسع.
في السياق، تقول الكاتبة الصحفية، هناء عبدربه، من سكان شبوة، في هذه المناسبة المهمة في تاريخ اليمن: "وُلدت بعد الوحدة بخمسة أعوام ونصف، تهدهدت على "أمي اليمن"، وأغاني "من يشبهك من"، وهي لا شبيه لها، و"عشت إيماني وحبّي" يمنيًّا، و"سيبقى نبض قلبي يمنيًّا" إلى الأبد، هي ما أؤمن به كوجود وهوية رغم كل الإرهاصات".
الوحدة اليمنية تمرّ في هذه السنوات، خاصة بعد انقلاب جماعة الحوثي في العام 2015، بمنعطف خطير جدًّا كون هذه الجماعة لا يمكن التعايش معها، وقد وأدت مقومات الجمهورية والثورة السبتمبرية، وتدعي أنّها أحدثت ثورة جديدة وأنّ لديها حاضنة شعبية ويخرج الملايين لمناصرتها.
من جانبها، لا تعتقد الناشطة المجتمعية والإعلامية، حنان فضل، من مدينة عدن- أنّ هناك أيّ وجود للوحدة، لافتةً إلى دور الشباب الغائب وصوتهم المهمّش في القضايا والمواضيع المصيرية، ولهذا يجب الاهتمام بالشباب، حيث تعتبر هذه الفئة أساس بناء الوطن، ويجب إشراكهم في صنع القرار ودعمهم؛ لكي يكون لهم دورٌ قوي خلال المرحلة القادمة.
منجز تاريخيّ
يرى شباب وناشطون من مختلف المدن والمناطق في اليمن، أنّ الوحدة أهمّ منجز وطني كبير لكلّ اليمنيّين، وليس من السهل أن تتخلخل بفعل المشاريع الصغيرة التي تديرها وتموّلها أطراف خارجية، يقول الناشط الحقوقي محمد المخلافي، من محافظة تعز، إنّها تسعى لتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة، وتعميق الاقتتال بين أبناء البلد الواحد، وما يحدث اليوم يعدّ انتهاكًا صارخًا للدستور اليمني ولإرادة الشعب.
يؤكّد في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الأصوات المرتفعة التي تطالب بالانفصال، وترفض التفاوض بشان القضية الجنوبية، تتجاوز دستور الجمهورية اليمنية الذي نص على أن: "جمهورية اليمن دولة اتحادية، مدنية، ديمقراطية مستقلة ذات سيادة، تقوم على الإرادة الشعبية والمواطنة المتساوية وسيادة القانون، وأنّها وحدة لا تتجزأ، ولا يجوز التنازل عن أيّ جزء منها".
وتحقّقت الوحدة اليمنية وفقَ اتفاق بين الطرفين في الشمال والجنوب آنذاك، ولم تكن الوحدة إرادة الشمال فقط، كما يبرر بعض المطالبين بالانفصال، والحديث للمخلافي، وعليه فإن الوحدة وحدة الشعب اليمني في شماله وجنوبه، والقرار هو قرار الشعب وحده، ولا يحقّ لأيّ مكون سياسي أن يستخدم الوحدة اليمنية كغطاء لتمرير مصالحه ومصالح الغير، وُلدنا وتربينا في وطن موحد، وسنعيش في وطن واحد إلى الأبد.
ويمثّل يوم 22 مايو، بالنسبة للصحفي خالد دهمس، من محافظة أبين، يومًا تاريخيًّا عظيمًا وحلمًا تحقّق، وكان يعتبر صعب المنال، وكانت الإرادة الشعبية في شمال الوطن وجنوبه فوق إرادة السياسيين الذين كانوا يبحثون عن مصالحهم ومصالح القوى التي يمثلونها.
يضيف لـ"خيوط"، لا ننكر أنّ هناك أخطاء وممارسات تمت بعد تحقيق الوحدة في العام 1990، بعضٌ منها بقصد، وبعضٌ آخر دون قصد، أو سلوك وتصرفات أفراد، ونزعات تسلط من قوى ونفوذ قبَلية أو جهوية.
