تروي سامية نصر (اسم مستعار)، معاناتها لـ"خيوط"، بالإشارة إلى أنّها بدأت عندما قرر والدها تزويجها من ابن عمها -بحسب اتفاق قديم بين العائلتين- رغم رفضها الشديد للعودة إلى الريف، بعد أن مرّت سنوات طويلة على انتقالها مع عائلتها إلى المدينة؛ "كنتُ أخشى كثيرًا من العيش في الريف مجدّدًا، خوفًا من العودة إلى الظلم والقهر الذي أعلم جيدًا مداه في المناطق الريفية".
المجتمع اليمني واحدٌ من المجتمعات التي لا يزال يسيطر عليها الفكر الذكوري، حيثُ تعدّ المرأة في كثير من المناطق -خاصة الريفية- آلةً للحَمل والولادة والقيام بشؤون المنزل المختلفة، متجاهلين حقوقها، كحقِّها في التعليم والعمل، والتعبير عن نفسها دون خوف.
تضيف سامية بالقول: "تمَّ زواجي بابن عمي وبدأت معاناتي منذُ الأيام الأولى، حيثُ تعارضت عاداتي اليومية مع عاداتهم، وبدأتُ أتلقَّى الشتائم من زوجي وعمي؛ لإصرارهم الدائم على حاجتي للتربية من جديد! حملتُ في الأشهر الأولى لزواجي، لكن ذلك لم يشفع لي في الحصول على الراحة والدلال كما كنت أتمنى، بل على العكس ازدادوا في تعنيفهم لي واتهاماتهم لي بالدلع الزائد" .
في الكثير من المناطق الريفية، تُمارَس على المرأة السلطة الذكورية بأسوأ أشكالها، حيثُ لا رأي للمرأة ولا حقوق، بَدءًا من الأب والأخ، وصولًا إلى الزوج، حيثُ تشير التقارير الأخيرة لاتحاد نساء اليمن في محافظة أبين، إلى تزايد الانتهاكات والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ووصول عدد النساء المعنَّفات في أبين إلى 6962 معنَّفة؛ 3139 منهن تعرضن لعنفٍ جسيم، بحسب الإحصائيات من عام 2017 حتى سبتمبر 2022 .
إنجاب البنات وعدم القدرة على إنجاب البنين، يُعدُّ من أبرز أسباب العنف الذي لا تزال تعاني منه الكثير من النساء في ريف أبين، حيثُ يُمارس الرجل على زوجته أسوأ أشكال العنف النفسي والجسدي إذا ما أنجبت الإناث دونًا عن الذكور، وكأنما بإنجابها للإناث قد انتقصت من رجولته .
وصلت سامية حد الكره لإنجاب البنات، بعد العنف الذي مورس عليها؛ خاصة أنّها أنجبت بنتًا ثالثة إلى جانب بنتيها الأُخريين، وكانت تخشى أن تطال المعاناة بناتها، خاصًة أن حصيلة إنجابها في سنوات قليلة ثلاث فتيات، باتت مرفوضة، وغير مرغوب بهن.
ولايزال الكثير من الرجال -الريفيين خاصةً- يستبشرون بكثرة إنجاب الذكور، وتجثم على قلوبهم خلفة الإناث، حتى لا يكاد يفرح بها ألبتة، وتبدأ مشاركة أمها في رحلة اللوم والتأنيب والضرب -في أحيان كثيرة- على كل شيء وأي شيء .
وتؤكّد سامية أنّها كانت تدرك تمامًا وضع المرأة في الريف، وطبيعة حياتها والعنف الذكوري الذي يُمارس عليها، وأنّها كانت على يقين بأن تعليمها -الذي كان لعيشها في المدينة سببًا في إتمامه- لن يشفع لها، وسيكون نقمةً عليها.
فصول من المأساة
تتعرّض الكثير من النساء لصور مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، على اختلاف البيئات الاجتماعية والثقافية، رغم انفتاح الوعي وإدراك المرأة العربية لحقوقها التي تجعل منها ندًّا وشريكًا للرجل، لا تابعًا وعالة.
