أصدر الكاتب المتعدد د. علي محمد زيد، روايةً ثالثة في مشروعه الكتابي المتنوع الذي بدأ باكرًا بكتاب "معتزلة اليمن"، ووصل إلى كثاب "الثقافة الجمهورية" في 2022، قبل أن يُلحقه بثلاثة كتب أخرى صدرت في وقتٍ متقارب من العام 2022 (كتاب نقدي عن البردّوني عنوانه عزّاف الأسَى، وروايتين)، منها روايته الثالثة "الفقاعة"(*).
في 1998، أصدر روايته الأولى (زهرة البن) التي تتبّع فيها شخصيةَ الجمهوري الذي يقع في أسر القوات الملكية، ولكنه يهرب، بعد هروبٍ سابق له من سجن القلعة التي اعتُقل فيه مع أبيه لعدم مقدرة الأب على دفع الزكاة للإمام، وانتقاله إلى عدن التي يهرب منها من جديد، بعد حملة اعتقالات لمتظاهري النقابات التي يشترك فيها، ثم هروبه من سجن القلعة مرة أخرى بعد اعتقاله أثناء عودته للقرية ليلتحق بالحرس الوطني للدفاع عن ثورة سبتمبر.
في الرواية الثانية (تحولات المكان) 2005، يتتبع جملة من التحولات التي أحدثتها ثورة سبتمبر في محمد المهاجر الذي عاد بمهنة وحيدة تعلمها في مهجره وتشرّده الطويل، وأصبح لا يجيد غيرها، إنّها مهنة التعليم وتوسيع دائرة المُمسِكين بأعجوبة القلم. "مريم" الطالبة الوحيدة في مدرسة الطلاب الذكور، بإصرارها الكبير على التعليم، "سعيد" الطالب الشاب الذي رفض مرافقة أبيه في خروجه من المدينة قبل الحصار، ورفض العودة لاحقًا مع رُسل أبيه، وفضَّل البقاء والصمود في المدينة المحاصرة، بل والمشاركة الفاعلة في عمليات المقاومة ضد قوات الملكيين، "حمود" الأسير الملكي، الذي اقتيد من قبل إحدى فرق مجاميع المقاومة من تخوم العاصمة أثناء قطعه للطريق، فصار ضمن سلطة ما بعد الحصار التي قامت بتعذيب المقاومين.
في روايته الثالثة، والصادرة مؤخرًا عن دار أروقة، سيكون المهجر الفرنسي فضاءها المكاني، وشخصية المثقف العربي المهاجر، والذي تقوده الحاجة لكتابة سيرة أحد الأثرياء الفاسدين:
"عندي الكثير والكثير من الأسرار والقضايا الشائكة والغامضة التي أحتاج إلى كشفها للتاريخ. أشعر أنّ الوقت يمضي، وأنني قد تأخرت كثيرًا. أخشى أن تخونني الذاكرة. لا بدّ من الشجاعة والجرأة في مواجهة النفس والاستعداد لمواجهة الآخرين، لقول ما عندي من حقائق ووثائق وأسرار لن يبوح بها غيري، إنصافًا لدوري الكبير الذي يتجاهله الكثيرون بدافع الحسد أو المنافسة غير الشريفة أو الحقد على الناجحين".
سالم السالم، الثري قصير القامة والسمين إلى درجة تجعله يبدو كتلة واحدة من اللحم بلا عنق، والذي يحتل مكتبه الشخصي الطابق الخامس من مبنى أثري عريق وفخم في شارع بلزاك، شارع محمل بالظلال الشعرية والروائح التاريخية، يتفرع من جادة الشانزليزيه الشهيرة، أما مكتبه في هذا المبنى فيشبه أروقة مكتب رئيس دولة أو ملك، به الكثير من المستخدمات من النساء الجميلات والأنيقات.
خاض الكاتب هذه المغامرة من منطلق الإمساك بخيط مشروع كتاب مهمّ، ظنّ أنّه سيكون له قرّاء كثيرون، كما يقول، لكنه سيكتشف لاحقًا أنّ الثريّ قد جرّه إلى عالمه الضحل وقليل القيمة، فلا يستطيع حينها العودة مجدّدًا، وأنّ ما يدّعيه عن تأليف كتابين يظهران باسمه وعلى غلافيهما صورته المحسَّنة، ليس سوى ثرثرات بأقلام مستأجرة وضع عليهما الثريّ توقيعه، وهو ما أراد بالضبط أن يفعله الكاتب المشهور، حين كتب سيرته المفبركة.
_________
(*) الفقاعة (رواية)، علي محمد زيد، مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 2022.