أزالت رحلة طيران اليمنية رقم (648)، صباح الإثنين 16 مايو/ أيار المتجهة إلى العاصمة الأردنية عمان وعلى متنها 130 مسافرًا من اليمنيين، الغبار عن مطار صنعاء الدولي المهجور منذ ست سنوات والذي عاد للعمل مرة أخرى، بحسب اتفاقية الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ.
الحكومة المعترف بها دوليًّا كانت قد أعلنت نهاية الأسبوع الماضي عن موافقتها على جدولة أول رحلة من مطار صنعاء إلى الأردن بعد تأجيل من الشهر الماضي أبريل/ نيسان، لأسباب تتعلق بمشكلة جوازات السفر وبدء مشاورات فتح الطرقات ورفع الحصار عن مدينة تعز.
المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ رحَّب بانطلاق أول رحلة تجارية من مطار صنعاء منذ حوالي ست سنوات ضمن تنفيذ اتفاق الهدنة التي تم تحديدها بشهرين وتنتهي مع انقضاء الشهر الحالي مايو/ أيار.
هنّأ غروندبرغ جميع اليمنيين على هذه الخطوة المهمة التي طال انتظارها، والتي أمّل أن توفر بعض الراحة لليمنيين الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي في الخارج، أو الذين يسعون إلى فرص التعليم والعمل، أو لمّ الشمل مع أحبائهم. وقال إن هذا هو وقت التضافر وبذل المزيد من الجهد للبدء في إصلاح ما كسرته الحرب، وتنفيذ جميع التزامات الهدنة لبناء الثقة والتحرك نحو استئناف عملية سياسية لإنهاء النزاع بشكل مستدام.
تخفيف الأعباء
استبشر يمنيون بعودة مطار صنعاء للعمل لتخفيف الأعباء عن المسافرين والمرضى والذين عاشوا سنوات من التنقل الشاق عبر طرق وعرة وبديلة للوصول للمطارين الوحيدين العاملين في اليمن منذ ست سنوات، مطار عدن ومطار سيئون بمحافظة حضرموت (جنوب اليمن).
يعتبر إحراز تقدم نحو فتح الطرق في تعز أمرًا أساسيًّا لتحقيق هذا الوعد، إذ توقع المبعوث الأممي من الأطراف الوفاء بالتزاماتهم، بما يشمل الاجتماع على وجه السرعة للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات في اليمن، وفقًا لبنود اتفاق الهدنة.
المواطن علي محمد، وهو أحد المسافرين على رحلة اليمنية رقم (648) والتي أقلعت صباح الإثنين من مطار صنعاء، يعتبر في حديث لـ"خيوط"، إعادة تشغيل مطار صنعاء خطوة منتظرة ومفرحة بعد سنوات من المعاناة وانتظار الكثير، خصوصًا المسافرين من المرضى للعلاج في الخارج لهذه اللحظة التي ستخفف معاناتهم وتوفر كثير من التكاليف عليهم.
من جانبه، يؤكد المواطن يحيى سالم، في حديث لـ"خيوط"، أنها خطوة تأخرت كثيرًا، لأن مثل هذه المرافق العامة والخدمية كان يجب أن تظل بعيدًا عن دائرة الصراع في اليمن، لكنها تركز كثيرًا إلى جانب المعارك العسكرية في القطاعات العامة والمرافق التي تخدم المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب والتي ساءت وتدهورت أوضاعهم بشكل كبير.
كان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ قد أعلن مطلع أبريل/ نيسان الماضي، عن اتفاق طرفي الحرب في اليمن على هدنة لمدة شهرين، تبدأ من 2 أبريل/ نيسان ويمكن تجديدها لاحقًا بعد انتهاء الشهرين بموافقة الأطراف، تشمل وقف جميع العمليات العسكرية داخل اليمن وعبر الحدود.
كما تم الاتفاق كذلك على دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة (غربي اليمن)، وتشغيل رحلات تجارية لوجهات محددة سلفًا من وإلى مطار صنعاء.
جاهزية تامة
يعتبر مطار صنعاء الأولَ في اليمن من حيث حجمه وتجهيزاته وقدراته مقارنةً بالمطارات الأخرى في البلاد، وهو ما يجعل عدد الرحلات التجارية محددًا، بحسب اتفاقية الهدنة بواقع رحلتين خلال الأسبوع لا تلبي 10% من حاجة الكتلة السكانية التي يخدمها هذا المطار، لكنها خطوة مهمة لفتح المطار بشكل كامل خلال الفترة القادمة في حال تمديد الهدنة بعد انقضائها.
خطوة اعتبرها المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، في بيان، خطوة كبرى باتجاه تحقيق سلام دائم في اليمن، وذلك بعد إقلاع أول طائرة تجارية من مطار صنعاء منذ نحو ست سنوات.
