لا تخلو منطقة يمنية من وجود متفجرات في مناطق واسعة من الأراضي في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق المأهولة بالسكان، بسبب النزاع المستمرّ منذ العام 2015.
منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني، اطلعت "خيوط"، على أكثر من 5 وقائع في أيام متفرقة لضحايا ألغام في أكثر من محافظة، منهم طفلان؛ هايل محسن (14 عامًا)، وفؤاد معصلي (15 عامًا)، قُتِلا نتيجة انفجار لُغمٍ أرضيّ أثناء مرورهما على متن دراجة نارية في طريق فرعي بمنطقة "الحائط"، مديرية الدّريهمي بالحُديدة. وفي محافظة مأرب، قُتِل مدنيّ وأُصِيب آخر نتيجة انفجار مقذوفٍ من مخلّفات الحرب في منطقة "المحجزة" في مديرية صرواح، إضافة إلى مقتل امرأة (مقبلة علي- 19 عامًا)، نتيجة انفجار لُغم أثناء رعيها للماشية (الأغنام) في منطقة رحوم بمديرية جبل مراد (جنوب محافظة مأرب).
وتعرّض طفل (علي عوض الجرمي- 15 عامًا) لإصابة بجروح بليغة، منها بتر إحدى قدميه، نتيجة انفجار لُغمٍ أرضيّ في قرية "عمار" بمديرية نعمان في محافظة البيضاء.
وفي الجوف، أُصِيب مدنيَّان اثنان من أسرة واحدة، نتيجة انفجار لُغم بالقرب من منزلهما في مديرية المتون بمحافظة الجوف، كما أُصيب مدنيّ في مديرية جبل مراد في مأرب، ورجل مُسِنّ في مديرية الميناء في الحُديدة.
وتستمر معاناة المدنيّين والمدنيّات في اليمن، بسبب ما ترتكبه أطرافُ النزاع؛ جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيّين)، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، وقوات المجلس الانتقالي والقوات المشتركة المدعومة إماراتيًّا؛ من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ووقع الكثيرُ من المدنيّين والمدنيّات في اليمن ضحايا استخدام مختلف الأسلحة المتفجِّرة في المناطق المأهولة، ابتداءً من المقذوفات عديمة التمييز، والألغام، والصواريخ البالِستيّة، وحتى الأسلحة الذكية كالقنابل الموجّهة بالليزر والطائرات المسيّرة.
في سبتمبر/ أيلول الماضي 2022، أعربت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة (أونمها) عن قلقها البالغ إزاء استمرار الوفيات والإصابات بين صفوف المدنيّين الناجمة عن الذخائر المتفجرة في محافظة الحُديدة اليمنية.
وعانت مظاهر الحياة من التدمير، بما في ذلك المنازل والمدارس والمستشفيات وقاعات الأفراح والمآتم والمزارع والمصانع والممتلكات الثقافية. كل واحدة من هذه الأعيان لها معنى في حياة اليمنيِّين واليمنيّات.
منذ بَدء النزاع في اليمن في 2014، وثّقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، ما لا يقل عن 800 غارة جوية، وأكثر من 700 هجمة برية، وأكثر من 300 واقعة انفجار ألغام. كما وثّقت (مواطنة) انفجارات ناتجة عن أجسام متفجِّرة واستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ البالِستيّة.
إضافة إلى أكثر من 3 آلاف مدنيّ ومدنيّة قُتِلوا في هذه الهجمات، كما جُرح أكثر من 4 آلاف آخرين. الأعيان المدنية أيضًا تضرّرت ودُمِّرت. في تقرير "صناع الجوع"، وثّقت (مواطنة) كيف استخدمت أطرافُ النزاع الأسلحةَ المتفجّرة -كما هو الحال في الغارات الجوية والألغام- كأداة لتجويع المدنيين.
وأثّرت الحرب الدائرة منذ العام 2015، على كلِّ جوانب الحياة اليومية في اليمن. وقتلت الأطرافُ المتحاربة مدنيّين كانوا في حفلات زفاف، وآخرين كانوا في جلسات عزاء، وصيادين يعملون على قواربهم في البحر، وعائلات آمنة في منازلها. كما ألحقت الأطرافُ المتحاربة أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية العامة الأساسية، بما في ذلك الأسواق والمدارس والمزارع والمستشفيات.
وتؤكّد منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، استنادًا لتقديرات مختلفة، أنّ النزاع في اليمن أدّى إلى مقتل أكثر من 230,000 شخص، ونزوح ما لا يقل عن 4 ملايين آخرين، وعكس مسار عقدين، على الأقل، من التنمية البشرية. وأصبحت الغالبية العظمى من سكان البلد في الوقت الحالي بحاجة إلى شكلٍ من أشكال المساعدة الإنسانية.
ذخائر في الحُديدة
منذ ما يقرب من ثماني سنوات، أزهقَت الأطرافُ المتحاربة في اليمن -بما في ذلك التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، وجماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة، فضلًا عن أطراف آخرين- أرواحًا وحطّمت عائلات ودمّرت مدنًا وأراضيَ، وزعزعت مستقبلَ الملايين.
في سبتمبر/ أيلول الماضي 2022، أعربت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة (أونمها)، عن قلقها البالغ إزاء استمرار الوفيات والإصابات بين صفوف المدنيين الناجمة عن الذخائر المتفجرة في محافظة الحُديدة اليمنية.
