في سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤، صدر قرارٌ بفتح قسم الفنون الجميلة بجامعة تعز، وبحسب إفادة رئيس القسم فقد تخرجت خمس دفعات من شعبة الفن التشكيلي، بـ٤٨ طالبًا وطالبة، منهم ثمانية طلاب هم حاليًّا بصدد التخرج باعتبارهم آخر دفعة، وأعلى نسبة وصل إليها القسم من المتقدمين للتسجيل هي ١٢ طالبًا، وأدنى رقم يتقدّم فيه الطلاب لدراسة هذا التخصص هو ٧ طلاب.
مؤخرًا، أُغلقت بوجه الطلاب شعبة الفن التشكيلي بهذا القسم الذي يتبع كلية الآداب. التبريرات التي تساق سببًا للإغلاق، مثل قلة الكادر وانعدام الموارد وضعف الإقبال، ليست وجيهة تمامًا، فرسالة الجامعة في كل حين تنويرية بدرجة رئيسة، ويتوجب عليها التضحية من أجل استمرار وصول رسالتها بواسطة طلابها المتخرجين من جميع التخصصات وفي حقول المعرفة النظرية والتطبيقية، ومنها حقول الدراسات الإنسانية والفنون.
إغلاق المستقبل
تقول مسار الحاج، إحدى طالبات الفن التشكيلي، لموقع "خيوط": "كنتُ قررت ترك الدراسة عندما علمتُ بقرار إغلاق شعبة التشكيلي؛ لأنني كنتُ أكره تخصص الجرافيكس؛ لكن في الوقت ذاته الجرافيكس ليس مملًّا، وفيه بعضٌ من تخصص التشكيلي، إلّا أنّ التشكيلي يعتمد على اليد، فيما الجرافيكس يكون على جهاز اللابتوب".
وتابعت: "الجرافيكس هو القسم الآخر الذي يمكن أن نُكمل موهبتنا من خلاله إذا كان "التشكيلي" غير موجود، لأنني أشعر أن هناك تشابهًا بين القسمين".
من جهةٍ أخرى، تقول باسكال الهمداني، إحدى طالبات الفن التشكيلي: "إنّ قرار إغلاق الشعبة، يعتبر إغلاقًا لمستقبل العديد من الفنّانين، فهو ليس للمتعة؛ بل يؤدّي رسالة لمعالجة القضايا؛ إذ يمكن أن يختزل قصة كاملة متعددة الصفحات في لوحة واحدة".
مشيرةً إلى أنها واجهت العديد من الصعوبات والمعوقات، بسبب عدم توفر الألوان والأدوات، وارتفاع أسعارها؛ ممّا دفعها إلى اختيار ذات الجودة الأقل بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها.
وأضافت: "الدولة لا تُقدِّر الفنّ، ومهما أبدعَ الفنّان فإنّه لا يجد فرص عمل تقدِّر فنّه، بدليل إغلاق شعبة الفنّ التشكيلي".
ضعف الإقبال
يقول يحيى المذحجي، عميد كلية الآداب بجامعة تعز، لموقع "خيوط": "إنّ قرار إغلاق شعبة التشكيلي جاء بسبب عدم توفر الكادر من داخل الكلية، إذ إنّ أساتذة الشعبة كانوا جميعًا يعملون بالتعاقد، إضافة إلى عدم إقبال الطلاب على التسجيل؛ ولذا تقرر الإغلاق".
أمين المخلافي، رئيس قسم الفنون الجميلة سابقًا، يقول لـ"خيوط": "في البداية كان هناك إقبالٌ للطلاب على شعبة الفن التشكيلي؛ ولكن بعد انخفاض عدد المتقدمين إلى أقل من عشرة طلاب ولأن القسم يحتاج إلى تكاليف وأعضاء هيئة تدريس، ولا يوجد ما يغطي ذلك، تقررَ الإغلاق".
مضيفًا أنّ قلة المتقدمين لهذه الشعبة هي بسبب انعدام فرص العمل، خلاف الجرافيكس الذي يوفر فرصًا بنسب أعلى في سوق العمل.
قرار إغلاق شعبة الفنّ التشكيلي في قسم الفنون الجميلة بجامعة تعز، مؤسفٌ جدًّا؛ كون تعز عاصمة الثقافة والفنون، ولا يُقبَل أيُّ مبرّر من الجامعة تحت ما يُسمى قلة الإقبال عليه، فقلة الإقبال لا تعدّ مشكلة؛ كون المُتقدّمين لهذه الشعبة، يأتون معزّزين بالموهبة.
