في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للأسر اليمنية التي تعجز عن السفر والترفيه عن نفسها خارج المدن، يتحول الذهاب للمتنزهات والملاهي والحدائق العامة إلى مقصد لكثير من هذه الأسر، نظرًا لانخفاض التكلفة وقرب المسافة، ولذلك نشاهد الازدحام الشديد في هذه الأماكن والإقبال المتزايد من قبل سكان عواصم المدن، الأمر الذي يتطلب في المقابل الحرص الشديد على صيانة هذه الألعاب وتفقدها بما يحفظ أرواح الناس.
تعرضت أم خالد، لماس كهربائي في إحدى الألعاب في أحد المولات التجارية بالعاصمة صنعاء، وبسبب هذا الماس تصاعد الدخان، ما منع عنها الرؤية. تصف أم خالد الحادثة لـ"خيوط"، قائلة: "لم أستطع أن أرى أمامي بسبب تصاعد الدخان، في تلك اللحظات كان همّي كيف أنقذ بنتَيَّ، حملت واحدة وسحبت الأخرى من يدها، ورغم أنّ بنتي التي أمسكت يدها كانت تصرخ وتبكي بسبب ضغطي على يدها وجرها بسرعة، إلّا أنّ النجاة والخروج سالمات وبأسرع وقت، كان كل همي".
تفاوت الاستجابة
من جانبها، تؤكّد الدكتورة، أمل الرياشي، أخصائي أول طب نفسي لـ"خيوط"، أنّ الأشخاص الذين لديهم رهاب من الماس الكهربائي المفاجئ أو من أي خلل في الألعاب، قد يصابون باكتئاب وقلق ما بعد الصدمة، وقد تتطور الأضرار لمنحى أخطر، بحيث تظهر لديهم أعراض ذهان، وتضيف الرياشي: "تتفاوت ردة فعل الأفراد النفسية إزاء المواقف الطارئة الخطرة، إذ تتحكم بها عدة عوامل، منها: مدى الاستعداد النفسي، والخلفية النفسية والعضوية السابقة للأفراد". وتتابع: "يتفاوت التدخل الطبي -بدوره- في حالات الصدمة، من حالة لأخرى، حسب الأعراض، إذ يتطلب القلق الشديد والمتوسط، جلسات علاج سلوكي ومعرفي مكثّف، إلى جانب مضادّ قلق، فيما نكتفي بالدعم النفسي والتطمين للأشخاص الذين يعانون من قلق أو كرب بسيط، وفي حال تطور الأمر لاكتئاب، يتم استخدام مضاد اكتئاب".
مسؤول السلامة في الملاهي والمتنزهات معنِيّ بعمل فحوصات شهرية واختبارات دورية لجميع الآلات، ولا تُخلى مسؤوليته إذا لم يكن صاحب الترخيص أو المستأجر، إلا إذا أثبت أنّ إجراء الاختبارات وإصلاح العطل ليس من اختصاصه الوظيفي.
يتحدث سعد أحمد (اسم مستعار)، عن أسباب حدوث أعطال في بعض الألعاب الموجودة في الحدائق والملاهي العامة، على رأسها: "عدم التزام مشغِّل اللعبة بالوزن المفترض الذي تتحمله اللعبة، إلى جانب إهمال التفقد الدوري من قبل قسم الصيانة لهذه الألعاب، وعدم تغيير القطع المنتهية أو التالفة، وهذا الأمر يفترض أن يكون كلّ يومين بالنسبة للحدائق والملاهي التي يرتادها الناس كثيرًا".
ويتابع سعد: "وعطفًا على هذا التفقد، لا بدّ أن تكون القطع المستبدلة أصلية وذات جودة عالية، عوضًا عن استبدالها بقطع رديئة لا تستمر طويلًا".
استمرار الحوادث
يوم الأربعاء 26 أغسطس/ آب، سنة 2020، خرج قطار الألعاب في حديقة السبعين بصنعاء عن مساره، ما أدّى إلى سقوطه وإصابة عددٍ من الزوّار ممّن كانوا على متنه. وبالمثل سقطت إحدى الألعاب في حديقة (فن سيتي) بصنعاء، ما أسفر عن إصابة خمسة زوّار، مسبِّبًا حالة من الهلع والذعر بين الزوار.
نماذج لحوادث كثيرة عملت على زراعة الخوف في أوساط اليمنيين ممّن ينشدون الترفيه والترويح عن أنفسهم، منهم سلمى التي تعبر عن هذه المخاوف، في حديثها لـ"خيوط": "لا أستطيع الذهاب لأي حديقة أو ملهى للعب، بسبب الاهتزاز الموجود في بعض الألعاب، وخروج ألعاب أخرى عن مسارها لمرات عديدة".
في سياق متصل، يؤكّد الأخصائي النفسي، محمد عمر الراشد لـ"خيوط"، أنّ بعض الناس يرافقهم القلق أو الرهاب منذ الطفولة إثر تعرضهم لحوادث طرق أو ألعاب، أو تعرضهم لإصابات بليغة، أو لهجوم كلب، كل هذه الحوادث تؤدّي إلى اضطرابات نفسية مختلفة في التفكير، والسلوك، والعواطف، منوهًا أنّ استجابة الأطفال للصدمة تكون مباشرة وسريعة تظهر بعد أيام أو أسابيع (فترة ما بعد الصدمة PTSD) على هيئة خوف من مغادرة ذويهم، تبول لا إرادي، مصّ الأصابع، ضعف في التركيز، عدوانية، إضافة إلى أعراض جسدية، مثل الصداع وآلام في المعدة.
الفحص الدوري
الجدير بالذكر أنّ مسؤول السلامة في الملاهي والمتنزهات معنِيّ بعمل فحوصات شهرية واختبارات دورية لجميع الآلات، ولا تُخلى مسؤوليته إذا لم يكن صاحب الترخيص أو المستأجر، إلا إذا أثبت أنّ إجراء الاختبارات وإصلاح العطل ليس من اختصاصه الوظيفي، وأنّه قد قام برفع الأمر لذوي الاختصاص، ويدخل ضمن اختصاصه التدقيق وبيان نوع الألعاب والبلد المصنع، وجودة اللعبة وفاعليتها، والعمر الافتراضي لها، ومدى توفر القطع الأساسية التي يكون الاحتكاك أو ارتكاز اللعبة عليها.
هذا وينص القانون على أنّ كلّ من قام بخطأ سبّب ضررًا للغير، يلتزم بتعويضه عمّا أصابه من ضرر، وإن توفِّيَ صاحب الحق يحقّ لورثته المطالبة بالتعويض والعقوبة.
ويضيف الدكتور الراشد أنّ تعليم الطفل على تقبّل ما حدث، والشرح له من خلال رسوم وصور توضيحية، أمرٌ في غاية الأهمية، لمساعدتهم على التجاوز والعودة للحالة الطبيعية.