عن دار الوفاق التي تُعنى بالدراسات والبحوث التاريخية، صدر مؤخرًا كتاب "في شرق اليمن (يافع)" لصلاح عبدالقادر البكري (1912-1993)، واعتنى به وعلق عليه: د. نادر سعد حلبوب العُمَري.
الكتاب، الذي يقع في 250 صفحة من القطع الكبير، يعرض لثلاث رحلات قام بها إلى بلاد يافع في أوقات مختلفة من منتصف خمسينيات القرن الماضي.
يقول كمال محمود اليماني، في عرض للكتاب:
"كان منطلق الرحلة الأولى التي مقصدها يافع من جدة، وكان لا بُدّ من الوصول إلى عدن ليتم الانطلاق منها إلى يافع، مرورًا بمكيراس فالبيضاء، وصولًا إلى حدود يافع، وهي الرحلة التي عرّج فيها على جملة من مناطق يافع، قراها وبلداتها، منها: قريش، خلاقة، الحضارم، ذي صرا، مسجد النور، الحصيرة، الجهاورة، والجربة. وكان لا بدّ له من إكمال رحلته إلى مناطق أخرى، لا سيما منطقة خلة أرض المفلحي، لكن الطرق لم تكن سالكة، فاضطرته وعورتها للعودة إلى عدن مرة أخرى قبل إكمال خطة رحلته.
في رحلة أخرى شدّ المؤلف الرحال إلى خلة، ولكن سبيل الرحلة هذه المرة كان عن طرق الضالع والمسيمير، وكان المنطلق من عدن فلحج ثم الملاح وصولًا إلى الضالع فالمقصد أي خلة، ثم زار شُكُع التي تبعد عن خلة حوالي ساعة من الزمن سيرًا على الأقدام.
ولضيق الوقت لم يواصل رحلته حينئذٍ إلى يافع السفلى حيث القبائل اليافعية الكبرى كالناخبي واليزيدي والسعدي ويهر، فأرجأ زيارتها إلى وقت آخر، وعاد إلى مصر. وتهيأت له الفرصة لزيارتها بعدئذٍ، فانطلق من عدن موليًا صوب أبين، ووصل إلى الحصن، ثم إلى جعار فالشعيب، ثم العودة مرة أخرى إلى عدن.
بعد أن أنفق البكري مئة صفحة من الكتاب في وصف رحلته، وبعد أن أنهاها تمامًا؛ انتقل للحديث عن تاريخ يافع؛ فبدأ بذكر علاقتها باليمن، ويقصد بذلك الدولة [القاسمية] الهاشمية، وما دار بينها وبين يافع من مصادمات عسكرية، وتحدث كذلك عن أبين، وواقعة الزاهر، وواقعة لحج، وواقعة المعسال، وتحدث عن دخول عدن عسكريًّا من قبل أحد سلاطين يافع، ثم أخذ القارئ معه في صفحات كثيرة ووصف موسع لتاريخ يافع في حضرموت، والملاحظ أنّ المؤلف قد عُنيَ بالتاريخ العسكري من حيث الحروب التي دارت بين قبائل يافع والقبائل الأخرى في كل المناطق التي ورد ذكرها في الكتاب.
وبعد عرضه التاريخي، انتقل إلى جغرافيا المكان فتناوله من الناحية السكانية والاجتماعية والثقافية كي يحيط القارئ بكثير من التفاصيل، ولكي يحقق الهدف الذي من أجله قام بتأليف هذا الكتاب، وهو الهدف الذي أشار إليه في (ص 85) بقوله: "تأليف كتاب يسجل تاريخ يافع وأحوالهم الحاضرة من كل الوجوه".
ويضيف اليماني في عرضه للكتاب:
"الجميل في الكتاب أنه لا يعرض رحلته بشكل عابر، بل إنّه في ثنايا عرضه يذكر للقارئ الكثيرَ من المعلومات، فهو حين يصل إلى بلدة خلاقة، مثلًا، في وقت أغارت فيه أسراب الجراد على المزارع المحيطة بالبلدة، راح يسرد ويعرض الكثير من المعلومات المتعلقة بالجراد وحياتها، وتركيبها، وغِناها بالعناصر الغذائية، وعن المؤتمرات التي عقدت لمحاربتها. وفي حوار دار بينه وبين أحد رفقائه إثر سقوط شهاب من السماء، تحدث المؤلف عن الشهب وأنواعها، وعن سرعتها، وعن اختلاف العلماء في أصلها ومصدرها. وكان حديثه عن الآثار التي وجدت في قرية شُكُع ممتعًا، تناول فيه الصناعات الخزفية والفخارية".
حمل الغلاف الأمامي صورة يافع بجبالها وبيوتها وخضرتها. وفي الغلاف الأخير، نبذة عن حياة المؤلف ومؤلفاته التي خاضت في مواضيع عدة، وإن طغى عليها الجانب التاريخي والجغرافي اليمني والعربي.
وُلد المؤلف في إندونيسيا عام 1912، وتوفي عام 1993، وتلقّى جلّ تعليمه في مصر.