خرج محمد الأثوري من قسم الهندسة الطبية من إحدى الجامعات اليمنية بتقدير عالٍ، بالإضافة إلى ذلك فقد درس الكثير من الدورات التدريبية في المجال ذاته بأماكن مختلفة، إلا أنه وجد نفسه في رصيف البطالة بعد أن أنهى تعليمه، بالرغم من تخصصه النادر والمطلوب في سوق العمل إلا أنه لم يستفد في بداية الأمر من ذلك شيئًا.
يقول الأثوري في حديثه لـ"خيوط"، إنه وجد الكثير من الفرص للعمل في أماكن مختلفة، غير أنها كانت مشروطة بامتلاكه خبرة في مجال العمل لفترة زمنية معينة، وهذا ما كان يفتقده.
وتسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس/ آذار 2015، بتوقف كثير من الأعمال وتسريح موظفين من أعمالهم؛ ما أدّى إلى ارتفاع مستويات البطالة وتراجع فرص العمل بشكل كبير، وهو ما انعكس سلبًا على حديثي التخرج؛ الفئة الأكثر تضررًا في هذا الجانب.
بعد انتهاء الدراسة الجامعية، يعيش حديثو التخرج حالةً من الصراع والتخبط النفسي نتيجة الاصطدام بسوق العمل والاستغلال الذي يجبر الكثير على التخلي عن العمل في مجال تخصصه، ويتسبب ذلك بمعاناة مستمرة لهم، تنعكس سلبًا على حياتهم وأدائهم، والقضاء على فرص تأهيلهم وتطويرهم في مجال عملهم وتخصصهم.
التطوع من أجل الخبرة
بعد عناء وتعب البحث عن وظيفة ملائمة، استطاع الأثوري الحصول على فرصة عمل كمتطوع في إحدى الشركات المرموقة، مشيرًا إلى أن تلك الفرصة حاول استغلالها والوصول إليها بقدر المستطاع.
ويؤكد أنه يعمل من أجل الحصول على الخبرة اللازمة التي ستمكنه من الحصول على فرصة عمل أفضل في المستقبل، ولا يهم العائد المادي الضئيل جدًّا الذي يحصل عليه.
يشير خبير قانوني إلى ضرورة وجود آلية عمل محكمة تحفظ حقوق العمال والموظفين، وتضمن عدم استغلالهم كما يجري في الكثير من جهات العمل، مع ضرورة تفعيل جهات رقابية على جهات العمل تشرف على إيجاد آلية خاصة بالتوظيف وتحديد شروطها ومعايير وأسباب الاستغناء.
يحتوي العقد المبرم بين هذا الشاب العامل وبين جهة العمل، على كثير من الشروط المجحفة التي يجب الالتزام بها أثناء العمل، بينما يحدد العقد جهة العمل بدفع مقابل مادي بسيط جدًّا كتعويض مقابل أجور المواصلات فقط، ولا يُلزمها بأي مسؤولية أخلاقية أو مهنية تجاهه نهائيًّا.
كما يتم اشتراط عدم ترك العمل لأي أسباب إلا بعد إشعار جهة العمل قبل مدة أقصاها 45 يومًا، في حين صلاحية العقد مفتوحة منذ التوقيع عليه بدون تحديد مدة زمنية لانتهائه.
استغلال بشع
هناك كثير من الشباب لا يستطيعون العمل بمثل طريقة وفرصة الأثوري، في حين لا تتوفر الفرص الكافية للشباب حديثي التخرج للعمل في مجالات تخصصهم، وإذا وُجدت فتكون عبارة عن فرص ضئيلة للغاية لا تخلو من الاستغلال لحاجة الخريجين.
يقول سامي عبده، في حديث لـ"خيوط"، إنه حصل على فرصة عمل في إحدى الشركات التجارية بعد تخرجه بأشهر، وكانت الفرصة متاحة لحديثي التخرج فقط، إلا أنه عند إجراء مقابلة العمل تم الاتفاق مع الجهة المعنية على العمل بمعدل 10 ساعات يوميًّا، وعلى أن يكون الموظف تحت التجربة لفترة معينة، ومن ثَمّ سيتم التعاقد معه وتثبيت الوظيفة بشكل رسمي.
لم تقم الجهة بإبرام أي عقد بين الطرفين، واستمر هذا الشاب في العمل تحت التجربة، مقابلَ عائدٍ مادي ضئيل جدًّا كمكافئة يتم صرفها نهاية كل شهر والتي لا تكفي لتغطية أجور المواصلات لحضوره إلى العمل، في حين لم يتم التعاقد معه حتى الآن، رغم مرور عام كامل على عمله تحت التجربة.
يشير سامي إلى أنّ كثيرًا من الموظفين الذين يطالبون باعتمادهم بشكل رسمي تتخلى عنهم جهة العمل وتقوم بالبحث عن آخرين من حديثي التخرج، وهناك قليل ممن يتم اعتمادهم، بينما يرجع صمته عن ذلك إلى الخوف من الاستغناء عنه دون الحصول على أي استفادة، مثل شهادة الخبرة التي قد تساعده في إيجاد عمل في مجال تخصصه، لكنها لا تعطى إلا للبعض، ويستثنى البعض الآخر من الحصول عليها.
جهل قانوني
يجهل سامي وكثيرٌ من العمال والموظفين في اليمن، قانونَ العمل الذي قد يضمن حقوقهم بالرغم مما تقوم به كثير من جهات العمل بالتحايل عليه وإبرام عقود عمل لا تضمن أي حقوق للموظف، مستغلين بذلك غياب الأجهزة الرقابية العامة، وجهل البعض حقوقَهم القانونية.
وتنص المادة (28) من قانون العمل على جواز إخضاع العامل لفترة اختبارية لا تزيد عن ستة أشهر لدى صاحب العمل نفسه، وينص على ذلك في العقد، ولا يجوز وضع العامل تحت الاختبار أكثر من مرة في المهنة نفسها. فيما تنص المادة (71) من القانون ذاته على عدم زيادة ساعات العمل الرسمية على ثماني ساعات في اليوم الواحد، وأن تكون هناك فترة استراحة أثناء العمل، وما زاد عنها يحتسب عملًا إضافيًّا يستحق العمال مقابلًا ماديًّا عليه، حسب ساعات العمل.
يؤكد المحامي والخبير القانوني عبدالحكيم الدبعي، في حديث لـ"خيوط"، أن الاستغلال الذي تمارسه بعض جهات العمل تجاه العاملين لديها، تتم من خلال الاتفاق المبدئي مع الموظف، يتضمن -عادة- أسسًا متعلقة بالتدريب أو العمل الطوعي في بداية التحاقه بجهة العمل.
ويرجع السبب في ذلك إلى عدم ضمان القانون لأي حقوق للموظف والعامل إلا بعد مرور أكثر من ستة أشهر على العمل، وهي فترة قد يتم خلالها استغلال كثير من الناس تحت ذريعة قانونية واضحة.
ويشير الدبعي إلى ضرورة وجود آلية عمل محكمة تحفظ حقوق العمال والموظفين، وتضمن عدم استغلالهم كما يجري في الكثير من جهات العمل، مع ضرورة تفعيل جهات رقابية على جهات العمل، تشرف على إيجاد آلية خاصة بالتوظيف وتحديد شروطها ومعايير وأسباب الاستغناء، إضافة إلى ضرورة العمل على رفع مستوى الوعي عند الناس بالحقوق القانونية والتي تتسبب باستغلالهم في كثير من الأحيان.