كنت أجري اتصالًا مع أحد أصدقائي، فجأة شعرت بتغير الجو، التفت فإذا سحابة كبيرة من الدخان والغبار تغطي المكان، أعقبها صوت انفجار قوي، ليلقي بي هواؤه على الأرض، كل ذلك حدث بلمح البصر. ذهلت من الموقف وبدأت أدعو الله تعالى وبصوت عالٍ أن يحمي الناس ويسلمهم، والغبار لا يزال يملأ الأرجاء. لحظات قصيرة ويبدأ الغبار في الانجلاء شيئًا فشيئًا ليكشف لي عن مكان وقوع الانفجار وآثاره المروعة.
توخيت الحذر ولم أحاول الاقتراب من موقع الانفجار خشية أن يحصل انفجار آخر، وطفت ببصري حول قريتي، فإذا التراب قد غطى كل مكان فيها؛ شرفات المنازل محطمة، بيوت تضررت جزئيًّا أو كليًّا، حسب قربها وبعدها من موقع الانفجار، وما هي إلا دقائق ويبدأ أهالي المنطقة باستيعاب الكارثة، فيهرعون إلى المكان، وتعالت أصوات صافرات سيارات الإسعاف تقترب من قريتي، وأخذ الأهالي يستبقون الإسعاف في البحث عما إذا كان هنالك قتلى أو مصابون.
سارع الأهالي بنقل مجموعة من الأطفال الذين كانوا يلعبون على مقربة ليست ببعيدة عن مكان الانفجار إلى المستشفى فوق إحدى سياراتهم مستبقين مجيء سيارات الإسعاف التي وصلت بعد حين، لتنقل بقية المتضررين، وصفاراتها ذهابًا وإيابًا تزيد من هول الموقف، وبدا لي وبعد أن رأيت كيف سُوّيت البيوت في موقع الانفجار بالأرض وحجم الضرر الذي لحق بالبيوت المجاورة، كأني أمام مشهد من مشاهد الدمار في غزة والتي ترتكبها الآلة العسكرية لدولة الاحتلال الغاشمة والعنصرية، التي بتّ أشاهدها كل يوم على شاشات التلفاز منذ عملية طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر الجاري.
عدت سريعًا إلى منزلي لأتفقّد أسرتي، فإذا بي أرى منزلي هو الآخر لم يسلم من الأضرار، فقد تكسّرت نوافذ وأبواب المنزل، وعجّ البيت بالغبار، وتعرض جدار البيت للانشقاق بالرغم من وقوعه في مكان بعيد نسبيًّا عن مكان الانفجار، وقد رسمت على وجوه أسرتي التي كساها الغبار حالة الخوف والهلع من هول ما حدث.
لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يحدث فيها انفجار لهذا المخزن، فقد كان هناك انفجار قبل حوالي شهر من هذا التاريخ، وإن لم يكن حجم الدمار والضرر وقتها بحجم كارثة الانفجار الأخير.
أخذت أختي الصغيرة وذهبت بها إلى المستشفى، وهناك رأيت الضرر الحقيقي الذي لن يُغفر، ولن يستطيع تعويضه من تسبّب في هذا الانفجار؛ فالأطباء يؤكّدون موت ثلاثة أشخاص، والناس يتحدثون عن ما يربو على خمسين شخصًا من المصابين، بعضهم حالته خطرة ويقبع في العناية المركزة.
لقد كان سبب ذلك الدمار هو انفجار مخزون البارود والصواعق، الذي كان يُخزَّن في منزل أحد سكان القرية، وتعمل على تصنيع وتخزين البارود والصواعق منذ أكثر من أربعين عامًا أسرةٌ معروفة على مرأى ومسمع من السلطات المتعاقبة وبتصريح رسمي، صدر دون عمل أي حساب لما سيترتب عليه في حال وقعت مثل هذه الكارثة.
لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يحدث فيها انفجار لهذا المخزن، فقد كان هناك انفجار قبل حوالي شهر من هذا التاريخ، وإن لم يكن حجم الدمار والضرر وقتها بحجم كارثة الانفجار الأخير.
يتحدث أحد شهود عيان في المنطقة أنه وفي كل مرة كان يحدث فيها انفجار في المخزن، يأتي فريق البحث الجنائي ويأخذ بعض القطع ويصور الحادثة وكأنها حادثة انفجار أسطوانة غاز، في عملية تواطئ رسمية من قبل الجهات الرسمية.
أهالي المنطقة ليسوا بمنأى عن تحمل جزء من المسؤولية، فقد كانوا يتسترون على تلك الأسرة، ولم تكن لهم أي خطوات جادّة لإيقافها عن تصنيع وتخزين البارود والصواعق في القرية.
لقد عشنا أهالي منطقة قاعة في عمران يومًا عصيبًا يشترك الجميع في تحمل آثاره، سلطةً وأهالي، وإن كانت المسؤولية الكبرى تقع على عاتق تلك الأسرة التي تستهتر بأرواح الناس وتصر على الاستمرار في تصنيع وتخزين البارود والصواعق في القرية دون أدنى معايير الصحة والسلامة لعمّال المصنع الذين تعرضوا للحرق عدة مرات، ولا للمجتمع الذي يقع المصنع والمخزن فيه، وإن كان هناك من توصيات تُذكر لتجنب تكرار ذلك سواء في قريتي أو في أماكن أخرى في أرجاء هذا الوطن الغالي الذي لا ينقصه مزيدٌ من الدماء التي تراق نتيجة لعدم الشعور بالمسؤولية لدى بعض مواطنيه.
ولهذا ينبغي تحميل الأسرة التي تصنع البارود وتخزنه في القرية كامل المسؤولية، ومطالبتهم بالتعويضات التي لحقت بالمواطنين أنفسهم أو ممتلكاتهم، وضمان عدم معاودتها لتصنيع وتخزين البارود والصواعق في المنطقة أو في أي منطقة سكنية أخرى.
وعلى الجهات الرسمية مراجعة التصاريح السابقة حول الأمور المشابهة في أي منطقة أخرى، لتجنب تكرار ما حدث في منطقة أخرى من مناطق هذا الوطن. وإلزام المصانع المصرح لها بتوفير كل أدوات الصحة والسلامة، ابتداءً من اختيار مكان بعيد عن المناطق المأهولة بالسكان إلى أدوات الحماية الخاصة بالعاملين، وأخيرًا توعية المجتمع بمخاطر السكوت عن مثل هذه الأمور.