قبل انزلاق اليمن إلى دوامة الأزمات والحروب وتدهور الأوضاع المعيشية وتوقّف صرف رواتب موظّفي الدولة، لم يكن موسم العودة إلى المدارس كما هو الحال اليوم؛ يشكّل أزمة حقيقية وعبئًا ثقيلًا وكابوسًا يؤرّق أولياء الأمور من ذوي الدخل المحدود.
رافق إعلان السلطتين المنقسمتين في صنعاء وعدن الحكومة المعترف بها دوليًّا وسلطة أنصار الله (الحوثيين)، عن بدء العام الدراسي الجديد، ارتفاعُ أسعار معظم المستلزمات الدراسية في مختلف المحافظات اليمنية، إذ ارتفع سعر الزي المدرسي، المنتج معظمه محليًّا لطلاب المرحلة الابتدائية، من 2000 ريال، إلى 2800 ريال ولّادي، وإلى نحو 4000 ريال للزي الخاص بالطالبات، وقفزت أسعار الحقائب المدرسية من 2000 إلى 6000 ريال يمني، في حين تدرّجت أسعار الكُرّاسات الورقية من 130 ريال لفئة 40 ورقة، إلى 250 ريالًا للكرّاسة فئة 100 ورقة.
في حديثه لـ"خيوط" أرجع مهدي الحاج، بائع ملابس في شارع هائل شمال غرب العاصمة صنعاء، سبب الارتفاع في أسعار بعض المستلزمات الدراسية، مثل الزي المدرسي، لزيادة الطلب عليها من مختلف المحافظات اليمنية.
لكن هذه الارتفاعات السعرية المتواصلة أثرت كثيرًا على الأسر اليمنية، التي وجدت صعوبة في تلبية احتياجات أبنائها الطلاب، مثل العامل بالأجر اليومي سعد الريمي (37 سنة) الذي اضطر كما يؤكد لـ"خيوط"، إلى اقتراض 30 ألف ريال (50$)، من أجل توفير احتياجات 3 من أطفاله من المستلزمات المدرسية الضرورية وتأمين إلحاقهم بفصولهم في مستهل العام الدراسي الجديد 2020-2021.
رسوم التسجيل في المدارس العامة الحكومية رمزية- لا تتجاوز 300 ريال، لكن بعض المدارس تطلب من الطالب مبالغ إضافية تصل إلى 4 آلاف ريال، فيما تقدر تكاليف طالب واحد في الابتدائية من زيّ ومستلزمات مدرسية ما يقارب 12 ألف ريال.
وألقى الصراع الدائر في اليمن بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وسلطة أنصار الله (الحوثيين)، بظلاله على السلطات التربوية في عدن وصنعاء. تبعًا لذلك جاء التقويم المدرسي للعام الدراسي الجديد منقسمًا هو الآخر؛ ففي عدن أعلن بدء العام الدراسي في الـ6 من سبتمبر/ أيلول، فيما تم تدشينه بالعاصمة صنعاء في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
واحترازًا من فيروس كورونا، أعلنت وزارة التربية في عدن توزيع اليوم الدراسي على ثلاث فترات، وإعادة توزيع الطلاب (15 طالبًا في كل فصل)، وتشكيل لجان صحية من المعلمين والمعلمات لكل فترة، كما أعلن عن توزيع كمّامات للطلاب والمعلمين والمعلمات، واستخدام جهاز قياس درجة الحرارة للطلاب وتعقيم وتنظيف المدارس.
تعدد الاحتياجات
تواجه الأسر اليمنية، وفي ظروف معيشية صعبة، العديد من الاحتياجات والمتطلبات، من تكاليف العام الدراسي الجديد وأجور المواصلات والمستلزمات المعيشية اليومية والاحتياجات الصّحية الضرورية للوقاية من فيروس كورونا.