فمنذ تغيير الخطوط الأمامية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تم الإبلاغ عن وقوع 242 ضحية مدنية في الحُديدة، من بينها 101 حالة وفاة، و141 حالة إصابة بسبب الألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى من مخلفات الحرب، بحسب بيان صادر عن البعثة.
خلال ثلاثة أيام فقط، أفادت البعثة بتسجيل وقوع خمس عشرة ضحية جراء الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، بما في ذلك وفاة طفل واحد، وإصابة 12 طفلًا آخرين.
وأوضحت البعثة أنّ هذه الحصيلة المؤسفة تُعدّ بمثابة تذكير بالأثر المُدمّر لمخلفات الحرب على السكان المدنيين في المحافظة. وجدّدت أونمها دعوتها لاتخاذ تدابير عاجلة وملموسة لتطهير المناطق الملوثة في المحافظة، مجددة التزامها بدعم الأطراف وتوفير التنسيق والدعم الفني للأعمال المتعلقة بالألغام، بما في ذلك دعم التوعية بمخاطر الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب.
وقالت: "يتعيّن اتخاذ جميع التدابير لضمان سلامة أكثر الفئات ضعفًا في الحُديدة، ولا سيّما النساء والأطفال، الذين ما برحوا يتأثرون على نحو متباين بمخلفات الحرب الخطيرة والعشوائية هذه".
غياب الإنصاف
لا تعمل أيٌّ من الهيئات المتعلقة بالإنصاف التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بشفافية، بحسب منظمات حقوقية، حيث لا يوجد أساسٌ واضح لكيفية قيام لجنة الإنصاف أو هيئة رفع المظالم بتحديد الحالات التي يجب النظر فيها، وما إذا كانت ستتخذ إجراءات بشأنها أم لا، وما إذا كانت ستقدِّم توصيات إلى كيانات أخرى تابعة لجماعة "أنصار الله" ومتى.
كما أنّ عمل هاتين الهيئتين يختلف من محافظة إلى أخرى. ففي بعض المحافظات، قال محامون إنّ الهيئتين كانتا تقبلان القضايا التي لا علاقة لها بانتهاكات أنصار الله، بما في ذلك الحالات التي أتاحت إمكانية التربُّح للوسطاء. ولا يوجد أساس شفّاف لتحديد من قد يكون مؤهَّلًا للحصول على المساعدة من هاتين الهيئتين، ولا تحديد ما هي أنواع المساعدة أو الإنصاف التي يمكن أن تُقدِّمَه هاتان الهيئتان.
وفشلت الهيئات المتعلقة بالإنصاف التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، في إجراء تحقيقات حقيقيّة، بحسب إفادة الأشخاص الذين قدّموا التِماساتهم إلى الهيئتين، فهي -عمومًا- هيئات غير فعّالة، وعاجزة أمام الجهات الفاعلة الأخرى التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، مثل قوات الأمن والاستخبارات. وبينما يبدو أنّ هاتين الهيئتين تدخَّلَتا في عددٍ ضئيلٍ من حالات الانتهاكات المتعلّقة بالاحتجاز، فإنّ الغالبية العظمى من الضحايا المدنيّين لسلوك (الحوثيين) في اليمن، بمن فيهم -على سبيل المثال- أولئك الذين تشوّهوا جرّاء انفجارات الألغام الأرضية أو الذين فقدوا ذويهم في هجمات القصف العشوائي، قد تم تجاهلهم إلى حدٍّ كبير.
وقد أجرت منظمة حقوقية 11 مقابلة متخصصة بجبر الضرر خلال العام 2021، مع متضررين من انفجار ألغام زرَعتْها جماعة أنصار الله أو هجمات برية شنّتها جماعة أنصار الله، قال جميعهم إنهم لم يتلقّوا أيَّ إنصاف ولم يسبق لهم التواصل مع أي هيئات متعلقة بالإنصاف ولم يكونوا على دراية بأي سُبُل أو إجراءات يمكنهم من خلالها تقديم الشكاوى. وزعمت جماعة أنصار الله أنّ التحالف ملزَمٌ بتقديمِ جبرٍ للأضرار في اليمن، لكنها لم تعترف بعدُ بمسؤولياتها الخاصة في جبر الضرر الواسع الذي ألحقته بالمدنيين.
ومنذ بَدء النزاع، ارتكبَت الأطرافُ المتحاربةُ انتهاكاتٍ متواترةً ومتكررة وجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وانتهاكات متواترة ومتكررة وخطيرة للقانون الإنساني الدولي، بطرق أضرّت بالمدنيين اليمنيين. وأدّت الهجمات العشوائية وغير المتناسبة إلى مقتل وجرح مدنيين، وتدمير منازل المدنيين ومركباتهم وممتلكاتهم الأخرى.
كما ارتكبت الأطراف المتحاربة عمليات قتل خارج نطاق القضاء واختفاء قسري، واستخدمت التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. واستخدمت أسلحة محظورة على نطاق واسع، مثل الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، التي شوّهت المدنيين، بمن فيهم العديد من الأطفال، وجعلت الوصول إلى الأراضي الزراعية مستحيلًا. وجنّدت الأطفال واستخدمتهم في القتال، وأعاقت وقيّدت وصول المساعدات الإنسانية، واستخدمت التجويع كأسلوب حرب، والقائمة تطول.