ما زال المجتمع اليمني يؤيد فكرة "ابن العم لبنت العم"، فيمتنع الآباء من تزويج بناتهم لغير الأقارب، وهو ما يؤدي إلى تراكم الصفات الوراثية السلبية لأمراض متعددة في الأبناء جيلًا بعد آخر. لهذه العادة جذور اجتماعية تتمثل في عدم ترحيب بعض العائلات بشخص من عائلة أخرى إليها، سواء كان زوجًا أو زوجة، خشية أن يؤثر اختلاف العادات وأساليب العيش على توافق الزوجين، وأحيانًا حرصًا على عدم تبديد ميراث العائلة من الممتلكات، خاصة الأرض. وفي المحصلة، لا تخلو زيجات الأقارب من عدم التوافق الذي يؤدي إلى الانفصال.
حتى الآن، هناك من اقتنع بضرورة جعل الخطوة الأولى قبل الزواج، الفحص الطبي، ولكن معظم أفراد المجتمع يجهلون أهمية هذا الفحص، والأمراض الناتجة عن زواج الأقارب، فتظهر على الأبناء أمراض مستعصية ومشاكل جسدية نتيجة للجينات المتقاربة بين الوالدين. ومع ذلك يستمر الوالدين بالإنجاب لعلهم يرزقون بمولود ذي صحة جيدة، متجاهلين الأطفال المرضى الذين أنجبوهم من قبل.
في حالات أخرى، يحدث أن يُرزق الوالدان ذوا القرابة الأسرية بمولود سليم والآخر مريض، وبشكل متسلسل ما بين مريض وسليم، وهناك حالات يكون فيها جميع المواليد مرضى، فتتحمل الأسرة أعباء الحياة مع أطفال مرضى بالولادة، فيما يعيش الأطفال آلامهم محرومين من أمل التعافي، خاصة أطفال الأسر الفقيرة. ورغم أن القاعدة الطبية الشرعية لا تمانع من زواج الأقارب، لكنها تحثّ على توخي الحذر والحيطة والفحص الطبي قبل الزواج.
الأمــراض الوراثــية
من أبرز الأمراض المنتقلة وراثيًّا: ضمور المخ، خلل التمثيل الغذائي، الكلى المتحوصلة- وهو مرض يتسبب في الإصابة بالفشل الكلوي، متلازمة داون، الأنيميا المنجلية، أنيميا البحر المتوسط "الثلاسيميا"، الصرَع، السكري، الإصابة بأمراض القلب ومشاكل الجهاز العصبي، وارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال.
"خيوط" قابلت عددًا من الأطباء من تخصصات مختلفة، تحدثوا عن الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب، وعن أهمية الفحص الطبي قبل الزواج.
تقول الدكتورة رفيدة المجاهد -دكتوراه طب عام وجراحة- إن زواج الأقارب يؤدي إلى عدة أمراض؛ منها: السكري، اضطراب ضغط الدم، الصرع، مشاكل في المخ، مرض الدم (الثلاسيميا والأنيميا)، مرض "دوان سندروم" (المنغولي)، وأمراض مناعية وغير مناعية، وأن الكروسومات تنتج عنها أحيانًا تشوهات في المواليد.
ويوضح الدكتور مراد قائد حميد أحمد -دكتوراه أمراض باطنية وقلب، بورد عربي (زمالة عربية)- أن الأمراض التي يمكن أن يتعرض لها مواليد زواج الأقارب تشمل ضمور المخ، وخلل التمثيل الغذائي، والكلى المتحوصلة- وهو مرض يتسبب في الإصابة بالفشل الكلوي، ومتلازمة داون، وأنيميا البحر المتوسط "الثلاسيميا"، وكذلك الأنيميا المنجلية، والصَّرَع، ومرض السكري، إضافة إلى أمراض القلب وتشوهات خَلقية فيه، ومشاكل الجهاز العصبي مثل اعتلال العصب البصري الوراثي، وكذلك شلل العضلات.
د. عبدالقادر المجاهد: "30-35% نسبة المرضى الذين يأتون إليّ بسبب زواج الأقارب، ونسبة الأمراض الوراثية النادرة حوالي 5%، مثل السكري وتشوهات العمود الفقري وثقب القلب"
ويذكر الدكتور عبدالقادر يحيى المجاهد -دكتوراه أمراض وجراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري- أن من أشهر الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب، التخلف الذهني، والتشوهات الخلقية، وضمور الدماغ، وشلل الأطراف، إضافة إلى تشوهات جسدية وأخرى خَلْقية عضوية ومشاكل في تكوين القلب والجمجمة.
