تقع مدينة دَمْت (وسط اليمن)، وتتبع إداريًّا محافظة الضالع، وأُعلنت المدينة بقرار مجلس الوزراء رقم 135 للعام 2004 منطقة للسياحة العلاجية، لاحتوائها على أفضل ينابيع المياه المعدنية الحارّة، في الشرق الأوسط، وربما على مستوى العالم.
وتعد مدينة دمت، من أكثر المدن اليمنية نشاطًا في المجال الزراعي وكذلك في المجالين الاقتصادي والتجاري، ما ساعدها في أن تصبح بيئة جاذبة للتجّار والمستثمرين من مختلف مناطق اليمن.
هزيلة ومشوهة
وعلى الرغم من الأموال الضخمة التي كانت تدرها مدينة دمت إلى خزينة الدولة، فإنّها حُرمت من معظم الخدمات الأساسية طوال فترة حكم النظام السابق، قبل أن تُحرم نهائيًّا حتى من أبسط الخدمات مع اندلاع الحرب وسيطرة جماعة الحوثي على المدينة مطلع شهر نوفمبر 2015.
وعلى مدى تسع سنوات من الصراع، وصل حال مدينة دمت إلى درجة غير مسبوقة من التدهور في مختلف المجالات، في ظلّ خضوعها لسلطة أمر واقع هزليّة ومشوّهة، لا يهمها من أمر المدينة سوى جمع الضرائب والواجبات والزكاة التي تقدر سنويًّا بمليارات الريالات.
في هذا التقرير، نستعرض جزءًا من الوضع المزري الذي تعيشه مدينة دمت، وعكس صورة المعاناة التي تواجه سكان المدينة.
شوارع ترابية
في أصغر مدن اليمن التي تأخذ شكل الأسواق الشعبية مثلًا، قد يُشاهد الزائر خطًّا أسفلتيًّا، أسواق خاصة، أو أحياء مرصوفة بالحجارة، لكن مثل هذه الأشياء ليست متوفرة في مدينة دمت، على رغم ما تمثّله من أهمية في المساحة والسكان، فضلًا عن إيراداتها الضخمة التي قد تفوق إيرادات محافظة كاملة بسبب موقعها وتنوع الأنشطة فيها.
يغطي المدينة الغبار في كلّ الأوقات، بسبب شوارعها الترابية التي لم تحظَ حتى اليوم باهتمام السلطة المحلية الغارقة في الفساد منذ سنوات عديدة. الشارع العام للمدينة، هو الآخر، ما زال مقاومًا بعض الشيء، ويعود الفضل بذلك للأيادي الصينية الماهرة والمُتقنة التي أنشأت هذا الخط في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهو ذاته الخط الرئيسي الرابط بين صنعاء وعدن.
إلّا أنّ هذا الشارع هو الآخر لا يخلو من الحُفر، وبدلًا من أن يقوم مكتب الأشغال العامة وصندوق صيانة الطرق في المديرية بتسوية هذه الحفريات، كمشاريع ترقيعية على الأقل، يقوم بتكسير خط الأسفلت، وجرفه من أساسه، وتحويله إلى خط من تراب، يقول أحد المواطنين ساخرًا: "من مشاريع السلطة الحالية ترقيع الإسفلت"(*).
شارع جبن، الذي يمثّل أحد الشوارع المهمة في مدينة دمت، أصبح كله خطًّا ترابيًّا، بعد جرف ما تبقى من أسفلت، لتجاوز مشكلة الحُفر المنتشرة على طول الخط البالغ نحو كيلو متر واحد فقط، على أمل أن يتم سفلتته من جديد، وهو ما لم يحدث حتى اليوم، رغم تبني بعض المنظمات الإنسانية إعادة سفلتت هذا الشارع الحيوي أكثر من مرة، إلّا أنّه بمجرد أن يحصل القائمون على التنفيذ، على المبالغ المخصصة لتنفيذ المشروع، تختفي الجرافات ويغيب مشروع الأسفلت، ويبقي شارع جبن شاهدًا على حجم الفساد المهول في المدينة.