ماهر سالم بلعلاء، الذي يعمل في مختبرات مستشفى الثورة بصنعاء، يؤكد لـ"خيوط" أنّه اضطر هذا العام لنقل اثنين من أولاده في المرحلة الأساسية من مدرسة أهلية إلى مدرسة حكومية، وذلك بعد أن طلبت منه إدارة المدرسة الأهلية مبلغ 190 ألف ريال لكلٍّ منهما (أكثر من 300$ لكل طالب).
واتّهم ماهر، إدارة المدرسة الأهلية بتحصيل رسوم المنهج المدرسي العام الماضي، رغم توقف الدراسة طوال الفصل الثاني بسبب جائحة كورونا بعد دفع المبلغ، ولذا يعتزم -وفق حديثه- تقديم طلب إعادة النظر في رسوم العام الماضي نظرًا لتأخر قرارات وزارة التربية والتعليم بهذا الخصوص.
رسوم التسجيل في المدارس العامة الحكومية رمزية- لا تتجاوز 300 ريال، لكن بعض المدارس تطلب من الطالب مبالغ إضافية تصل إلى 4 آلاف ريال، فيما تقدر تكاليف طالب واحد في الابتدائية من زيّ ومستلزمات مدرسية ما يقارب 12 ألف ريال.
في هذا السياق، يقول المسؤول بمكتب التربية والتعليم ووكيل مدرسة بغداد الحكومية، نبيل الأصبحي، إنّ قيمة المستلزمات المدرسية والزّيّ المدرسي أصبحت همًّا ثقيلًا على كاهل أولياء الأمور، في ظل ما يواجهونه من معاناة كبيرة في توفير هذه المتطلبات بسبب تدهور الوضع المعيشي الراهن الذي تعاني منه معظم الأسر اليمنية.
ويلاحظ الأصبحي في حديثه لـ"خيوط"، ما شهده العام الدراسي الجديد من حركة نزوح من المدارس الأهلية إلى الحكومية نظرًا لارتفاع رسوم التسجيل والتكاليف الدراسية في التعليم الخاص، إذ يشير وكيل مدرسة بغداد إلى استقبالها نحو 300 طالب من المدارس الأهلية.
وتلتزم المدارس الحكومية في صنعاء برسوم التسجيل الرسمية التي أقرتها وزارة التربية والتعليم التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، في حين شهدت بعض المدارس، مثل مدرسة بغداد اعتماد مبادرة مجلس الآباء بدفع كل طالب ما بين 800 و1000 ريال شهريًّا كمساهمة مجتمعية لمساعدة المعلّمين لتوفير أجور المواصلات في ظل توقف رواتبهم منذ العام 2016.
كانت حكومة صنعاء قد حددت رسوم التسجيل في المدارس الحكومية للتعليم الأساسي بـ150 ريالًا، و200 ريال للصفوف الثانوية، لكنّها أبقت الباب مفتوحًا لقيمة ما اسمتها "المساهمة المجتمعية" وألقت بالكُرة في ملعب "مجالس الآباء والأمهات".
وأكدت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة صنعاء، وفق وثيقة حصلت "خيوط" على نسخة منها، أنّ المساهمة المجتمعية تعد مبادرة طوعية وليست إلزامية "ويتحمل مسؤوليتها المجتمع، ممثلًا بمجالس الآباء، ولا يحق للإدارات المدرسية أو التربوية في المديريات فرضها على الطلاب".
وبموجب وثيقة أخرى فقد أعفت الوزارة عددًا من الفئات الاجتماعية، من دفع هذه المساهمة وأن يعفى من دفعها جزئيًّا من لديه أكثر من طالب.
نزوح بسبب التكاليف
باتت المستلزمات المدرسية تشكل أزمة حقيقية وعبئًا كبيرًا للأسر اليمنية، وتفوق قدرتهم الشرائية المتراجعة والمتركزة في تلبية ما أمكن من الاحتياجات الغذائية الضرورية اليومية.