وتشير سامية إلى أنّ المعاناة والعنف الحقيقي عاشتهما بعد أن أنجبت مولودتها الأولى، حيثُ كان لذلك وقعًا مختلفًا في حياتها، فأصبحت تشعرُ من خلال العنف اللفظي الذي مُورس عليها حتى من نساء العائلة؛ كونها أنجبت بنتًا، أنّها لا تصلح سوى للعمل والشقاء .
"كنتُ أحاول أن أدافع عن نفسي تارة، وأن أحتمل تارة أخرى للمحافظة على زواجي، ورغبة في عدم حرمان ابنتي من العيش بين أبويها، خاصة أنّي كلما اشتكيت لوالدي سوء معاملة زوجي وعائلته لا يُنصفني، وكان يطالبني بالصبر، لكن الأمر ازداد سوءًا بعد أن حملتُ وأنجبت بنتًا مرة أخرى، حيثُ أُضيف إلى العنف النفسي الذي كنت أقاسيه، العنف الجسدي من قبل زوجي، بعد أن أنجبت طفلتي الثانية"، بمرارةٍ تستطردُ هذه المرأة التي أصبحت معاناتها تفوق قدراتها على تحملها.
ظلت سامية كغيرها من النساء، ليس في أبين فقط، بل في جميع المناطق اليمنية، تردح تحتَ وطأة الظلم لسنوات، حتى أصبحت تُعدّ آلة عمل، لا جدوى منها سوى القيام بأعمال المنزل -حدّ قولهم- حيثُ أصبحت تُوكل إليها غالبية المهام داخل البيت وخارجه، من جلب للمياه والحطب، وغيرها من المهام الشاقة .
وصلت سامية حدّ الكره لإنجاب البنات، بعد العنف الذي مورس عليها؛ خاصة أنّها أنجبت بنتًا ثالثة إلى جانب بنتيها الأُخريين، وكانت تخشى أن تطال المعاناة بناتها، خاصًة وأن حصيلة إنجابها في سنوات قليلة ثلاث فتيات، باتت مرفوضة، وغير مرغوبٍ بهن.
تستكمل حديثها: "مع كل يوم، كنتُ أرى بناتي يكبرن فيه أمامي، يكبر خوفي عليهن، بعد العنف الذي صرنا نعانيه -جميعًا- دون أن يكون لنا ذنبٌ فيه. كنت أرى في عين زوجي الكره لبناتي، وحتى في حديثه معهن، وكنت أرى الخوف والكره في أعينهن، لأبيهن وكل من هم حولهن، كلما تعرضتُ للوم والشتم والضرب، خاصةً بعد أن تزوّج زوجي امرأة أخرى لإنجاب الولد .
أزمة العادات
خوف هذه المرأة على بناتها خلق فيها روحًا أخرى، متمرّدة على كل شيء، رافضة للبقاء مع زوجٍ غير مدرك لنعمة البنات، حيثُ قررَتْ ترك كل شيء خلفها، واتخاذ قرار الطلاق الذي لم يكن سهلًا، إلى أن ساعدها عليه أحد إخوتها بعد أن شاهد علامات الضرب العنيف تملأ جسدها، لتبدأ من جديد رحلة تربية ثلاث فتيات تخلّى والدهن حتى عن مصاريفهن .
كانت متيقنة أنّها ستبدأ رحلة كفاح وصبر جديدة، ولكن أن تعاني وحيدة دون رجل، وَفق حديثها، خيرٌ من معاناتها كامرأة متزوجة.
في السياق، تؤكّد وداد البدوي، صحافية وناشطة حقوقية لـ"خيوط"، على تعرّض النساء لأشكال العنف المختلفة، ومحاولة الكثير تبريرَ العنف الحاصل أحيانًا بالمحافظة التي يتمتع بها المجتمع اليمني، على أساس الالتزام بالتعاليم الإسلامية، والعادات والتقاليد، إلّا أنّ تلك المبررات أصبحت غير مجدية، حيثُ يدرك الجميع أنّ الإسلام كرَّم المرأة ورفع من قدرها.
