يؤدّي طالبات وطلاب المرحلة الأساسية والثانوية الامتحانات النهائية للعام الدراسي (2023-2024)، وسط ظروف صعبة على كافة المستويات التعليمية والاقتصادية والمعيشية.
وأسدلت الأوضاع المتردية في اليمن، من جرّاء الحرب والصراع في البلاد وتردي الأوضاع الإنسانية وانقطاع الرواتب وزيادة معدلات الفقر، سدولَها على سير العملية التعليمية ونفسيات المعلمين والطلاب وأولياء الأمور الأمر الذي جعل من التعليم والتحاق الطلاب بالصفوف الدراسية وأداء المعلمين همًّا آخر يضاف إلى هموم المواطنين الذين باتوا بين مطرقة الغلاء والتردّي المعيشي وسندان المستلزمات التعليمية ورسوم وتكاليف التعليم.
المواطن الخمسيني عبدالله سالم، يقول لـ"خيوط"، إنّ التعليم أصبح عبئًا كبيرًا يفوق طاقتهم على تحمله، إذ تضطر الكثير من الأُسَر إلى التركيز على الأولويات كتوفير الغذاء والدواء، الذي يأتي على حساب التعليم، في حين يصف المواطن علي عبدالقادر، لـ"خيوط"، الوضع بالصعب للغاية، حيث وصل الأمر إلى عدم قدرتهم على مساندة أبنائهم وتوفير ما أمكن من المتطلبات الضرورية التي تساعدهم على أداء الامتحانات النهائية، خصوصًا من يخوضون منهم الاختبارات الخاصة بنيل الشهادة الثانوية.
ويعاني اليمن من أزمة حادّة في التعليم، حيث من الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات المتعلقة بالتعليم، بحسب اليونيسف، إلى ستة ملايين طالب وطالبة، وهو ما سيكون له تبعات هائلة عليهم على المدى المتوسط والبعيد.
وأثّرت الأوضاع الناتجة عن الحرب والصراع في اليمن، بشكل بالغ، ليس فقط على الأُسَر التي تكافح لتوفير متطلبات الحياة المعيشية الضرورية مع انقطاع رواتب الموظفين المدنيين، ومنهم المعلمون، بل وعلى نفسيات الطلاب والمعلمين، حيث يدفعهم ذلك بعيدًا عن العملية التعليمية مع وصول هذه الأزمة النفسية إلى ذروتها لدى الطلاب في هذه المرحلة التي يؤدّي فيها نسبة منهم امتحانات الشهادتين، الأساسية والثانوية.
الباحث الاجتماعي توفيق نبيل، يشير لـ"خيوط"، إلى أنّ هناك أزمة كبيرة متفاقمة يمر بها المجتمع بفعل تبعات الصراع في اليمن وتأثيرها الكبير على حياتهم وسبل عيشهم، كالمعلمين الذين أصبحوا بلا رواتب منذ انقطاعها نهاية العام 2016، لذا فإن مواجهة هذا الوضع يتطلب جهدًا كبيرًا لا يقوى الكثير على تحمله؛ ممّا يجعلهم عرضة للأزمات النفسية، وألقت هذه الأوضاع بظلالها كذلك على العملية التعليمية ونفسيات الطلاب، لا سيما الطلاب الذين يؤدّون امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية، هذه الفترة.
يعبّر طلاب وطالبات عن معاناتهم طوال العام الدراسي من القصور بشرح الدروس، أو عدم تناولها، في حين تواجه الأسَر صعوبة بالغة في مساعدة أبنائهم وتوفير متطلباتهم التعليمية، إضافة إلى معاناة ربات المنازل في تقديم المساعدة، لأبنائها الطلاب على المذاكرة والتعامل وشرح بعض المواد، مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، في ظل انشغال أرباب الأسر بتوفير لقمة العيش.
