تقطعت السبل بأهالي مدينة تعز، الذين وجدوا أنفسهم عند اندلاع الحرب في اليمن 2015، بين شطرين تشتت فيهما آمالهم المجتمعية وأواصرهم مع حصار مفروض ونزوح يؤرق مضاجع ساكنيها.
بعد ست سنوات من الغياب القسري، استطاع مراد عبده ناجي السامعي (28 سنة)، من الدخول إلى وسط المدينة بعد أن عبر طرقًا وعرة قادمًا من الحوبان، حدث ذلك من أجل زفاف أحد أحب وأقرب أصدقائه، كما يخبر خيوط.
كان مراد قد اضطر للنزوح من وسط مدينة تعز في صيف العام 2015 رفقة عائلته، تاركًا وراءه أحلامًا كثيرة كانت قاب قوسين من التحقق.
الطالب الجامعي الذي تخصص في قسم التسويق في معهد العلوم الإدارية منتصف العام 2012، لم تكتمل فرحته مع قدوم حفل التخرج وبعد ثلاث سنوات من التعب اللذيذ، كان تخرجًا من المدينة بأكملها، تخرجًا ابتعد فيه عن الأهل والأصدقاء، والذين كان من المفترض حضورهم لتتويجه بعقود الفُل.
وجد مراد نفسه في واقع مرير لا يشبه ما خطط له، لكنه كما يقول لـ"خيوط"، حاول التكيف عليه رغمًا عن أنف الحرب وأمرائها.
عادت الأم وابنتها إلى قريتهم الواقعة في منطقة سامع جنوب مدينة تعز؛ بينما يعمل الأب في منطقة القاعدة شرق مدينة تعز وبطل القصة في صنعاء، هكذا تعاني الأسر اليمنية على مستوى الجمهورية بشكل مجمل جراء هذه الحرب
في مناطق الحوبان شرق مدينة تعز، ظل الشاب العشريني يجمع صداقات جديدة وعلاقات متوسعة علها تواسي وحدانيته، "لم يكونوا غرباء كثيرًا بالنسبة لي"، هكذا يتحدث مراد واصفًا كيف أن الآلاف من سكان المحافظة أيضًا انتهى بهم المطاف في النزوح .
ويضيف: "هناك التقت هموم الناس على صعيد واحد، الجميع يعد الساعات ويراقب تعاقب الأيام إيذانًا بموعد الرجوع الذي طال"، وبحسب الإحصائيات الرسمية لسلطة أنصار الله (الحوثيين) والتي تقع منطقة الحوبان تحت سيطرتها، فإن عدد الأسر التي نزحت من وسط مدينة تعز بلغ 18 ألف أسرة في أواخر العام 2018 .
في هذا العام وفي الصدد نفسه، يحكي مراد كيف أنه اضطر للانتقال إلى العاصمة صنعاء من أجل البحث عن فرصة عمل تساعد عائلته في قهر ظروف الحرب. عائلته التي تمثل نموذجًا مصغرًا لما تشهده تعز واليمن من شتات النزوح، إذ إن كل فرد منها -وهم المكوّنون من أربعة أشخاص؛ شقيقته إضافة إلى أمه وأبيه- باتوا في أماكن مختلفة.
فرصة للتقارب
عادت الأم وابنتها إلى قريتهم الواقعة في منطقة سامع جنوب مدينة تعز؛ بينما يعمل الأب في منطقة القاعدة شرق مدينة تعز، وبطل القصة في صنعاء، هكذا تعاني الأسر اليمنية على مستوى الجمهورية بشكل مجمل جراء هذه الحرب.
في عاصمة اليمنيين، عثر هذا الشاب القادم من مدينة تعز على عمل في إحدى المولات الكبرى، بدأ يمارس مهنته التسويقية ونجح في كسب ثقة الإدارة هناك، وبعد عام تحديدًا في بداية العام 2019 تم نقله بموجب قرار تدوير وظيفي إلى مدينة إب، كان الأمر أشبه بفرصة للتقارب مع عائلته أكثر، وليكتمل الاستقرار بدا مراد متلهفًا للعودة إلى وسط مدينة تعز بعد ست سنوات من النزوح، كون أسرته تمتلك منزلًا هناك .
سنحت الفرصة ليجرب ذلك، ولو بمفرده في أواخر العام 2020، عندما حضر حفل زفاف أحد أقرب أصدقائه، وكانت تجربة اكتشف فيها كمية التغيير الذي طرأ في الحي وأبنائه، شاهد مراد دمار المنازل وعلى ما تبقى من جدرانها صور معلقة لمن رحل من أصدقائه.
"بفعل الحرب والحصار تبدو الحياة هنا كئيبة، لكنه الحنين للمنزلِ الأولِ والذي لا يموت" يقول مراد.