يقول سامي هزّاع، إنّ رسالة نصيّة جاءته من إحدى البنوك، تفيد بأنّ لديه حوالة مالية، حينما ذهب للاستفسار عنها، وجدها حوالة قديمة من العام 2019، ورفض موظف البنك تسليمه الحوالة المالية إلّا بعد أن قام بفتح حساب بنكي له.
ويشير سامي، في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ مبلغ الحوالة كان خمسة آلاف ريال، راح منها ألفا ريال رسومَ فتح الحساب، وتسلمَ الباقي، غير أنّه لم يعرف حتى الآن ممّن كانت تلك الحوالة، ويرى أنّ هذه الحركة التي قام بها البنك هي استغلال بالدرجة الأولى، وهي أيضًا قد تكون تسترًا على شيء لا يعلمه، خاصة أنّه لم يعلم ممّن تلك الحوالة.
هكذا يعيش اليمن على وقع أزمة واسعة في القطاع المصرفي بسبب الحوالات المنسية التي لم يتم تسليكها، والتي أثارت العديد من التساؤلات في البلاد، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي المنشغلة منذ أيام بهذه القضية.
في هذا السياق، يعتقد كثيرون أنّ المستفيدين ربما قد ماتوا أو غادروا البلاد أو أنّ هناك خطأ ما، غير أنّ هذه التساؤلات قد تبدو غير منطقية، حينما نتحدّث عن آلاف الحوالات المالية الموجودة في شبكات التحويلات المالية منسية منذ سنوات.
وبحسب محرك البحث الذي تم إنشاؤه مؤخرًا عقب انفجار هذه القضية، فإنّ الحوالات التي تم الإعلان عنها حتى الآن، وصلت إلى نحو 65 ألف حوالة.
صدمة تعكسها البيانات
بدأت الحكاية عقب نشر أحمد العليمي، وهو مهندس سابق في إحدى شركات الصرافة، مجموعةً من الحوالات المالية التي لم يتم صرفها من قبل شبكة تحويلات صغيرة وحديثة النشأة مقارنة بالشركات الأخرى، والتي من المتوقّع أن تكون لديها أضعاف متراكمة منذ فترات طويلة.
قبل نشر كشوفات الحوالات على الإنترنت، نشر العليمي، على حسابه الشخصي في الفيس بوك، منشورًا يتوعد مجموعة من شركات الصرافة بفضحهم أمام الرأي العام.
مشكلة الحوالات المنسية تشير إلى تضخم السوق المصرفي الموازي، والتي تحوّلت إلى القيام بدور البنوك، والقيام بعمليات مالية ليست من اختصاصها ولا تمتلك القدرة والضمانات التي تؤهلها للقيام بها، وهو ما نتج عنه هذه الإشكالية.
شكّلت تلك الكشوفات المنشورة على الإنترنت صدمة غير متوقعة للكثير، فراح الناس يطالبون شبكات التحويلات المالية الأخرى بالكشف عن الحوالات التي لم تصل إلى أصحابها، وفتحت جدلًا كبيرًا بين مستخدمي الإنترنت وشركات الصرافة.
المواطن نجيب الحاج، يتساءل في حديثه لـ"خيوط"، عن دور الجهات المختصة في هذا العبث الذي يدور في القطاع المصرفي، مؤكّدًا أنّه فقدَ المصداقية بجميع شركات الصرافة، وأنّ هناك عبثًا يحدث يجب أن يتوقف بأيّ شكلٍ من الأشكال.
في حين يشدّد مواطن آخر، لـ"خيوط"، على ضرورة محاسبة شركات الصرافة، وأن تكون هناك ضمانات أكيدة تحفظ حقوق الناس في جميع الأحوال.
وعقب نشر تلك الكشوفات، اكتفى مركزي صنعاء الخاضع لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، بنشر تنبيه تم تعميمه على شركات الصرافة والبنوك، يشير إلى ضرورة إشعار مرسل المال إلى المستلم بحوالته المالية، قبل أن يعود ببيان يدعو فيه شركات الصرافة والبنوك بضرورة إشعار كلٍّ من المستلم والمرسل عبر الرسائل النصية، بوجود حوالة مالية بشكل مستمر، حتى يتم استلامها.
في حين أكّد البنك المركزي في عدن، أنّه ألزم شركات الصرافة والبنوك في وقت سابق، بذات الشيء، موضحًا إلى أنّه سيقوم بإنشاء شبكة موحدة لتحويل الأموال في القريب العاجل.
