1354-1390هـ/ 1935-1970م
مثقف ومناضل، برز كقائد حزبي وسياسي من خلال دوره في تأسيس حركة القوميين العرب في جنوب اليمن، ودوره النضالي في حركة الكفاح المسلح لتحرير الجنوب.
ولد في قرية "شعب" الواقعة ضمن السلطنة اللحجية في تلك الفترة، وتلقى دراسته الأولية الابتدائية والمتوسطة في مدارس لحج وعدن، ثم سافر إلى مصر حيث أنهى دراسته الثانوية في القاهرة، وتخرج من كلية التجارة والاقتصاد، جامعة عين شمس في 1381هـ/ 1962م.
بدأ نشاطه السياسي والحزبي أثناء دراسته في القاهرة حين امتد نشاط حركة القوميين العرب إلى مصر خلال النصف الثاني من الخمسينيات. في بداية العام 1377هـ/ 1958م، أصبح ضمن خلية قيادية ضمت خمسة نشطاء من الطلبة اليمنيين، أُوكل إليها تأسيس فرع للحركة في اليمن. كلف فيصل عبداللطيف بمهام تأسيس النشاط الحزبي الحركي في الجنوب؛ ما اضطره إلى ترك الدراسة لفترة والعودة إلى عدن، حيث نشط سرًّا، وتمكن من تأسيس اللبنة التنظيمية الأولى للحركة، ووضع كذلك خطة التوسع. عاد بعدها لمواصلة دراسته في القاهرة، وكان يأتي إلى عدن أثناء الأجازة الجامعية للإشراف على مسار العمل التنظيمي، وأصبح المسؤول عنه.
عاد فيصل الشعبي إلى عدن بعد تخرجه في 1381هـ/ 1962م، والتحق بوزارة التجارة التابعة لحكومة عدن، ولم يستمر في العمل سوى ستة أشهر؛ فقد اضطر للتفرغ لقيادة العمل التنظيمي لحركة القوميين العرب في ظل توسع تنظيمها في عدن وعدد من المناطق الجنوبية، كما اتسع في شمال الوطن؛ ونتيجة لاكتمال هيكلها التنظيمي، تشكلت قيادة حركة القوميين العرب إقليم اليمن، وأصبح فيصل الشعبي من أبرز أعضائها.
عُرف فيصل الشعبي بالنشاط، وتميز من خلال تجربته الحزبية بقدرات تنظيمية عالية؛ فقد عُرف بالحزبي الملتزم شديد الصرامة بمبدأ السرية، وبرزت قدراته الفكرية؛ إذ كان يتولى كتابة التعاميم التنظيمية والفكرية والسياسية التي تُقرأ أثناء اجتماعات المراتب التنظيمية. أصدر فيصل عبداللطيف كتيبين: الأول بعنوان "الاتحاد الفيدرالي المزيف"، والثاني "مؤتمر لندن الخياني"، كشف فيهما خطورة المخطط الاستعماري البريطاني الرامي إلى إقامة دولة للجنوب العربي يُعترف بها دوليًّا، وتُربط بمعاهدة دفاع بحيث تبقي بريطانيا قواعدها العسكرية في الجنوب؛ بما يعني أن تلك الدولة ستصبح عائقًا أمام وحدة اليمن.
كان فيصل الشعبي من أبرز العناصر القيادية في حركة القوميين العرب الداعية إلى تشكيل جبهة عريضة تتبنى نهج الكفاح المسلح لتحرير الجنوب، خاصة بعد قيام الثورة السبتمبرية في شمال اليمن عام 1962م/ 1382هـ، وكان يتردد على الشمال لحضور لقاءات تشاورية تعقدها قيادة الحركة؛ فبعد التحضيرات الواسعة، وتشكيل لجنة تحضيرية للحركة برئاسة قحطان الشعبي، نجحت حركة القوميين العرب في أن تتوحد مع عدد من الفصائل وتشكل الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في أغسطس 1963م/ ربيع الأول 1383هـ على قاعدة برنامج الكفاح المسلح حتى التحرير، وأصبح فيصل عبداللطيف الشعبي عضو المجلس التنفيذي للجبهة.