الدكتور محمد عبدالحافظ حيدرة -طبيب مقيم للزمالة العربية في الأمراض الباطنة- يشير بدوره إلى أن انتقال الأمراض الوراثية في حالات زواج الأقارب، سببها وجود "جين متنحٍّ" عند الزوج والزوجة، وأن هذا الجين قد يسبب أمراضًا عديدة للمواليد، منها: متلازمات نادرة، وأمراض استقلابية، منها أمراض الدم (المنجلي والثلاسيميا)، ومرض "البورفيريا"- وهذا مرض استقلابي، ومتلازمة "تورنر".
ويضيف الدكتور حيدرة أن متلازمة "تورنر" تسبب خللًا في الهرمونات وبنية الجسم، كما تسبب الصلع ومرض "ويلسن" الذي يصيب الكبد والدماغ، وغالبًا ما ينتهي بفشل كبدي. وهناك أيضًا متلازمة "داونو"- نزف الدم الوراثي، و"فينايل كيتون يوريا" -مرض وراثي يؤدي إلى حدوث تخلّف عقلي وقصور في النمو، ومرض "الكابتونيوريا"- مرض وراثي يؤدي إلى إصابة العين والمفاصل والقلب.
الفحــوصات اللازمة قبل الــزواج
تؤكد الدكتورة رفيدة على ضرورة إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، من أجل التأكد من عدم وجود أمراض قابلة للانتقال الوراثي بين من يقدمون على الزواج، ومن هذه الفحوصات: فقر الدم المنجلي، فحص المناعة، فحص فيروسات الكبد، فحوصات الأمراض الوراثية، الفحص الكهربائي للهيموجلوبين وفصيلة الدم. كما تؤكد على أن هذه الفحوصات "تجنب المواليد الأمراضَ الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب؛ لأن المرض أحيانًا لا يظهر إلا في الجيل الثالث، كون الجيل الثاني هو الجيل الحامل للمرض".
الدكتور مراد حميد يشدد أيضًا على ضرورة إجراء فحص ما قبل الزواج، بدءًا بـ"فحص الدم العام؛MCV CBC، وفحص زمرة الدم وعامل ريسس، Blood group and rhusis factor,و Sickling test- فحص تكسر الدم والأنيميا المنجلية، وأيضا فحص hemoglobin electrophoresis، والترحال الكهربائي للهيموجلوبين، الذي يكون إيجابيًّا إذا كان رقم 3 في نتيجة الفحص، وكذلك فحص الفيروسات، مثل فيروسات الكبد، وفيروس نقص المناعة المكتسب HIV".
ويشير الدكتور محمد حيدرة إلى أن فحوصات ما قبل الزواج المتوفرة في اليمن تشمل فقط، "أمراض الدم- الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي، أما بقية فحوصات المتلازمات والأمراض التي تم ذكرها، فهي غير موجودة في اليمن".
ويضيف حيدرة أن من أهم فحوصات المتلازمات (Hb electrophoresis)، وأن هذا "أهم فحص لأمراض الدم، بالإضافة إلى الفحوصات الروتينية CBC, reticulocyte, LDH".
الدكتور عبدالقادر المجاهد يشدد بدوره على ضرورة إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، سواء في حالات زواج الأقارب أو غيرها، مشيرًا إلى أن فحوصات ما قبل الزواج تتشابه في الحالتين، مع فارق أنها في زواج الأقارب تتحرى أكثر إذا ما كان الأب أو الأم حاملين لأمراض وراثية بسبب القرابة. ويبدي المجاهد أسفه إزاء "وجود معامل وراثي" في زواج الأقارب، بينما لا يتفهّم أهمية الفحص الطبي سوى قلة من المجتمع أن زواج الأقارب يشكل خطورة على المواليد. ووفقًا لحديثه، حدّد الدكتور المجاهد نسبة تشخيصية من المرضى الذين يأتون إليه بحوالي 30 إلى 35%، بسبب زواج الأقارب، ونسبة الأمراض الوراثية النادرة حوالي 5%، مثل السكري وتشوهات العمود الفقري وثقب القلب.