ويرى دهمس أنّ الوحدة اليمنية تمرّ في هذه السنوات، خاصة بعد انقلاب "جماعة الحوثي" في العام 2015، بمنعطف خطير جدًّا؛ كون هذه الجماعة لا يمكن التعايش معها وقد وأَدَت مقومات الجمهورية والثورة السبتمبرية، وتدّعي أنّها أحدثت ثورة جديدة، وأنّ لديها حاضنة شعبية ويخرج الملايين لمناصرتها.
وعانت مناطق جنوب اليمن من وجود ظلم وإجحاف وإقصاء، وعدم عدالة في توزيع الثروة والسلطة، ولم تنفذ مشاريع استراتيجية كبرى فيه، تنقل وضعها الاقتصادي والمعيشي لمستوى أفضل، إذ يتابع دهمس حديثه، بالقول: "لا محطات كهرباء ولا مشاريع مياه كافية وشبكة صرف صحي متطورة، ولا تعليم جامعي حديث وتطبيقي".
تأثير الصراع على المستقبل
يرى يمنيّون أنّ مستقبل البلاد في ظلّ الأوضاع الحالية مجهول ولا رؤية واضحة، حيث أصبح الشباب خارج المعادلة، ومهمّش دورهم في ظلّ استقطاب القوى المتنازعة لاستخدامهم في مشاريعها الضيقة الخاصة بها.
ويشدّد خالد دهمس، على أنّ الشباب لا يزال هو المعول عليه في صناعة يمن حضاري تسوده المحبة والسلام، ويجب أخذ آرائه في صناعة السلام بعيدًا عن القوى التقليدية والانتهازية والعنصرية.
ويشير حسام علي، طالب جامعي من سكان صنعاء، في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ جيله من الشباب لا يعرف سوى الجمهورية اليمنية، والوحدة التي يصفها الجميع بأنّها أعظم منجز في تاريخ اليمن؛ لذا فإنّ ما يجري من صراع وتصدر جماعات تحمل رؤى خاصة بها ودخيله على اليمنيين، لا يلتفت إليها كشاب ينظر للمستقبل بآمال عريضة، ويجب ألّا يلتفت إليها أحد- وفق الشاب فوزي المروعي، من محافظة الحُديدة.
ويرى الشاب شوقي نعمان، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ كل المكونات والشخصيات تنظر للوحدة على أنّها شيء من الثوابت الوطنية التي لا يمكن المساومة عليها، أو المساس بها، ولكن هناك آراء أخرى تقول بأن هناك حلولًا لم تكتمل في تشكيل الوحدة القائمة على المحاصصة والعدالة، وليس على الوحدة التي نهجت نهج إقصاء الجنوب وأبنائه من وظائفهم ونهب أراضيهم.
ويقول: "جميعنا مع الوحدة، ومع الصف الوطني الواحد، ولكن يجب أن يكون هناك إنصاف عادل للمظالم التي لحقت ببعض أبناء الجنوب.
في هذا السياق، يشير المخلافي، إلى أنّ جنوب اليمن عانى في العقود التي سبقت تحقيق الوحدة، من أزمات وصراعات، ومن الانقلابات والاقتتال المسلح بين المكونات الجنوبية فيما بينها، مؤكّدًا أنّ ما يحدث في جنوب اليمن عبارة عن صراع عبثي بين الدولتين الطامعتين، ومن يسعى وراء الانفصال هم أدوات الغير.
الوحدة بالدرجة الأولى، يجب أن تكون وحدة مجتمع، ووحدة قلوب، قبل أن تكون وحدة جغرافية، حتى تمحى الذهنية التي اعتبرت الوحدة سطوًا من الشمال على الجنوب.
وينظر الشباب اليمني بشكل عام إلى الوحدة كمقدس وإنجاز وطني لا يمكن المساس به، بينما ينظر الشباب في الجنوب للوحدة بنظرة أخرى، حاملة ريح الانفصال والعداء. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنّ الوحدة هي الإنجاز الحقيقي، التي وحدت اليمن وجعلته وطنًا واحدًا لا يتجزأ إلى دويلات صغيرة، حسب رغبة المستعمر الجديد.
ويؤكّد علي المقطري، ناشط اجتماعي، من محافظة لحج، لـ"خيوط"، أنّه يجب التركيز على نظرة وآراء الشباب حول موضوع الوحدة ومستقبل اليمن؛ لأنّ الشباب هم عماد المجتمع، وهم من سيعيشون مستقبل اليمن، وليس الكبار؛ لذا يجب إشراك الشباب حول تقرير مصير ومستقبل بلدهم.