في أكتوبر 1963م/ 26 جمادى الأولى 1383هـ، بدأ امتداد الثورة إلى جنوب اليمن، حيث انطلقت الشرارة الأولى من ردفان، وأعلنت الجبهة القومية ذلك اليوم يوم انطلاقة ثورة 14 أكتوبر. لم تتوقف ثورة أكتوبر رغم أن بريطانيا زجت بقواتها، إلى جانب جيش الاتحاد، بهدف القضاء على الثورة التي اتسعت وامتدت إلى بقية مناطق الجنوب.
وفي منتصف عام 1384هـ/ 1964م، بدأت جبهة الكفاح الفدائي في عدن، وحولت قيادة حركة القوميين في الجنوب تنظيم الحركة السري لينشط في إطار الجبهة القومية، ولعب فيصل عبداللطيف دورًا في إطار الجبهة القومية، ودورًّا فاعلًا في التحضير للعمل الفدائي، ونقل مجموعات منفصلة سرًّا إلى تعز حيث تم تدريبهم في معسكر صالة. تناوب فيصل عبداللطيف مع عبدالفتاح إسماعيل في قيادة العمل الفدائي أثناء السنوات الأولى، والذي تحول إلى حرب شوارع بين الفدائيين والقوات البريطانية، وطالت العمليات الفدائية الجريئة كبار قادة بريطانيا في عدن ومعسكراتها ومصالحها. حول الفدائيون عدن إلى جحيم يصلى القوات البريطانية، خاصة بعد انعقاد المؤتمر الأول للجبهة القومية في يونيو 1385هـ/ 1965م بتعز، الذي تقرر فيه تصعيد الكفاح المسلح في كل الجبهات، ومده إلى المناطق التي لم يصلها بعد.
شارك فيصل عبداللطيف في ذلك المؤتمر، وانتُخب عضوًا في القيادة العامة للجبهة، وكان من أصلب المعارضين ضد عملية دمج الجبهة القومية مع منظمة التحرير في 13 يناير 1966م/ 21 رمضان 1385هـ، وتشكيل جبهة جديدة سميت "جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل".
أدان فيصل الشعبي تلك العملية التي تمت قسرًا وبموافقة ثلاثة من أعضاء الجبهة القومية، وتمت بضغط من الجهاز المصري المشرف على المساعدات المقدمة لصالح تحرير الجنوب، وكان الهدف ملاحقة من رفضوا الكفاح المسلح منذ البداية، وتحجيم الجبهة القومية التي اتسع نفوذها، والتفت الجماهير حولها في مناطق الجنوب.
أثناء عودته ذات يوم من منطقة الحبيلين مع رفيقه محمد أحمد البيشي وعدد من مقاتلي جيش التحرير التابع للجبهة القومية، تعرض فيصل عبداللطيف- لكمين نصبته مجموعة من مقاتلي جبهة التحرير، فقرروا تجنب المواجهة المسلحة؛ ما أوقعهم في الأسر. تم اقتيادهم إلى قيادة الجهاز المصري في تعز، الذي ساق المقاتلين إلى السجن، ونقل فيصل الشعبي ورفيقه البيشي إلى القاهرة، حيث ظلا تحت الإقامة الجبرية؛ ما جعل القيادة المركزية لحركة القوميين العرب تتدخل وتسعى لدى الرئيس جمال عبدالناصر، الذي أمر برفع الإقامة الجبرية عن فيصل الشعبي ورفيقه؛ تمكن فيصل من السفر إلى بيروت ومنها إلى شمال اليمن، ثم عاد متنكرًا إلى الجنوب ليواصل دوره النضالي بعد السيطرة الكاملة للجبهة القومية على مناطق الجنوب.
في منتصف نوفمبر 1967م/ شعبان 1387هـ، اضطرت بريطانيا إلى الاعتراف بالجبهة القومية، وأبدت رغبتها في التفاوض معها بشأن استقلال الجنوب.
عُين فيصل عبداللطيف الشعبي عضوًا في الوفد الذي تولى مفاوضة بريطانيا في جنيف، ونتج عنه اعتراف بريطانيا باستقلال الجنوب، الذي أُعلن فور عودة الوفد إلى عدن في 30 نوفمبر 1967م/ 27 شعبان 1387هـ.
عين فيصل عبداللطيف وزيرًا للاقتصاد والتجارة والتخطيط في أول حكومة وطنية تشكلت في 30 نوفمبر 1967م/ 27 شعبان 1387هـ، برئاسة الرئيس قحطان الشعبي.
