ستضع هذه الحرب اللعينة يوما أوزارها.
عندما نرفع الصحن لنستبين ما تحته، سنجد تصحُّرًا وجفافًا وبلدًا بلا عواطف ولا خضرة تعيد لليمن وصفها المعروف "اليمن السعيد".
السياسة العوجاء والعرجاء في هذه البلاد، أدّت إلى شيئين مهمّين، كلٌّ منهما أسوأ من الآخر: التصحر العاطفي، والإنساني عمومًا.
التصحر والجفاف
الأول أدّى، بسبب الشحن والتحريض، ولعب الأصابع السعودية تحديدًا ببوصلة الاتجاه، إلى إشاعة قدر كبير وعظيم من الكراهية والتطرف، التطرف الذي كان ناتجَ الفتاوى الصفراء التي حُمّلت في رؤوس من عادوا من أحضان العقم الذي اسمه "علماء الزفة"، والذين كفّروا الآخر، وأشاعوا الحقد والكراهية باسم الدين، ليأتي الآخرون ويتشيعوا للتطرف بشكل آخر، تطرف يريدونه مذهبيًّا ليقسموا البلاد إلى قسمين يواجهان بعضهما بالوحشية الشخصية التي تتحول إلى كراهية جماعية تلقن يوميًّا في أماكن للتحريض، وقبل ذلك أسّست لها جامعات وكليات ومعاهد! لينقسم الجيل، وهو ما نراه تفجيرًا وبغضاء وأحقادًا تستعاد من قبل يوم السقيفة وما بعدها، في لحظة يذهب فيها العالم بعيدًا باتجاه الفضاء وفي أعماق البحر بحثًا عن الرزق الذي يؤمِّن البشرية للمستقبل.
الحرب وتشظي البلاد بين المتصارعين يؤدي الآن إلى المزيد من إهمال الأرض، بالمقابل شح الأمطار يؤدي إلى إهمال ما تبقى منها، برغم أنها أرضُ خيرٍ تُزرع، فقط تنتظر الإنسان الواعي ليزرعها
ما هو التصحر والجفاف؟
أعلنت الأمم المتحدة يوم 17 يونيو يومًا لمكافحة التصحر والجفاف، إعلاءً لوعي الناس بالأثر السلبي الهائل للتصحر والجفاف على البيئة، ومعنى أنّ تدمر البيئة حياة الإنسان.
منذ أن ترك الناس قراهم بما تعنيه من بيئة وأرض، بارَت تلك الأراضي وتيتَّمت الدور القديمة بأن خَلَت من براميل الحبوب والحيوانات التي كانت مصدر خير للناس، وأجدبت الأرض، وبسبب شحة الأمطار جفَّت الينابيع وتصحرت معظم مساحات الرعي، انعكس كل ذلك على نفسية الإنسان، فأصبح في تعامله مع الآخر قاسيًا، خاصة وقد بدأ يفسر النصوص الدينية سياسيًّا، فجفّت روح الإنسان وصارت أرضًا خصبة لزراعة كل أنواع التطرف، فوجد دهاقنة الإرهاب -وتعريفه ناقص إلى الآن- أرواحَ الناس القاسية ميدانًا لزراعة كل الأفكار الضالة.
لو أخذنا نماذج لمساوئ الجفاف والتصحر لرأينا مساحات هائلة لم تعد تُزرَع، وعندما كانت المياه الجوفية متوفرة جرى زراعتها بالقات، وكلما جف المخزون انتقلت زراعة القات إلى مناطق جديدة وهكذا.
الحياة برغدِ عيشِها أو العكس (فقرها وجوعها)، تُحوِّل البشر إمّا إلى ما يشبه الملائكة أو إلى مجرد شياطين يزرعون الكراهية ويحصدونها تطرفًا بكل أشكاله وألوانه.
الحرب وتشظي البلاد بين المتصارعين يؤدي الآن إلى المزيد من إهمال الأرض، بالمقابل شح الأمطار يؤدي إلى إهمال ما تبقّى منها برغم أنها أرضُ خيرٍ تُزرَع، فقط تنتظر الإنسان الواعي ليزرعها، يوازي جهدَ الإنسان وجودُ إرشاد زراعي يوعي المزارع بتقلبات الطقس وتغير المناخ.
في الأرياف يعاني الناس من أنّ ما تعود عليه آباؤهم وأجدادهم قد تغير، فموسم الأمطار لم يعد في تلك المواعيد، يوازيه غيابٌ لأي إرشادٍ زراعي، وغياب وسائل التوعية والإعلام غيابًا تامًّا عن أسماع وعيون المزارعين.
المسجد انشغل بالتحريض، كلٌّ في اتجاه، والإعلام موجهٌ في اتجاه واحد.
والحل هنا لهذه البلاد لمواجهة التصحر والجفاف، إحياءُ التعاونيات.
وبالتوازي، العملُ على إحياء يوم يوازي اليومَ العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، بيوم يمنيٍّ عالميّ لمواجهة التصحر العاطفي والجفاف الإنساني.