عاصمة الثقافة
عزيز المعافري، فنانٌ تشكيلي بتعز، يرى أن قرار إغلاق شعبة التشكيلي في قسم الفنون الجميلة بجامعة تعز، مؤسفٌ جدًا؛ كون تعز عاصمة الثقافة والفنون، ولا يُقبل أيّ مبرر من الجامعة تحت ما يُسمى قلة الإقبال عليه، فهذا لا يُمثّل مشكلة؛ كون المُتقدمين لهذه الشعبة يأتون معززين بالموهبة، وهذا الشيء نوعيٌّ جدًّا، ومن المعقول أن يكون الإقبال قليلًا. والمؤسف جدًّا، أنّ الجامعة لا تعي ذلك، لتنظر للموضوع بحقيقته قبل اتخاذ القرار بالإغلاق.
وأضاف: "إذا كان الإقبال بنظر جامعة تعز مشكلة، فيُفترض أن تتخذ استراتيجية نحو القسم أو الشعبة بتشكيل ورشة تقوم بتطوير الشعبة بمنهجيتها، أو فتح شُعب أخرى للفنون الجميلة، وهذا سيعطي نتيجة إيجابية، نحو استراتيجية الجامعة، ونحو قسم الفنون، من حيث الإقبال".
مشيرًا إلى أن مشكلة الفنّ بشكلٍ عام، ليست في إغلاق شعبة التشكيلي بجامعة تعز فحسب؛ بل هناك مشكلة كبيرة على مستوى الدولة تجاه الفن والفنانين، والواضح جدًّا من المعاناة التي يواجهها الفن والفنانون في بلدنا.
غزير المعاني
من ناحية أخرى، يقول الصحفي عبدالملك الأغبري: "الفن التشكيلي على الرغم من أنه فن صامت، فإنه غزير المعاني؛ إذ يختزلُ الحرف والسطر بصورة على لوحة أو جدار، ويُقدّم رسالة قيمية ذات طابع دلالي، وله أبعاده، كداعم ومُعبر لتعزيز أفق السلام في خضم الحروب، أو لنقل المعاناة فيها، وغير ذلك، وقرار إغلاق الشعبة يعني دفنًا للكثير من المواهب، خاصةً عندما لا يجد الشخص مكانًا يُلبِّي رغبته ويُشبع غريزته الإبداعية".
موضحًا أن التخصصات تكون غالبًا بالميول والرغبات، فإذا لم يجد الطالب مكانًا يحتوي رغبته وإبداعه، فقد يفشل أو على الأقل قد لا يُبدع في تخصصٍ آخر، وقد يضطر إلى ترك الدراسة، والبحث عن عمل إذا وجد أنّ كل التخصصات الأخرى لا تناسب رغبته وتطلعاته، وهذا لا يعني أنّ الطالب فاشل؛ بل نستطيع القول إنّ الجامعة هي التي أفشلت الطالب؛ كونها لم تُوفر حاضنة لرغبات المبدعين؛ حد تعبيره.
وأضاف: "شعبة الفنّ التشكيلي ليست دُكانًا، إذا قلّ روّاده يتم إغلاقه، هو في الأخير صرح عِلمي تتكفل الدولة من خلال الجامعة بتهيئة الظروف المناسبة لاحتواء الطاقات الإبداعية، لإخراج شريحة كبيرة من كافة التخصصات، لرفد البلاد بطاقاتٍ متعددة في كل المجالات".
غياب الحاضنة
تقول لينا السامعي، إحدى خريجات الفنّ التشكيلي: "إنّ للفنّان التشكيلي أكثر من مجال ليحصل على مردود ماليّ؛ من خلال الرسم وإقامة المعارض والتصميم والديكور، خاصةً إذا قام بالتسويق لأعماله، وأيضًا من الممكن أن توجد وظائف حكومية في مكتب الآثار والسياحة، ومكتب الثقافة وغيرها؛ لكن مع الأسف لا يوجد شيء من ذلك في واقعنا اليوم، خاصة في تعز".
تضيف السامعي أنّ غياب الحاضنة التي تجمع الفنّانين التشكيليّين، وعدم إقامة المعارض والتسويق لأعمالهم تأتي ضمن المشكلات التي يواجهها هؤلاء، بالإضافة إلى عدم عقد دورات وندوات تساعد على تنمية الذوق الجمالي، ما يؤدّي إلى عزوف الكثير عن هذا التخصص على اعتبار أنه شيء ثانوي، لعدم وجود نُقّاد في هذا المجال.