فيما بعد، أعلنت 4 شركات صرافة عن أسماء المستفيدين الذين لم يتسلّموا حوالاتهم المالية، بينما امتنعت البقية عن ذلك بحجة عدم نشر معلومات تراها خاصة للعامة، واكتفت بعض الشركات بفتح نافذة بحث على مواقعهم الإلكترونية، يمكن من خلالها البحث عن أيّ حوالة مالية بالاسم أو رقم الهاتف أو رقم الحوالة.
بينما قامت أخرى بنشر أرقام تواصل معها، قالت إنّه من خلالها يمكن أن تجيب عن أي تساؤلات في ذات الخصوص، بينما هناك شركات وبنوك كبيرة لم تلتفت للموضوع نهائيًّا.
غياب الرقابة
وقامت شركات عديدة بإشعار أصحاب الحوالات المالية بوجود حوالات لديها، يرى البعض أنّ هذه الطريقة ما هي إلّا مغالطة وتهرب منها، لا سيما بعد أن قال أشخاص أنّهم اكتشفوا أنّ حوالاتهم المالية عبارة عن مبالغ بسيطة جدًّا لا تستحق التحويل، ولا تتجاوز في بعض الأحيان 1000 ريال يمني.
ويقول أنور أحمد، لـ"خيوط"، إنّه استلم حوالة مالية، حسب قوله، كانت قديمة بعد أن وصله إشعار عبر رسالة نصية، لكن المبلغ كان 200 ريال يمني فقط.
وبين ما قد يراه البعض صحيحًا لما قامت به شركات الصرافة في عدم نشر معلومات المستفيدين حفاظًا على خصوصياتهم، وإيجاد طرق تواصل بين شركات الصرافة والمستفيد بعيدًا عن نشر أي كشوفات- طالب آخرون بضرورة وجود ضمانات من شركات الصرافة تثبت جدّيتها في ذلك.
وَفقَ خبراء اقتصاد ومصرفيين، فإنّ مشكلة الحوالات المالية جاءت بعد انقسام البنك المركزي اليمني في العام 2016، والذي تخلَّى بدوره عن الرقابة التي كان يقوم بها على التحويلات المالية عند شركات الصرافة، وهو ما جعل تلك الحوالات بحكم المنسية.
ويرى الخبير الاقتصادي، مصطفى نصر، في تصريح لـ"خيوط"، أنّه كان من المفترض على البنك المركزي القيام بمهامه؛ بالإشراف والمراجعة على عمليات التحويلات المالية التي تتم عبر شركات الصرافة، وبالتالي كان من المفترض أن يقوم بمتابعتها أوّلًا بأول.
كما أنّ مشكلة الحوالات المنسية تشير إلى تضخُّم السوق المصرفي الموازي، والتي تحوّلت إلى القيام بدور البنوك، والقيام بعمليات مالية ليست من اختصاصها، ولا تمتلك القدرة والضمانات التي تؤهّلها للقيام بها، وهو ما نتج عنه هذه الإشكالية.
ويشير نصر إلى أنّ غياب المنظومة المصرفية المتكاملة والوعي، وحالة الفقر، وعدم قدرة وصول البنوك إلى جميع المناطق اليمنية، أدّى إلى هذا الوضع غير الطبيعي، وإلّا فإنّ الوضع الطبيعي أنّه من المفترض أن يكون لكلّ شخصٍ حساب بنكي يتم التعامل به.
ويرى نصر أنّه من المفترض أن تمتنع شركات الصرافة عن فتح أيّ حسابات مالية أو أي تحويلات مالية كبيرة، ويتم العمل على سقف معينٍ للحوالات المالية التي تتم عبر شركات الصرافة، وذلك من أجل حماية الأشخاص من المخاطر التي قد تحدث لهم.
بينما كانت تقتضي الضرورة إلزام شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية، لكي تتيح لزبائنها عملية البحث بالاسم عن أيّ حوالة مالية، من أجل تسهيل عملية الوصول إلى حوالتهم، إضافة إلى ضرورة توعية المجتمع في التعامل مع البنوك وتوسيع نطاقها، بحيث يتم ربط حسابات المستخدمين بالأرقام الوطنية من أجل توريد أي مبالغ إليها بشكلٍ سهلٍ ودوريّ في حالة لم يتم استلامها.