بعد أربعة أشهر، وفي مارس/ أذار 1968م/ ذي الحجة 1387هـ، عقدت الجبهة القومية أول مؤتمر علني بعد الاستقلال في مدينة زنجبار أبين، وشهد المؤتمر تباينًا في وجهات النظر حول صيغة ونهج الحكم؛ بين طرف يرى أنه لا بد من إجراء تغيير جذري وعرف بالتيار الماركسي، وآخر يرى السير في عملية التدريج. كان فيصل عبداللطيف مع وجهة النظر الأخيرة التي تبناها الرئيس قحطان الشعبي، كما كان فيصل قد شارك في تأليف كتاب بعنوان: "رؤية لفهم تجربة اليمن الجنوبية الشعبية"، إلى جانب عبدالفتاح إسماعيل وعلي عبدالعليم، وقد انتخب فيصل في المؤتمر الشعبي، عضوًا في القيادة العامة للجبهة القومية- الحزب الحاكم، وعضوًا في لجنته التنفيذية.
بذل فيصل عبداللطيف جهدًا كبيرًا لتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية التي واجهتها حكومة الاستقلال، وحاول إقناع بريطانيا من موقعه كعضو في الوفد المفاوض حول التزامات بريطانيا المالية تجاه الجنوب، وعلى وجه الخصوص المبلغ الذي وعدت به الحكومة البريطانية، وقدره 60 مليون جنيه إسترليني. لكن بريطانيا تنكرت لالتزامها السابق بذلك المبلغ، وقبلت بدفع مليون جنيه فقط، على أن تتخلى عن الحقوق المكتسبة للعاملين الذي عملوا معها قبل الاستقلال.
في أبريل 1969م/ محرم 1389ه، عين فيصل عبداللطيف رئيسًا للوزراء، وجاء تعيينه على إثر تجاوز السلطة في الجنوب لأزمة خلاف دبّ في صفوف الجبهة القومية على إثر محاولة انقلابية قادها عدد من قيادة الجيش ضد التيار الماركسي في 20 مارس/ أذار 1968م/ 20 ذي الحجة 1387هـ. وبعد مصالحة وطنية واصل فيصل عبداللطيف تنفيذ برنامج استكمال التحرر الوطني الذي اتُّفق على أنه دليل المرحلة، لكن الصراع لم يتوقف. في 22 يونيو/ حزيران 1969م/ 7 ربيع الآخر 1389هـ، تغلب التيار اليساري، وتمكن من إجبار الرئيس قحطان على الاستقالة. تم على إثر ذلك تشكيل مجلس رئاسة للبلاد برئاسة سالم ربيع علي، وسمي ذلك التغيير بـ"الحركة التصحيحية".
أثناء تلك الأحداث عرض على فيصل عبداللطيف عضوية مجلس الرئاسة، لكنه رفض، معتبرًا أن ما تم ما هو إلا انقلاب؛ الأمر الذي عرّضه لفرض الإقامة الجبرية عليه بالبقاء في منزله الكائن في خورمكسر. بقي تحت الإقامة الجبرية إلى أن تم نقله في ذي الحجة 1389ه/ مارس/ أذار 1970م، إلى زنزانة في سجن فتح بالتواهي، وفي 25 محرم 1390هـ/ أبريل 1970م، فجع الرأي العام في اليمن بنبأ مقتله في الزنزانة.
شكل اغتيال فيصل عبداللطيف في سجنه بداية لظاهرة التصفيات الجسدية التي لم تتوقف، وأضرت بمسار الجنوب.
رحل فيصل عبداللطيف بعمر الخامسة والثلاثين، ويتذكره اليمنيون كواحد من أكفأ العقول السياسية والاقتصادية في اليمن. أولاده: "علاء"، وهو الابن الأكبر، كان عمره أربع سنوات عندما قُتل أبوه، ويعمل موظفًا في المنطقة الحرة في عدن، علياء عبداللطيف، وزيرة سابقة لحقوق الإنسان في حكومة الرئيس المعترف به دولياً عبدربه منصور هادي، وترأس "منظمة الفيصل لمقاومة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري"، وهي أيضاً، عضو في "مؤتمر الحوار الوطني 2013". وهي متخرجة من جامعة صنعاء بتخصص علم نفس.
المصادر: الموسوعة اليمنية: 3/ 1718.
مقابلة مع علياء فيصل عبداللطيف الشعبي، نشرت في موقع https://aden-alhadath.info/.