مرحلة فارقة
بحسب منظمات ومؤسسات مدنية معنية بالشباب، فإنّ هذه الفئة تواجه تحديات عديدة، مع افتقارهم إلى القدرة والمعرفة والمهارات لرسم خطوط واضحة لمستقبلهم السياسي، والذي يتجلى جزءٌ من ذلك في مثل هذه المناسبات التي تحمل ذكرى فارقة في تاريخ اليمن، فضلًا عن تطوير استراتيجيات واضحة لشكل النشاط السياسي الذي يرغبون في إدارته، إضافة إلى ذلك، يرى الشباب أنّه يجب أن يكون لهم تمثيل فعّال وعادل في كل المشاورات والمناقشات التي تبحث إحلال السلام وتحديد مستقبل البلاد، وفي الوحدة وشكل الدولة.
بالنسبة لموضوع الوحدة، يقول سام البحيري، ناشط اجتماعيّ وحقوقيّ، لـ"خيوط": "سمعنا عنها وتغنّينا بها وردّدناها منذ الصغر حتى في الطابور المدرسي، لكن الاحتقان الذي نجده والفوضى التي تصدر من قبل البعض في جنوب اليمن رفضًا لهذا الكيان والمصطلح، يؤرق كاهل المجتمع اليمني ككل، ويجعله يعيش الانقسام المجتمعي بطريقة أو بأخرى".
كما يرى البحيري أنّ الوحدة بالدرجة الأولى، يجب أن تكون وحدة مجتمع، ووحدة قلوب، قبل أن تكون وحدة جغرافية، حتى تمحى الذهنية التي اعتبرت الوحدة سطوًا من الشمال على الجنوب.
ويؤكّد شباب يمنيّون أنّهم مغيّبون عن صناعة القرار السياسي والمشاركة الفاعلة في القضايا الوطنية المهمة، في الوقت الذي يقتضي فيه أن يكون هناك سلام وعدالة اجتماعية وسياسية بين جميع المكونات، بما في ذلك الشريحة الأهم، وهي شريحة الشباب.
يقول شوقي نعمان: "منذُ تسعينيات القرن الماضي، أي منذُ أن بدأت التعددية الحزبية، والشباب يعيشون على وهم المصطلحات التي يطلقها صانعو القرار في اليمن -على وجه الخصوص- تِجاه الشباب، وإشراكهم في العملية السياسية، لكنّنا في الحقيقة ندرك جيدًا مدى هذا الوهم الذي نسمعه منذُ سنوات طويلة، وعدم رؤيتنا أو ملامستنا أيّ عمل جادّ لهذا الخطاب الذي يذاع على مسامعنا من وسط المؤتمرات السياسية والكرنفالات الحزبية وغيرها".
وعلى الرغم من أنّه لا يختلف اثنان في اليمن، على أنّ الشباب هم المتضرِّرون بالدرجة الأولى في الحرب والسلم، وهم الطبقة الفعالة والمؤثرة، وهم مشعلو ومفجّرو الثورات منذُ الستينيات، فإنّهم في الحقيقة مجرد وقود، تُؤجج الحرب السعير أجسادهم، بحسب نعمان، وينخر الحرمان على أفئدتهم الممتلئة بالآمال العريضة.
يضيف: "لا نعرف السبب الكافي للساسة، إزاء هذا الإقصاء والتهميش المتعمد للشباب عبر السنوات والأجيال المتعاقبة، غير أنّ بعض ساسة هذا البلد يصرّون على إبقاء الشباب معزولين عن العمل السياسي وصناعة القرار وممارسة طموحهم وخبراتهم، ليكونوا وقودًا للحرب التي يشعلونها هنا وهناك، كلما فقدوا بصيرتهم ومصالحهم الأنانية".
كما أنّ مسؤولية البناء والتغيير اليوم، تقع على عاتق الشباب بالدرجة الأولى؛ فالسكوت عن المطالبة بحقوقهم المكفولة بالدستور والقانون، يعد أمرًا مخزيًا ومؤسفًا، ويجب عدم تجاوزه دون إصلاح عاجل لهذا الخلل.