أدرك المزارع زايد بن ثيبة، من مديرية الخب بمحافظة الجوف (شمال شرق اليمن)، أهميةَ توعية المزارعين في منطقته بالتعاونيات وإطلاق المبادرات المجتمعية في حشد الطاقات واستثمار المساحات من الأراضي التي لا يتم زراعتها، بسبب الظروف والتبعات الناتجة عن الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ العام 2015.
استمرّ المزارع ثيبة، في المضيّ قُدمًا بتوعية المزارعين وحثّهم على التعاون والتنسيق والعمل الجادّ والبحث عن الإمكانيات اللازمة لاستثمار الحقول الزراعية ومضاعفة الإنتاج، الأمر الذي أسهم في تكاتف المزارعين، للتعاون في إنشاء الاتحادات والجمعيات، والمساهمة بالبحث عن الدعم أو أخذ قروض وفتح الباب أمام المستثمرين.
مثّل غياب الجمعيات التعاونية، أحد الأسباب الرئيسية في ضعف التوجُّه الزراعي ودعم المزارعين، لذلك أدرك أهالي عديدٍ من المناطق بالجوف، أهمية وجود جمعية تعاونية زراعية، وبادروا بالتحرك لإنشاء وتأسيس كيانات تعاونية زراعية، كما حصل في منطقة المتون، والتي دشّنت قبل عامين "جمعية المتون الزراعية"، وذلك بهدف إعداد وتنفيذ الخطط الزراعية الهادفة لمساعدة المزارعين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي خلال مدة تصل إلى 8 سنوات.
في الوقت الذي تضاعف فيه مستوى النشاط الزراعي الذي طرأ خلال الثلاث سنوات الماضية، وما رافق ذلك من ارتفاع الإنتاج؛ واجه المزارعون عديدًا من التحديات، تتمثّل في تكدّس المنتجات وتعرّضها للتلف، وذلك لغياب الأسواق في المدينة، فضلًا عن عدم توفر غرف عمليات لتنسيق ومتابعة الأسواق في جميع المحافظات.
يقول ثنية لـ"خيوط": "أدركنا أنّ الحرب تستهلك الدماء وتستنزف القدرات، والجوف محافظة زراعية وأرض خصبة، بدأت حينها بتوعية المزارعين من خلال تنظيم عدة اجتماعات وصلت إلى بعض تطبيقات الهاتف النقال كالواتساب، ليتم بعد ذلك إطلاق المبادرات المجتمعية كخطوة أولى، والبَدء بمطالبة المستثمرين ورجال الأعمال للاستثمار في القطاع الزراعي في هذه المناطق الواعدة بالجوف.
يُضيف هذا المزارِع، أنّ المزارعين في هذه المناطق أدركوا أهمية الزراعة في خدمة بلدهم، وخلق هذا الهمّ الوطني في نفوسهم، وبدَؤُوا بالبحث عن دعم وطرق في استثمار حقولهم الزراعية، حتى أصبحت بالوقت الحالي تزرع ما يقارب نسبته 75% من المساحات الزراعية التي كانت غير إنتاجية.
وتُزرَع في مديرية الخب، مختلف أنواع الفواكه والخضروات، بما في ذلك البرتقال والليمون والبصل والنخيل والشمام إلى جانب القمح، وتتوزّع الزراعة وفقًا لجدول المواسم المعتاد.
تحدٍّ في الاستمرار
كان الإصرار والتحدّي كبيرًا لدى المزارعين، في استمرار بذل المزيد من الجهود للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي، حتى بادروا بتأسيس ثلاث جمعيات زراعية مطلع يونيو/ حزيران الماضي 2022، كجمعية المتون، والمصلوب والخاق، كوسيلة لإعداد ودراسة الخطط لدعم المزارعين.
يقول رئيس جمعية "المتون"، يحيى الفقيه، لـ"خيوط"، إنّ الجمعية استهدفت عبر برامجها توفير البذور والأسمدة وحفر الآبار وبناء السدود واستصلاح الأراضي، إذ اقتصر العمل في بداية الأمر، على توفير البذور والأسمدة، نتيجةً لضعف الإمكانيات وغياب الدعم في استصلاح الأراضي وبناء السدود.
على الرغم من ضعف الداعمين، إلّا أنَّ الجمعية، بحسب الفقيه، أنجزت مشاريع تتعلق بتوفير البذور والأسمدة وبدعم من السلطة المحلية بالمحافظة.
وبخصوص الاستثمار، يقول الفقيه: "قمنا بتأسيس مكتبٍ للاستثمار، يهدف إلى جذب المستثمرين، ويوجد حاليًّا أكثر من 50 مستثمرًا في كل مديرية، لكن يقتصر الاستثمار على زراعة الفواكه والخضروات دون القمح، كون عائدات القمح قليلة مقارنة بالخضروات والفواكه".
ومن أبرز المعوقات التي تواجهها الجمعية، يؤكّد الفقيه أنّها تتعلق بشروط المستثمرين، إذ يشترك بعضٌ منهم بضمانات تجارية تكون هذه الضمانات من خارج المحافظة، نظرًا لعجز المزارعين عن الحصول على ضمانات من خارج مناطقتهم، إذ يمثّل ذلك عقبة كبيرة أمامهم، داعيًا الجهات المختصة بالمحافظة إلى حلّ الإشكالية والقيام بواجباتهم تجاه المزارعين.
خسائر ومعالجات
في الوقت الذي تضاعف فيه مستوى النشاط الزراعي الذي طرأ خلال الثلاث سنوات الماضية، وما رافق ذلك من ارتفاع الإنتاج؛ واجه المزارعون عديدًا من التحديات، تتمثّل في تكدّس المنتجات وتعرّضها للتلف، وذلك لغياب الأسواق في المدينة، فضلًا عن عدم توفّر غرف عمليات لتنسيق ومتابعة الأسواق في جميع المحافظات، تساهم في عملية التسويق والتوزيع، الأمر الذي تسبّب بخسائر باهظة في الأرباح للمزارعين.
لمعالجة ذلك، يقول الباحث الاقتصادي، نبيل الشرعبي، لـ"خيوط"، إنّ على وزارتَي الزراعة والري، والصناعة والتجارة، إيجادَ خطّة تسويق فعّالة على المستوى المحلي والخارجي، وتحمّل مسؤولية تسويق المنتجات الزراعية وبأسعار تحقّق للمزارِع استرداد تكاليفه، وربحًا يساعده على الاستمرار والتطوير والتوسُّع في العمل الزراعي.
ويؤكّد على أهمية إنشاء مخازن تبريد مركزية، وتأسيس أسواق، إلى جانب قيام وزارة الصناعة والتجارة بتشجيع رؤوس الأموال على التوجّه نحو تأسيس معامل تكرير وحفظ المنتجات الزراعية، وكذلك إعادة التصنيع.
وتكمن مختلف هذه التوجهات الضرورية لاستغلال النشاط الزراعي الحاصل في محافظة الجوف، بما يسهم في تعزيز القطاع الزراعي ونهضة المحافظة اقتصاديًّا، إذ يتوجب تجاوب كلّ الجهات المختصة بمساندة المزارعين، وحل ما يواجهونه من إشكاليات وصعوبات، لا سيّما المتعلقة، بإعادة هيكلة كافة الاتحادات الزراعية التي تزيد من معاناة المزارع، وتحميله مزيدًا من رسوم الاشتراكات، والركون عليها، في حين تعيش بحالة جمود كلي.