اتّخذتْ مديرة إحدى المدارس قرارًا بفصل إحدى الطالبات، بعد رفضها تأدية ما يسمى بـ"الصرخة"؛ الشعار الذي ترفعه جماعة أنصار الله (الحوثيين).
حالات مشابهة تكرّرت كثيرًا خلال الفترة الماضية في صنعاء، كما هو حال الطالب محمد نجيب، الذي يقول لـ"خيوط"، أنّ مدير المدرسة قام في بداية الأمر بتهديده وتوبيخه، لكنّه كان مصمّمًا على موقفه، حتى تطور الأمر في المرة الأخرى، وقام المدير بتوبيخه وضربه بالعصا، ورغم ذلك ظلّ نجيب عند رأيه ورفض مجدّدًا طلب الإدارة، وهو ما دفعها إلى فصله.
كاد نجيب أن يخسر مستقبله، لولا تدخل بعض أعيان المنطقة القريبة من المدرسة وإعادته إليها، غير أنّه عاد مرغمًا، كما رضخ للإدارة وقام بتنفيذ طلبها بترديد "الشعار" مع بقية زملائه، وَفقَ حديثه.
هذا، وكانت طالبات إحدى المدارس الأهلية قد رفضن في نهاية العام 2019، ترديدَ "الصرخة" عقب زيارة قيادات من الجماعة للمدرسة، كما تثار قضايا مشابهة تحصل من وقت إلى آخر، وفي كل مرة تحدث في مدرسة مختلفة.
وتعتبر "الصرخة" شعار جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالتحديد الجناح الديني للجماعة؛ إذ تعتبرها ركيزة أساسية لقياس إيمان الأفراد والحشود المنتمين إليها، كما أنّها تعتبر سلاحًا مهمًّا في وجه الأعداء حسب اعتقادهم، وعادة ما يتم ترديدها في المدارس والمساجد والاحتفالات والمهرجانات الخاصة بالجماعة.
قرارات ملزمة
خلال السنوات القليلة الماضية، عمدت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلى فرض ترديد الصرخة على طلاب المدارس بشكلٍ إجباريّ، إذ يجب على طلاب المدارس ترديدها بشكل يوميّ بعد الانتهاء من الشعار الوطني أثناء الطابور المدرسي، كما أنّ هناك عقوبات قد يتحملها كلُّ من يخالف ذلك.
إلى جانب تغيير مناهج التعليم بما يناسب سياسة الجماعة في صنعاء، تحرص الجماعة كذلك على تغيير المفاهيم وتعبئة طلاب المدارس بخطابها وتوجهها، بشتى السبل.
ومن خلالِ استطلاعٍ ميدانيّ أجرته "خيوط" مع طلابٍ من مختلف المدارس في صنعاء، تبيّنَ ما يتعرّض له التعليم والمدارس من استهدافٍ متواصل، وقيام مشرفين وأشخاص من خارج المدارس بإلقاء خطابات دينية وأخرى تحريضية من وقت إلى آخر داخل هذه المرافق التعليمية، وهو ما يعني تلقين أطفال المدارس، توجّهات الجماعة وما يتناسب معها، وهو ما يهدّد وعيَ جيلٍ كامل.
مدير مدرسة في صنعاء، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يتحدث لـ"خيوط"، بالقول أنّ وزارة التربية والتعليم هي من أصدرت التوجيهات إليهم بضرورة ترديد الشعار "الصرخة" من قبل الأطفال، مشيرًا إلى أنّ الوزارة ترسل مشرفًا بين الفينة والأخرى، للوقوف على مدى تطبيق المدارس لمثل هذه القرارات، وتحميل إدارة المدارس المسؤوليةَ في حال لم يتم ذلك، ما يفرض عليها أعباء جسيمة.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ تصل إلى مدراء المدارس توجيهات وقرارات في أوقات مختلفة، بضرورة إقامة خطابات تحريضية ضدّ أطراف الصراع الأخرى، وفي حالات أخرى يتم إلقاء خطابات دينية طائفية على الطلاب.
تغيير المفاهيم
إلى جانب تغيير مناهج التعليم بما يناسب سياسة الجماعة في صنعاء، تحرص الجماعة كذلك على تغيير المفاهيم وتعبئة طلاب المدارس بخطابها وتوجهها، بشتى السبل.
وتقول منظمات حقوقية أنّها تلقّت العديد من الشكاوى من أولياء الأمور، عن تعبئة الطلاب بمثل هذا الخطاب المؤدلج، ما دفع بعضَهم إلى عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس مرة أخرى.
وكشف تحقيقٌ استقصائي لشبكة أريج، قيامَ سلطات أنصار الله (الحوثيين) باستخدام المدارس من أجل أغراض عسكرية وأخرى طائفية، كما كشف عن الممارسات المتكررة من قبل الجماعة لإقناع أطفال المدارس بمعتقداتها، ووثّق التحقيق العديدَ من حالات الانتهاكات ضدّ الطلاب، بما فيها إجبارهم على ترديد الشعار والتجنيد وغيرها.
وعند مرورك بجانب أيّ مدرسة حكومية أو الدخول إلى ساحتها، ستجد تغييرًا للعبارات التي كانت تحثّ على أهمية التعليم ورسومات الأطفال، بعبارات أخرى تخدم مصالح وتوجه جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالإضافة إلى كمية كبيرة من التحريض وترسيخ ثقافة الكراهية والعنف ضدّ الطرف الآخر، وهو ما قد ينعكس سلبًا على طلاب المدارس ويرسخ ثقافة العنف، بدلًا من السلام، حسب ما يراه كثيرون.