ما هي المنظومة التعليمية؟
هي -بالبلدي الفصيح- كل ما نراه ونعلمه من مدارس ومعاهد وجامعات وكليات نوعية، وإدارة مدرسية، ومدارس، ومناهج، ومبانٍ مدرسية وجامعية، وموارد مالية تحقق للعملية التعليمية النوعية، لتكون المخرجات قادرة وكفؤة، ومنظم للعلاقة بين الإدارة التعليمية والدارسين.
وقبل كل شيء تحديد فلسفة وهدف لعمل المنظومة برمتها، بمعنى الإجابة عن السؤال الأهم: ماذا نريد من التعليم؟ تساءلت في صفحتي على الفيسبوك: ماذا حدث لنا؟
بعد أن استغربت ردة فعل مديرة المدرسة لزيارتنا لها أنا وابنتي، وقلت: ماذا حدث؟ وأتبعت ذلك العمود عمودًا آخر: ما الذي حدث مرة أخرى؟ وتساءلت: لماذا لم يفقد الصيني والياباني قِيَمه في ظل تطور مدهش في كل مجالات حياتهم، قيل إن الخلل في تدمير المنظومة التعليمية، وهنا أتساءل: هل تم التأسيس لمنظومة حقيقية تجيب عن سؤال: ماذا نريد من العملية برمتها؟
هل كانت لدينا أيضًا منظومة قيم حقيقية؟ أم أنّ زبانية الليل والنهار أطّروا للحاكم منظومة ما أسموها فيما جاءت من الدين، بينما هي منظومة نفاق اجتماعي سمّاها الرجل بالذات قيمًا طالما هي لصالحه! خذ الشرف؛ ما هو تعريفه؟ كل رجل يعرفه بالطريقة التي تناسبه، وخاصة بما يتعلق بالمرأة تحديدًا، والعلاقة بين فئات المجتمع "العليا" والمجتمعات "الدنيا"!
ضربت العملية وليست المنظومة؛ كونها لم تكتمل، وغاب البعد التربوي إلى الأبد، وخاصة بعد تحول المجتمع إلى الاستهلاك، وبالذات بعد ضرب الحركة التعاونية!
في حقبة الستينيات، أسّس المدرس المصري وشَغَف الناس بالتعليم والثورة نفسها قاعدةً للتربية والتعليم، فرأينا بلدًا بكامله -الشمال- يندفع بكل قوّته نحو المدارس، ومصر تؤسس أيضًا للبنية التحتية؛ مدارس بساحات كافية لممارسة الرياضة بكل أشكالها، وفرق الموسيقى المدرسية، وبدايات للمسرح، وسينما الجدران البيضاء، وتدفق إلى مدننا الكتاب بكل أشكال الأدب والفكر، والصحف بكل ألوانها. بدا أنّ الحلم بدأ يرسخ جذوره، شهدت البلاد زخمًا تعليميًّا فاق التصور.
لعب المركز الثقافي الإسلامي لعبته من شارع 26 سبتمبر بتعز، وهنا يحضرني ما قاله العديني من أنهم كانوا ضد ثورة سبتمبر 62! لتأتي جمعية العلماء في صنعاء بالزنداني إلى الواجهة، ما بدا أنه الضربة الأولى في أساس العملية التعليمية التي أسّست لها مصر العظيمة بمدرسها وكتابها والمبنى المدرسي، لحق مصر على صعيد البنية التحتية الاتحاد السوفيتي والصين.
بدا أنّ السعودية بعد المصالحة في العام 70، قررت أن تمد مخالبها عن طريق الإخوان تبعًا لسياسة الاحتواء من الداخل، ومن لحظة أن طبع الكتاب في الرياض، وبدأت البعثات ترسل الطلاب إلى باكستان وبمرتبات خيالية قياسًا بتلك الأيام، تبين أنّ العملية التعليمية رغم أنها لم تكتمل كبناء، بدا أنها تُضرَب، وبالتوازي هب المدرسون من بلدان عربية، كلٌّ يحمل فكرًا مناوئًا للآخر حتى تعددت الأفكار يضاف إليها السلفيون، لتظهر المعاهد العلمية؛ وبالتالي جامعة الإيمان فنرى جيلين، ثم ثلاثة ثم أربعة، توجت فترة الهجمة على العملية التعليمية بفرض الصلاة على الطلبة في المدارس، وتخيل آلاف التلاميذ الصغار وهم يعبثون! وقيل إنهم يصلون، ألغيت الفكرة فيما بعد لتستبدل بالمراكز الصيفية التي يوجهها كل نظام وجهته!
ضربت العملية، وليست المنظومة، كونها لم تكتمل، وغاب البعد التربوي إلى الأبد، وخاصة بعد تحول المجتمع إلى الاستهلاك، وبالذات بعد ضرب الحركة التعاونية!
قلت ذات مرة للمهندس أحمد الآنسي، وكان يومها وزيرًا للتربية: هل هناك ثمّة فلسفة للتعليم؟ قال: لا!
وفي فترة لاحقة، سألت أحد أفضل وزراء التربية، وقد قضى وقتًا قصيرًا في الوزارة: ماذا عن العملية التعليمية؟ قال بسرعة: صفر.
الآن العملية التعليمية يجري تشطيرها كما يحصل في قاعات اختبارات الثانوية العامة، حيث تقسم إلى نصفين؛ نصف لصنعاء، والآخر لعدن، نصف يراقبه مسلحون، والآخر مدرسون بلا مرتبات!
بعد هزيمة اليابان التي ظلت تشرق عليها الشمس، سأل الإمبراطور نفسه: كيف حقق أعداءنا المعجزة؟ ولم يتردد في إرسال البعثات إلى الغرب -أعداءه- فعادوا يقولون له: أصلحوا المنظومة التعليمية، فقالها: لنبدأ إذن. وها هي اليابان أمامنا وفوقنا وتحتنا.
في هذه البلاد، لا التقدميون حافظوا ولا الرجعيون أسسوا!
نخلص إلى أنْ لا منظومة تعليمية حقيقية، وبالتالي تتشظى الحياة كلها.