بدأ مطار صنعاء في جاهزية عالية من النواحي التشغيلية والفنية والمهنية، خاصة أنه يقدم خدمات ملاحية لطائرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية العاملة في اليمن بشكل يومي وبكوادر يمنية مؤهلة.
الخبير الملاحي، قيس عبدالرحيم، يؤكد لـ"خيوط"، أن مطار صنعاء يخدم كتلة سكانية كبيرة ويستخدمه سكان أكثر من 15 محافظة يمنية، لذا تسبب إغلاقه في حرمان هذه الكتلة السكانية من حريتهم في التنقل، وهو ما تجرمه جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية.
يرى عبدالرحيم أن جاهزية المطار الدولي الأول في اليمن لا تدعو للاستغراب فهو طوال السنوات الماضية بعد توقفه عن العمل كان تحت تصرف الأمم المتحدة التي تستخدمه طائراتها باستمرار دون توقف حتى في أوج فترات الصراع والقصف الجوي من قبل طيران التحالف الذي تعرضت له العاصمة اليمنية بشكل عام ومطار صنعاء بشكل خاص.
تطالب سلطة صنعاء والتي ترفض حتى الآن مناقشة ملف الطرقات ورفع الحصار الذي تفرضه على مدينة تعز- الإلتزام ببنود الهدنة وتسيير الرحلات المحددة بواقع 16 رحلة المتفق عليها خلال الفترة المتبقية من الهدنة.
الخطوة القادمة والمنتظرة
يرى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بعد إقلاع أول رحلة من مطار صنعاء بعد سنوات من التوقف، أن هذه الالتزامات في الأساس وعدًا لليمنيات واليمنيين- وعدًا بمزيد من الأمن، وبقدرة أفضل على الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية، وبتحسين حرية التنقل داخل اليمن وإليه ومنه.
يعتبر إحراز تقدم نحو فتح الطرق في تعز أمرًا أساسيًّا لتحقيق هذا الوعد، إذ توقع المبعوث الأممي من الأطراف الوفاء بالتزاماتهم، بما يشمل الاجتماع على وجه السرعة للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات في اليمن، وفقًا لبنود اتفاق الهدنة.
عقّدت الحرب الدائرة في اليمن عملية التنقل الآمنة، بعد فرض الصراع الطاحن طرقًا بديلة وعرة صعبة مليئة بالتوترات والنقاط العسكرية ومنافذ الجبايات، خصوصًا ما تفرضه سلطة أنصار الله (الحوثيين) من حصار على مدينة تعز، وهو ما فاقم معاناة اليمنيين على مختلف الأصعدة، ونقل البضائع والسلع بين المحافظات اليمنية.
وكان وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة المعترف بها دوليًّا قد أعلن عن التعاطي الإيجابي مع كافة الترتيبات اللازمة لإطلاق سراح كافة المحتجزين "الأسرى"، وفتح مطار صنعاء وإطلاق سفن مشتقات نفطية عبر ميناء الحديدة وفتح المعابر في مدينة تعز المحاصرة.
تأتي هذه الهدنة نتاجًا لتحركات دبلوماسية مكثفة، بدأت في النصف الثاني من شهر مارس/ آذار 2022، مع بروز مستجدات وتحولات طارئة في ملف الأزمة اليمنية التي استعصت على الحل طوال سبع سنوات، وسطَ حرب وصراع طاحن، تسبب في تفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، وَفقَ تصنيف الأمم المتحدة.
وبعد مبادرة أعلن عنها رئيس المجلس السياسي لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في 26 مارس/ آذار، عن هدنة من طرف واحد لمدة أيام تستمر فيما بعد، تلاه إعلان مماثل للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، انطلقت في العاصمة السعودية الرياض المشاورات "اليمنية اليمنية" التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي منتصف مارس/ آذار، الماضي.
ودخلت هدنة لمدة شهرين حيز التنفيذ في الثاني من أبريل/ نيسان وصمدت إلى حد كبير، لكن استئناف رحلات معينة متفق عليها بموجب الاتفاق لم يتم، إذ أصرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا في البداية على أن يحمل كل الركاب من صنعاء جوازات سفر مصدرة منها.
لكن بعد ضغوط من المجتمع الدولي، وافقت الأسبوع الماضي على السماح لحاملي جوازات السفر المصدرة من من صنعاء ومناطق نفوذ أنصار الله (الحوثيين) بالسفر إلى الخارج.
وتسعى الأمم المتحدة لتمديد الهدنة على مستوى البلاد، وهي الأولى منذ 2016، لتمهيد الطريق لإجراء مفاوضات سياسية شاملة لإنهاء الحرب التي قتلت عشرات الآلاف وتسببت في أزمة إنسانية.
وشمل اتفاق الهدنة وقف العمليات العسكرية الهجومية والسماح بدخول واردات الوقود لموانئ خاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) وانطلاق بعض الرحلات الجوية من صنعاء. وانطلاق الرحلات يمهد الطريق لإجراء محادثات منفصلة لفتح الطرق في مدينة تعز.