وتشير البدوي إلى أنّ المشكلة الحقيقية التي تواجهها المرأة هي العادات والتقاليد الذكورية البحتة، التي تنظر للمرأة نظرةً دونية، فالمجتمع اليمني ينتقص المرأة، ويحاول أن يقلل من قيمتها، ويلغي دورها في المجتمع، رغم حصول الكثير من النساء على مؤهلات ومراكز كبيرة .
عنف نفسي
إلى ذلك، تُشارك هند محمد (اسم مستعار) قصتها مع "خيوط"، حيثُ تختلف عن "سمية"، في أنّ هند استطاعت إنجاب ولد إلى جانب أربع بنات، إلّا أنّ العنف القائم عليهن هو القاسم المشترك بينهن، حيثُ لم يشفع لهند إنجابها للولد الذي ظل زوجها ينتظره، معنفًا لها لسنوات طويلة لعدم قدرتها على إنجاب الولد الذي سيحمل اسمه -على حدّ قوله- متجاهلًا لكلام الطبيب الذي أكّد لها في زيارةٍ ما، مسؤولية كروموسومات الزوج على تحديد جنس المولود .
الكثير من النساء -خاصة الريفيات- تعرضن للعنف النفسي والجسدي نتيجة عدم إنجابهن للذكور، حيث يُرجع المجتمع الريفي اللومَ على المرأة، ويمارس ضدّها كافة أشكال وصور التعنيف.
تقول هند في حديثها لـ"خيوط": "بعد أربعة بنات رُزقت بالولد الذي ظننت بأنه سيخففُ عني العنف الذي كنتُ ألقاه من زوجي والمجتمع على حدٍّ سواء، إلّا أنّ نظرتي كانت خاطئة، حيثُ وجدتني مطالبة بولد آخر إلى جانب أخيه لأثبت للجميع أنّني قادرة على إنجاب الذكور الذين سيكونون سندًا لأخواتهم -حسب زعمهم- وبعد حملي مجددًا اكتشفت أنّني أحمل بنتًا، ممّا جعلني أعيش العنف والقهر بشكلٍ أقسى من السابق".
تردف بالقول: "بعد أن علم زوجي أنّي أحمل بنتًا، أصبحَ أكثر قسوة، يؤنبني دائمًا ويضربني بوحشية، وكأنما أنا المسؤولة على ذلك، كما أنّه تخلّى عن مسؤولياته تجاه بيته وأطفاله، وأصبح لا يوفر لنا من أساسيات البيت إلّا القليل؛ معلِّلًا ذلك بأنّنا لا نستحق".
وتأسف هذه المرأة من الحال الذي وصلت له بفعل العنف النفسي والجسدي الذي تعرّضت له، واضطرارها للعمل من البيت في الخياطة والتطريز؛ لتوفير احتياجات أطفالها، كل ذلك عرض حملها للخطر وفقدت على إثره جنينها، وتدهورت على إثره صحتها كثيرًا، حتى إنّها لم تعد قادرة على الحمل؛ الأمر الذي جعل زوجها يُقدِم على الزواج بأخرى ويهجرها وأطفالها، ولم ينصفها أحد .
تقول عديلة خضر، الأمين العام لاتحاد نساء اليمن في أبين لـ"خيوط"، أنّ الكثير من النساء -خاصة الريفيات- تعرضن للعنف النفسي والجسدي نتيجة عدم إنجابهن للذكور، حيث يُرجع المجتمع الريفي اللوم على المرأة، ويمارس ضدّها كافة أشكال وصور التعنيف .
كما تؤكّد الخضر على أنّ هناك حالات طلاق كثيرة نتاج هذا الأمر، كما تُركت الكثير من النساء يواجهن الحياة وقسوتها وحيدات، بعد الطلاق أو هجر أزواجهن لهن .
وتلفت الخضر إلى أنّ عادة الزواج بامرأة "مطلقة" سبق لها إنجاب الكثير من الذكور، ما زالت موجودة في الكثير من المناطق الريفية؛ لاعتقاد الرجال بأنّهن قادرات على إنجاب الذكور، حيثُ لايزال الفخر بإنجاب الذكور طاغيًا على المجتمعات الريفية حتى الآن.