راكمت الحرب في اليمن عددًا من الظواهر السلبية وبصورة أشد مأساوية على حياة المواطنين. إذ تصاعدت ظاهرة التسول منذرة بزيادة أعداد الفقراء والمحتاجين في مختلف المناطق والمدن، لكن الظاهرة مؤخرًا اتخذت طابعًا آخر يُعرف إجمالًا بـ"التسول الإلكتروني".
تشهد وسائل التواصل الاجتماعي تدفقًا كبيرً لأعداد المتسولين، خصوصًا على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"؛ الأكثر استخدامًا لدى اليمنيين (ذكورًا وإناثًا) وبمختلف فئاتهم العمرية والاجتماعية.
وتُرجع الباحثة الاجتماعية سمر حامد (40 سنة) سبب انتشار ظاهرة التسول الإلكتروني إلى الحرب، مشيرة في حديث لـ"خيوط"، إلى أن الحرب "حوّلت كثيرًا من الفئة المتعلمة إلى متسولين، نتيجة سوء أوضاعهم المعيشية". وتأتي النساء في مقدمة انتشار ظاهرة التسول الإلكتروني في اليمن نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي خلفتها الحرب، وفي مقدمتها الفقر والنزوح، إضافة إلى فقدان آلاف النساء عائلهن الوحيد بسبب أعمال القتال الدائرة في البلاد منذ ما يزيد عن سبع سنوات.
ويعتبر التسول الإلكتروني ظاهرة طارئة على المجتمع اليمني، ولم يسبق أن استخدمها أحد في الفترة التي سبقت الحرب قطّ. حيث كانت الظروف المعيشية مستقرة إلى حد ما، على الأقل بالنسبة للفئات المجتمعية التي تجيد استخدام الإنترنت وارتياد شبكات التواصل الاجتماعي.
"أم علي - اسم مستعار (38 سنة)، هي واحدة من اللواتي لجأن إلى التسول عبر صفحتها الشخصية في تطبيق "فيسبوك". تقول أم علي لـ"خيوط": "نزحت مع أسرتي من محافظة حجة (شمال غرب اليمن) إلى محافظة عمران (شمال العاصمة صنعاء)، ما معنا قيمة الأكل والإيجار، وما أقدر أخرج أتسول بالشارع، أبحث عن أصحاب القلوب الرحيمة لمساعدتنا في "فيسبوك"، وأترك رقم التلفون للتواصل معنا ومساعدتنا".
تطور خطير للظاهرة
تشهد ظاهرة التسول الإلكتروني تطورًا خطيرًا في مجمل تفاصيلها ذات الأثر السلبي، على كافة أفراد المجتمع اليمني الذي لم يألفها من قبل، كونه مجتمعًا محافظًا يخشى ابتذاله بتلك الطرق المهينة لكرامة الإنسان، متأثرًا بتجذر ثقافة "العيب" فيه بصورة تاريخية.
في حديثه لـ"خيوط" عن الظاهرة، يقول الناشط الاجتماعي عمر عبدالعزيز (41 سنة)، إن تطور ظاهرة التسول الإلكتروني "يأتي من فقدان بعض المتسولين للتواصل المباشر بالأشخاص الذين يمنحونهم مساعدات، ما جعلهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي". ويرى عبدالعزيز أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي لجمع المساعدات والتبرعات بهدف إنقاذ المتضررين من الحرب، ساهمت "بصورة رئيسية" في تزايد أعداد المتسولين إلكترونيًّا.
وأضاف: "خطورة تطور الظاهرة من خلال استخدام المتسولين لتقنية التصوير الحي (فيديو) لشرح حالاتهم بهدف استعطاف الآخرين لمساعدتهم". وإضافة إلى ذلك، يبرع بعض المتسولين إلكترونيًّا باستخدام عبارات بالغة التأثير، كما يتمكن بعضهم من استخدام تقارير طبية -قد تكون حقيقية أو مزورة- بهدف كسب التعاطف والحصول على المساعدات. ووفقًا للناشط عبدالعزيز، تتضاعف خطورة تطور ظاهرة التسول الإلكتروني بحرمان المحتاجين الحقيقيين من المساعدات وكسب التعاطف، بسبب وجود شريحة واسعة من محترفي هذا النوع من التسول بغرض التكسب فقط.