وكيل مدرسة بغداد يوضح مراعاة المدارس العامة أوضاع المواطنين المعيشية، من خلال تجاوز بعض المتطلبات، مثل عدد الكرّاسات المطلوب توفيرها، وترك المجال لإمكانيات الطلاب الذين بمقدورهم استخدام ما تبقى من كرّاسات العام الماضي بعد نزع الأوراق المستخدمة.
كما يتحدث الأصبحي عن جهود يتم بذلها للبحث عن مساعدات تكون على شكل مبادرات ذاتية من بعض الشخصيات الاجتماعية وتجار المواد القرطاسية والملابس، لتأمين احتياجات الطلاب الفقراء ومعدومي الدخل، من الحقائب المدرسية قدر المستطاع، مشيرًا إلى نجاح هذه الجهود العام الماضي في توفير احتجاجات 30% من طلاب المدرسة للصفوف الأولى.
وعصفت أزمة المستلزمات المدرسية بحياة معظم الأسر اليمنية، وأفسدت بهجة موسم العودة إلى المدرسة، إذ يقول لـ"خيوط" توفيق سنان، وهو موظف مدني، إنه اضطر لبيع جزء من حليّ زوجته لإلحاق أولاده بمدرسة أهلية، وتأمين تكاليف المستلزمات المدرسية والزي ورسوم التسجيل.
ويصف سنان أسعار الرسوم الدراسية هذا العام بالخيالية، مع وصول رسوم طالب في الصفوف الدراسية الأولى نحو 100 ألف ريال، مشيرًا إلى أن بعض المدارس الأهلية تلزم الطلاب بشراء الكتب من مخازن المدرسة بأسعار خيالية، رغم إمكانية الحصول عليها مجانًا من أقارب أو إخوة كبار للطالب.
على إثر تزايد شكاوى أولياء الأمور من ارتفاع قيمة الرسوم في المدارس الأهلية واحتساب فترة التوقف بسبب جائحة كورونا، وجهت وزارة التربية والتعليم في حكومة صنعاء وفق تعميم صادر عنها الشهر الماضي، يلزم المدارس الأهلية بعدم زيادة الرسوم الدراسية عمّا حدده ترخيص إنشاء المدرسة، وتهديد المخالفين بسحب التراخيص وإحالتهم للنيابة العامة
وتظهر وثيقة رسمية، حصلت "خيوط" على نسخة منها، قيمة الرسوم الدراسية المصرّح بها لإحدى المدارس الأهلية في صنعاء. بموجب هذه الوثيقة فإن قيمة الرسوم للصفوف التمهيدية الأولى من الصف الأول إلى الصف السادس تصل إلى 240 ألف ريال، ومن الصف السابع إلى التاسع نحو 300 ألف ريال، و320 ألف ريال للصف العاشر والحادي عشر أي للصف الأول الثانوي والثاني الثانوي على التوالي، فيما تصل إلى 350 ألف ريال للصف الثالث ثانوي.
في القسم الإنجليزي جاءت أسعار الرسوم المصرّح بها من الصف الأول إلى الخامس مبلغ 470 ألف ريال، والصف السادس مبلغ 490 ألف ريال، وتتدرج في الصفوف الأخرى من 520 للصف الثامن إلى 620 ألف ريال للصف الثالث الثانوي، مع اختلاف قيمة الرسوم من مدرسة إلى أخرى.
وعلى إثر تزايد شكاوى أولياء الأمور من ارتفاع قيمة الرسوم في المدارس الأهلية، واحتساب فترة التوقف بسبب جائحة كورونا، وجهت وزارة التربية والتعليم، في تعميم صادر عنها في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، يلزم المدارس الأهلية بعدم زيادة الرسوم الدراسية عمّا حدده ترخيص إنشاء المدرسة، وعدم إلزام الطلاب بدفع الرسوم لفترة توقف الدراسة العام الماضي، ولأي فترة توقف مستقبلية.