د.محمد حيدرة: "لا بد من أخذ سيرة مرضية مفصلة عن تاريخ العائلة الصحي، كما تتوجب التوعية الجيدة للأُسر لتجنب زواج الأهل، وتوعية كل شرائح المجتمع ومصارحة الأهل، والزوجين بشكل خاص، بالأمراض التي قد تظهر في أولادهما"
أســباب الــزواج من الأقــارب
ترجع الدكتورة رفيدة المجاهد سبب الزواج من الأقارب إلى "تقاليد بعض العائلات" التي لا تسمح بالزواج إلا من أقاربها، وذلك للحفاظ على نقاوة الدم، فيما يرى الدكتور مراد قائد، أنه قد يرجع لأسباب متعددة من عائلة لأخرى، ومنها: "ضغوط الأهل والأقرباء والحفاظ على المميزات العراقية والدينية وحصر التركات ضمن العائلة، كذلك عدم الثقة في المرأة الأجنبية لعدم معرفة أخلاقها التي قد تتسبب في فشل الزواج، وتوسع العائلة والشعور بالهيبة، بالإضافة إلى أن بعض الأسر ترفض تزويج بناتها خارج الأسرة خوفًا عليهن من الأشخاص الغرباء".
وينتقد الدكتور محمد حيدرة عادات المجتمع اليمني فيما يخص الزواج، ويعتبرها "خاطئة"، مبديًا أسفه لتوارث هذه العادات جيلًا بعد آخر؛ "رغم المستوى التعليمي المتقدم الذي وصلته بعض الأسر، إلا أن الجهل بهذا الجانب ما زال طاغي الحضور، خصوصًا حين يقول البعض: (ما للبنت إلا ابن عمها)".
ويضيف حيدرة أن "المصيبة الكبرى" فيما يتعلق بزواج الأقارب، لا تتمثل فقط في الجهل والأنانية المحضة لدى بعض العائلات، بل حين يكون الأهل على دراية بالأمراض الوراثية الموجودة في الأسرة، ورغم ذلك يستمرون بزواج الأقارب بدعوى أن ما قدّره الله سيكون. "هنا تكمن الكارثة، وما أكثر هذه النماذج في مجتمعنا اليمني، ومع ذلك لا ننكر أن بعض الأسر شرعت في عمل فحوصات ما قبل الزواج، خصوصًا الأسر المتعلمة، لكنها لا تزال بنسبة ضئيلة"، يضيف حيدرة.
حــلول لتجنــب الأمــراض
يقول الدكتور مراد قائد: "لا توجد أي وسيلة لإزالة خطر الأمراض الوراثية التي قد تنتقل نتيجة لزواج الأقارب، غير تجنب زواج الأقارب من البداية"، لافتًا إلى أنه "ليس شرطًا أن في كل زواج يمكن أن تظهر أمراض، ولكن يفضّل عمل دراسات وفحوصات للكروموسومات، وهذا لا يغطي كل الأمراض التي قد تظهر، حيث إن إجمالي الأمراض النادرة يتجاوز 6000 مرض، وتحليل الكروموسومات لا يعطي إلا صورة ظاهرة عن شكلها وعددها فقط.
ويضيف استشاري أمراض الباطنية والقلب، أنه لا بد من أخذ سيرة مرضية مفصلة عن تاريخ العائلة إذا كان هناك أمراض ظاهرة أم لا، كما تتوجب "التوعية الجيدة للأُسر لمحاولة تجنب زواج الأهل، وتوعية كل شرائح المجتمع ومصارحة الأهل، والزوجين بشكل خاص، بالأمراض التي قد تظهر في أولادهما، وما قد يترتب عليها من أعباء اقتصادية ومالية ونفسية، وكذلك عمل الفحوصات الأساسية والتي قد تستبعد حدوث بعض الأمراض وليس كلها".
ويشير الدكتور محمد إلى أن زواج الأقارب قد يورث أحيانًا صفات جيدة في الأبناء، مثل الذكاء وبعض الصفات الجسمانية كالطول، لكن في حالة كانت هذه الأسرة مشهورة بوجود أمراض وراثية تظهر في بعض أفرادها، فالأفضل تجنب هذا الزواج.
تحرير "خيوط"