يستخدم أعضاء شبكات التسول الإلكتروني أسماء مستعارة لصفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تكون بأسماء فتيات. ويلجأ بعض المدونين إلى امتهان التسول الإلكتروني بحجة مساعدة عائلات فقيرة
غياب الدور الرسمي
نظرًا لظروف الانقسام وحالة التشظي التي يعيشها اليمن بسبب الحرب، إضافة إلى ضآلة اهتمام السلطات المسيطرة على الحكم في هذه الظروف، يغيب الدور الرسمي المناط بالحكومة في مكافحة ظاهرة التسول بصورة عامة، وتوفير سبل العيش الآمن والكافي للمواطنين الذين أضرت بهم الحرب وحولتهم إلى متسولين. الناشط الحقوقي عادل قحطان (37 سنة)، يقول لـ"خيوط"، إنه لا يوجد قانون يمنع التسول الإلكتروني باعتباره "عملية نصب واحتيال"، مرجعًا سبب غياب الإطار القانوني إلى "الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد".
وفي حين تحدث قحطان عن غياب الإحصاءات -أيضًا- بأعداد المتسولين؛ "كون الظاهرة جديدة ودخيلة على مجتمعنا اليمني"، علق مراقبون على توسع وتفشي الظاهرة بصورة مفزعة في كثير من محافظات البلاد، نتيجة غياب دور الحكومة في دراسة الظاهرة ومعرفة أسباب تصاعد تفشيها مع استمرار الحرب، وكذلك كشف حقيقة الحالات التي تحتاج للمساعدة والتي لا تحتاج. ورغم أن معظم حالات التسول في الواقع أو في العالم الافتراضي، بحاجة إلى الدعم والمساندة، إلا أن الحالات الهادفة للحصول على المال بطريقة سهلة وبسيطة، تستغل ظروف الأسر الفقيرة والمحتاجة، من خلال ترويج واستغلال أوضاعها البائسة، وبما يعود بالنفع لصالح هؤلاء المحترفين في التسول الإلكتروني.
شبكات للتسول الإلكتروني
تتطور ظاهرة التسول الإلكتروني بصورة سلبية للغاية، حيث لا توجد وسائل تحقُّق تكشف من يستغل الأوضاع المعيشية الصعبة لكثير من الفقراء، بهدف جمع المساعدات والتبرعات لتلك الحالات الفقيرة، والتي تظهر في تسجيلات الفيديوهات المنشورة عادةً على صفحات أشخاص يشتبه بكونهم أعضاء في شبكات التسول الإلكتروني في منصات التواصل الاجتماعي.
ناشط اجتماعي آخر -فضّل عدم ذكر اسمه- قال لـ"خيوط"، إن شبكات تمتهن التسول الإلكتروني "ظهرت مؤخرًا وتوسعت في مهامها باستغلال معاناة الفقراء والمحتاجين وطلب مساعدتهم"، وأن قبول الفقراء الظهور على منصات التواصل الاجتماعي، ساعد في توسيع هذه الشبكات لنشاطها. وأضاف أن أعضاء شبكات التسول الإلكتروني "يحرصون على اصطياد بعض المغتربين اليمنيين في مختلف دول العالم بهدف الحصول على المساعدات والتبرعات لتلك الحالات الفقيرة، بينما الأمر ليس سوى طريقة سهلة لجمع الأموال لصالح أعضاء شبكات التسول الإلكتروني فقط"- حسب تعبيره.
ويستخدم أعضاء تلك الشبكات أسماء مستعارة لصفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تكون بأسماء فتيات. ويلجأ بعض المدونين إلى امتهان التسول الإلكتروني بحجة مساعدة عائلات فقيرة، محاولين تدعيم مواقفهم ببعض عبارات الاستعطاف أو التقارير التي لا تخضع للتحقق.
وتبقى حالات التسول الإلكتروني ظاهرة دخيلة على المجتمع اليمني، وتتصاعد مع استمرار الحرب، وعدم استخدام وسائل تحقق من المحتوى المنشور لطلب التبرع، وهو ما يجعل الفضاء الإلكتروني متاحًا للطرق السهلة في الحصول على المال، دون اعتبار لقيم احترام الذات والآخر، واحترام مآسي الفقراء وظروفهم المعيشية العصيبة.