وفي تصريحات لمسؤوليها لوّحت وزارة والتعليم التربية في صنعاء باتخاذ "الإجراءات القانونية" بحق المدارس الأهلية المخالفة "بشأن الالتزام بالرسوم الدراسية المحددة في تراخيصها، وعدم قيامها بتعليق لائحة الشفافية الخاصة بالرسوم على الجدار الداخلي للمدرسة بحيث تكون بارزة لأولياء الأمور".
قد تصل هذه الإجراءات إلى سحب التراخيص مع إلزام المدارس المخالفة بإعادة مبالغ الرسوم لأولياء أمور الطلاب وإحالتها إلى النيابة العامة وفقًا للقانون.
في السياق نفسه، توقع تقرير لمركز الدراسات والإعلام التربوي في صنعاء، أن تكون نسبة الطلاب الذين سيغادرون من المدارس الخاصة إلى الحكومية هذا العام، بسبب تدهور الوضع المادي، أعلى من الأعوام السابقة، بعد أن عجز أولياء الأمور عن توفير المتطلبات التعليمية لأبنائهم.
وكشف التقرير عن انتقال أكثر من 90 ألف طالب وطالبة من المدارس الأهلية إلى المدارس الحكومية عام 2017، من أصل 300 ألف طالب وطالبة، وبزيادة قدرها 30 ألف طالبٍ وطالبة عن العام الدراسي 2015 – 2016. وجاء في التقرير أن أكثر من مليون طفل محرومون من التعليم مطلع العام 2020، وهو عدد يضاف إلى 1.6 مليون طفل آخرين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة أصلًا.
تسرب من المدارس
وحسب تقرير حديث لمنظمة اليونسيف، فقد أدّى الوضع المزري في اليمن- بما في ذلك الصراع المستمر والكوارث الطبيعية وتفشي الكوليرا والحصبة وشلل الأطفال والفقر- إلى خروج أكثر من مليوني طفل من المدرسة، كما أن 5.8 مليون طفل كانوا مسجّلين في المدارس قبل جائحة COVID-19 هم الآن عرضة لخطر التسرب.
في هذا الخصوص تؤكد أمّ محمد أن تردي وضعهم المعيشي نتيجة توقف راتب زوجها التقاعدي أجبرهم على إخراج طفلتهم وردة (9 سنوات) من المدرسة للعمل في رعي الأغنام، باعتباره موردا اقتصادياً يساعد ربة الأسرة، التي تعيل أربعة أطفال في مواجهة أعباء الحياة المعيشية. وحسب حديث أم محمد لـ"خيوط"، فقد استفادت كثيرًا من عائدات بيع الخرفان والأغنام التي تربيها في توفير المستلزمات المدرسية للأطفال الثلاثة الآخرين بعد إخراج شقيقتهم قسريًّا للعمل في الرعي.
بداية العام الدراسي الجديد، باعت أم محمد خروفًا بمبلغ 50 ألف ريال، لتوفير قيمة مستلزمات مدرسية ورسوم تسجيل لأطفالها الثلاثة. فعلت ذلك أسوةً بأسرة تربطها بها صلة قرابة في قرية مجاورة بمديرية همدان إحدى مناطق ريف صنعاء، ما يعني تزايد حالات حرمان الفتيات من حقّ التعليم وإخراجهن للعمل في رعي الأغنام، بهدف مساعدة الأسرة واستحداث مورد اقتصادي محدود، لتأمين الحد الأدنى من احتياجات العائلة ومقاومة تداعيات الحرب والأزمة المعيشية.
وحسب منظمة إنقاذ الطفولة، فهناك 2000 مدرسة غير صالحة للاستخدام، بسبب الصراع في اليمن، ويشمل ذلك 256 مدرسة دمرت بغارات جوية لطيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، فيما هناك 1520 مدرسة متضررة بفعل الصراع الدائر بين طرفي الحرب؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، و167 مدرسة تأوي نازحين في أكثر من منطقة ومحافظة و23 مدرسة لا تزال تحتلها الجماعات المسلحة.
تحرير خيوط