في هذا الخصوص، هناك طلاب بذلت أُسَرهم الكثير وكافحت لتعليمهم ووصولهم إلى هذه المرحلة ووفرت لهم ما أمكن من متطلبات تعينهم على أداء الامتحانات، حيث اجتهدوا واستعدّوا بشكل واسع لأداء الامتحانات، في حين يصاب بعضهم بصدمات نفسية عندما يلاحظون انتشار الغش، على سبيل المثال، الذي يساويهم إلى حدٍّ ما، مع آخرين تركز اعتمادهم بشكل كلي على الغش.
التعليم وسلسلة واسعة من التكاليف والأعباء
في المناطق الخاضعة لسلطات الحوثيين، زادت بشكل كبير تكاليف التعليم، فألقت بأثر بالغ على الأُسَر والطلاب، خصوصًا الأطفال الذين يحرمون لأسباب متعددة من التعليم. عندما يبدأ الفصل الدراسي في المدارس، يجد المواطن البسيط نفسه مُطالَبًا برسوم التسجيل التي تتضاعف عامًا بعد عام، فبعد أن كانت مئتَي ريال قبل الحرب، صارت ثمانية آلاف ريال للطالب الواحد في سنوات الحرب، تحت مسمى المشاركة الاجتماعية التي سنتها المجالس المحلية، للمعلمين المحرومين من رواتبهم بشكل منتظم، وصولًا إلى تكاليف أداء الامتحانات التي تفوق الكثير على تحملها.
لا يحصل المعلمون والمعلمات إلا على نسبة بسيطة من تلك الأموال، هذا غير رسوم الاختبارات الشهرية التي تقدر بمئتي ريال للطالب الواحد نهاية كل شهر التي يُجبر الطلاب على دفعها لخوض الاختبارات.
تؤكّد أم وائل، لـ"خيوط"، أنّ المنزل لديهم حاليًّا في حالة طوارئ لتوفير متطلبات أبنائهم الثلاثة الذين يؤدّون امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية، حيث اضطرت الأسرة لاقتراض مبلغٍ من المال لتغطية هذه التكاليف التي تضاف إلى سلسلة واسعة من التكاليف والرسوم المتعددة طوال العام الدراسي.
كما يجد المواطن نفسه مُطالَبًا بتوفير الزي المدرسي والكراسات والأقلام والحقائب، كما يطالبُ غالبًا بتوفير الكتاب المدرسي لأبنائه، حيث إنّ الوزارة لا توفر إلا قدرًا بسيطًا من تلك الكتب، لا يشمل جميع الطلاب ولا جميع المواد، بينما تجد الكتاب المدرسي بطبعاته الحديثة، يباعُ في الأكشاك وأرصفة الطرقات بأسعار تتراوح ما بين 500 و800 ريال للكتاب الواحد.
ورغم تكبد المواطن كل تلك الأعباء في ظل غياب الدخل والنزوح، وانعدام الرواتب وغلاء المعيشة، فإن الطلاب لا يأخذون حقهم من التعليم الصحيح والمتكامل، فضلًا عن العنف والتعسف الذي يُمارِسه ضدّهم بعضُ المعلمين غير التربويين، مِن المنخرِطين بالتعليم -نتيجة الأوضاع الراهنة في اليمن وتسبُّبها بابتعاد كثيرٍ من المعلمين للبحث عن فرصة للعيش- الذين يصبون جام غضبهم ونقمهم من الأوضاع على الطلاب، فيثورون عليهم لأتفه الأسباب، ويُمارسون التمييز بين الطلاب، ويتنمّرون على بعضهم.
نسيم علي (37 عامًا)، أمّ لولدين، تقول لـ"خيوط": "ولدي الكبير في المرحلة الأساسية، وطوال العام الدراسي نحن في صراع معه لتهربه من المدرسة، ولا يكتب الواجبات، ويمتنع عن الذهاب إلى المدرسة، بحجة أنّ أحد المعلمين يسخر منه أمام الفصل ويتقصّد إهانته"، في حين أنّ الطلاب الذين يحالفهم الحظ بإكمال عامهم الدراسي يتوزعون بين راسب وناجح بدرجات دون المستوى المطلوب، ولا تتجاوز نسبة المتفوقين من الطلاب في المدارس الحكومية 10%.
