في ظل تعقيدات المرحلة الراهنة، والانقسام المجتمعي، والحرب الضروس، تعود ذكرى 11 فبراير، ويحضر معها النقاش الطويل الممتد لإحدى عشرة سنة مضت عن مدى صلاحيتها كثورة للزمان والمكان، وإذا ما تحولت لفوبيا تورد احتمالات الإخفاق للأهداف ودوافع الحرب الدائرة. تتضارب الإجابات النهائية، فيما الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالسنوات المعقدة التالية للثورة ظلت مطروحة!
محمد عبده ( 52سنة)، من أوائل المنضمين لساحة الحرية بتعز، يقول لـ"خيوط": "ناديتُ بإسقاط النظام، لكني الآن نادم، فقد أصبحت كلمة الثورة بالنسبة لي "فوبيا" جلبت معها كل هذه المآسي".
أما أبرار محمد، ناشطة سياسية، تقول لـ"خيوط": "إن فكرة الثورة لن تصبح (فوبيا) أبدًا، نعم هناك من أرادها تجربة مرعبة في أذهان الناس، وهناك من يأمل أن يتخذ الشباب موقفًا مضادًّا منها، لكن هذا الجيل يتمتع بوعي كبير وبعقلية منفتحة مدرِكة لأهمية الحق الذي يلزم الفرد، ويدفعه للخروج والرفض، فما يزال هناك متسع، وللحلم بقية".
انتفاضة التغيير
كانت الساحات والميادين العامة في عموم محافظات الجمهورية اليمنية، تغص بالملايين من الشباب والشابات الذين جمعهم حلم التغيير. إذ بدأت انطلاقتهم في 15 يناير/ كانون الثاني 2011 من جامعة صنعاء، وبدأت شعاراتهم تستهوي قطاعات شبابية ومدنية كثيرة، بعدها تحولت إلى انتفاضة شعبية عارمة، طالبت برحيل نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتغيير حال البلد إلى الأفضل.
يرى عماد دبوان، باحث تاريخي وسياسي، في حديثه لـ"خيوط"، أن حصر السبب في اندلاع الحرب بثورة فبراير فيه من الخفة والتسطيح الكثير، إذ إنه من الخطأ عدم الاعتراف بإخفاقات النظام وتحميل ثورة فبراير تبعات فشله.
لكنها -كما يردف دبوان- كانت إحدى الأسباب، ولا بد من التنويه إلى أن ثورة فبراير لم يكن هدفها من الأساس هذه الفوضى، ولم يتصور شبابها أن تصل البلاد إلى هذه الوضعية.
لم تكن ثورة فبراير تعي مشاكل اليمن الداخلية وتعقيدات تركيبته السكانية، وتداخل كل ذلك مع أطماع دول الإقليم، المختلفة كليًّا عن نظيراتها في مصر وتونس، وهو ربما ما ساهم في الانقضاض على الثورة والالتفاف على أهدافها التي خرج من أجلها الشباب حينها.
يضيف دبوان أن ثورة فبراير لم تكن تعي مشاكل اليمن الداخلية وتعقيدات تركيبته السكانية، وتداخل كل ذلك مع أطماع دول الإقليم، المختلفة كليًّا عن نظيراتها في مصر وتونس، وهو ربما ما ساهم في الانقضاض على الثورة والالتفاف على أهدافها التي خرج من أجلها الشباب حينها.
في السياق ذاته، يقول الصحفي حامد البخيتي لـ"خيوط"، إن 11 فبراير ثورة شاء من شاء وأبى من أبى، أتت في مرحلة التحول في المنطقة العربية، ثم إلى مرحلة الشعبوية؛ لذا -بحسب حديثه- فهي ثورة فاعلة ذات تأثير متجدد.
ويلفت إلى أن هناك معوقات أمام المسار الثوري برغم كل التبعات التي حصلت، وهناك من يسعى من النخب الجديدة لطمس المرحلة الشعبوية في التعبير.
فبراير لم تنتج حربًا
لم يكن للثورة أن تمر دون قمع من النظام السابق، ولعل سقوط ما يزيد عن خمسين متظاهرًا في جمعة الكرامة مايو/ أيار 2011، كان بادرة لجر الأوضاع إلى مربع العنف.
يؤكد محمد الشرعبي، أحد ناشطي ثورة 11 فبراير لـ"خيوط"، أن شباب الثورة لم ينجروا للعنف، ورحبوا بالمنضمّين من كل الأطياف بشرط السلمية، لكن المحاولات المستميتة لجر الثورة لمربع العنف نجحت في نهاية المطاف، وحدث ما كنا نخشاه؛ تم الالتفاف على أهداف الثورة عبر المبادرة الخليجية التي منحت الرئيس السابق صالح حصانة مكّنته من تسليم صنعاء للحوثيين في سبتمبر/ أيلول سنة 2014.
الباحث المصري في شؤون الثورات العربية، أحمد بهجت، يقول لـ"خيوط"، إن الثورة اليمنية مرت بتعقيدات جيوسياسية وارتباطات إقليمية لقوى فاعلة بالثورة، أسست بدورها لتدخل لاحق في الحرب في اليمن، مضيفًا أن الثورة هي تصحيح مسار، ولكن دكتاتورية الحكم العربي وعقلية الحاكم المتسلطة هي ما أوصلت كل الأقطار العربية إلى ما هي عليه الآن، فالثورات لا علاقة لها بما يحدث بالدول العربية من حروب وصراعات.
مسارات ومعوقات
أعلنت الحكومة المعترف بها دوليًّا يوم 11 فبراير إجازة رسمية في عيدها السادس سنة 2017، ويجري الاحتفال بها كل سنة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
مصدر في الحكومة المعترف بها دوليًّا -فضّل عدم ذكر اسمه- قال لـ"خيوط": "كانت ثورة 11 فبراير حقيقية وملهمة، ولكن تم العبث بأهدافها والتسلق على غاياتها، مضيفًا أن "كل من انضمّ للثورة من مسؤولين هم نتاج نظام علي صالح، هم حاليًّا يبحثون عن مصالحهم بفساد واضح، ولو أقام الشباب ثورة جديدة في الداخل سيغيرون جلودهم، ويتربعون من جديد في صدارة الفضائيات يحللون ويصبحون ثوارًا بين ليلة وضحاها".
ويتطرق الباحث السياسي، عماد دبوان، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص؛ إذ قد يشكّل مصطلح ثورة خوفًا لدى البعض، يقابل بالرفض، وذلك لعدم وجود ضمانات لنجاح أي فعل ثوري قادم.
وعلى الرغم من الأوضاع القاسية التي يعاني منها اليمن، إلا أن الشعارات الرنانة في فترات الاحتفالات والخطب الثورية ما زالت تستهوي الكثير من الشباب وتدفعهم للتعبير عن آرائهم وهو ما تؤكده أبرار، التي تقول: "إن ثورة فبراير ليست فعلًا يقتصر على الهتاف أو المظاهرات، بل ثورة تسعى للتغيير وإحداث نهضة، وهو ما نعبر عنه في الفنّ والموسيقى والرسم وكل المجالات"، حد تعبيرها.
الأمر متروك للمستقبل والوقت للتخلص من آثار الحرب التي غيرت معاني الأفعال وحولت الحق لـ"فوبيا"، وجارت على أحلام الشباب وأهدافهم في بناء دولة وتعميد الجمهورية وضمان الوحدة.