هذا، ومارس بعض المنخرطين في العملية التعليمية خلال الفترة الماضية، عقوبات تعسفية على الطلاب، لا تتوقف عند حدود الفصول الدراسية، إذ يجد الطالب نفسه في وضعٍ حرج وضغط نفسيّ كبير، ويرى في التحصيل العلمي كابوسًا يريد أن يستيقظ منه، فيلجأ إلى الغياب أو الهروب من المدرسة.
نتيجة لذلك، يَضيق أولياءُ الأمور بحال أبنائهم ذرعًا؛ فلا ميزانيتهم تسمح لهم بإلحاق أبنائهم بمدارس خاصة، ولا لديهم القدرة على توفير السيولة للدروس الخصوصية لتعويض أبنائهم شرح ما فاتهم من الدروس، لا سيما أن أغلب الأولياء لم يكملوا تعليمهم، يعجزون عن مساعدة أبنائهم بشرح الدروس، فتلجأ بعض الأسر إلى إخراج أبنائها من المدارس وتوقيف تعليمهم، والزج بهم في سوق العمل مبكرًا، لتتضاعف بذلك عمالة الأطفال.
الطالب في الثانوية العامة، ماهر جمال، يتحدث لـ"خيوط"، عن معاناتهم طوال العام الدراسي من القصور بشرح الدروس. في حين تقول أمّ بدر: "نحن ربات المنازل مطلوب منا مساعدة أبنائنا على المذاكرة، لكن لا ندري كيف نواجه الأمر، فقدرتي في شرح الدروس متواضعة". بينما تواجه كثيرات، وفق حديثهن لـ"خيوط"، صعوبةً بالغة في التعامل وشرح بعض المواد مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، إذ تضيف أم بدر: "لا نملك المال لجلب مدرس خصوصي، فما يحصل عليه زوجي من راتب جراء عمله الخاص، بالكاد يسد رمق العيش".
بدورها، سارة أحمد، طالبة في الصف التاسع، تقول لـ"خيوط" :"طوال العام الدراسي أحاول أن أجتهد في تحصيلي العلمي، لكننا نُجري اختبارات ونصف الدروس لم نتناولها ولم تُشرَح لنا"، مؤكدةً أنّ لديها رغبة قوية في إكمال تعليمها المدرسي والالتحاق بالجامعة.
اختلال النظام التعليمي وتبعاته النفسية
منذ بداية النزاع في مارس 2015، خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية آثارًا مدمرةً على النظام التعليمي في البلاد وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم، في حين يهدّد تضرر المدارس وإغلاقها، وارتفاع تكاليف التعليم في ظل الانقسام الراهن في اليمن على كافة المستويات؛ فُرصَ الأطفال في الحصول على التعليم، ممّا يجعلهم عرضة لمخاوف كبيرة تتعلق بحمايتهم.
وكان للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم أثرًا بالغًا على التعلّم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكافة الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم 10,6 ملايين طالب وطالبة في اليمن، بحسب الإحصائيات الرسمية المتاحة التي أمكن الاطلاع عليها.
ويواجه الهيكل التعليمي مزيدًا من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين -ما يقرب من 172,0000 معلم ومعلمة- على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو أنّهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدرّة للدخل.
ومن بين العوامل الأخرى التي تساهم في زيادة مواطن الضعف لدى الأطفال، النزوحُ المتكرر، وبُعد المدارس، والمسائل التي تتعلق بالسلامة والأمن، بما في ذلك مخاطر المتفجرات. ومن مخاطر تسرّب الفتيات من المدارس، تعرضُّهن للزواج المبكر والعنف الأسري، في حين يصبح الفتيان المنقطعين عن الدراسة أكثر عرضة للتجنيد في صفوف الأطراف والجماعات المسلحة المنتشرة في اليمن.