مستنقعات آسنة
ويزيد الوضع سوءًا في مدينة دمت، خلال فترة هطول الأمطار الموسمية، التي تغرق معها شوارع المدينة وتتحوّل إلى مستنقعات لتجمع مياه الأمطار في مختلف الأحياء والشوارع، ما يترتب على ذلك خطورة بيئيّة، من خلال تحوّل هذه المستنقعات الآسنة إلى بؤر لتجمعات البعوض الناقل للأمراض، بالإضافة إلى ظهور حالات أعراض الكوليرا سنويًّا بسبب الافتقار للنظافة والصحة البيئية.
وفي ظلّ موسم الأمطار، يظهر على المواطنين المتسوقين حالة من السخط وعدم الرضا، بسبب الصعوبة التي يواجهونها أثناء تسوقهم، إذ إنّ نزول المواطن المتسوق من على متن سيارته لشراء شيء ما، قد يكلفه ذلك غوص قدميه في المستنقعات الطينية، المتجمعة على طول وعرض الأحياء والشوارع، ولمجرد مرور سيارة أخرى على مقربة من المتسوق قد تتطاير عليه المياه الطينية الراكدة، ما يسفر عن ذلك مشادّة كلامية قد تصل أحيانًا إلى حدّ الاشتباكات بالأيدي.
مجارٍ طافحة
تمثّل مجاري الصرف الصحي مشكلة إضافية في مدينة دمت، التي لا يخلو أسبوع دون أن يرى الأهالي طفحها في أحد أحياء المدينة أو شوارعها الرئيسية، وهذا يعود إلى عدم وجود شبكة صرف صحي حكومية ومنظّمة.
وكلّ ما يوجد في المدينة هي شبكات تصريف خاصة بمستثمرين، وقد غدت عملية الاستثمار في إنشاء أنابيب تصريف لمياه الصرف الصحي، واحدة من عمليات الاستثمار المربحة للغاية، التي يتنافس فيها المستثمرون ورؤوس الأموال في المدينة، من أجل جني الكثير من الأموال.
ويتم الاشتراك في شبكات الصرف الصحي عبر قيام مُلّاك العمارات والفنادق في المدينة بدفع مبالغ مالية كبيرة للمستثمرين، مقابل الاشتراك، وفي كلّ مرة يحدث فيها طفح للمجاري في أي مكان في المدينة، يتم إلزام سكان العمارات القريبة والمجاورة لموقع تسريب مياه الصرف الصحي بإصلاح الخلل؛ الأمر الذي يضطر السكان إلى التشارك وإصلاح الخلل لكونهم المتضررين الأساسيين من المياه المتسربة، وخوفًا من أن تُسبّب لهم كارثة صحية جراء ذلك.
إقصاء وتهميش
أخيرًا؛ لا شكّ أنّ مديرية دمت لم يكترث لها أحد من المسؤولين عليها، الذين عادةً ما يكونون من خارج المديرية، فمنذ عام 1990، وحتى اليوم تُدار عبر مسؤولين من خارجها، ولم يتم تعيين أحد من أبنائها على رأس المسؤولية، رغم وجود العشرات من أبناء المديرية ممّن يحملون شهادة الدكتوراة في تخصصات علمية مختلفة.
عملية الإقصاء والتهميش التي تتعرّض لها المديرية، سواءً من قبل النظام السابق، أو من قبل سلطة الأمر الواقع الحالية، تُمثّل التفسير الوحيد للتدهور والفساد اللذَين تغرق بهما مدينة دمت على مدى ثلاثة عقود متتالية، وصولًا إلى المرحلة الراهنة التي بلغ فيها الفساد ذروته، في ظلّ سلطة محلية شاخت فسادًا، وسلطة أمر واقع لا تكترث مطلقًا بتوفير الخدمات وتحسين وضع المدينة.
(تعاون نشر مع مواطنة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، أعمال رصف حجري لبعض الشوارع الحيوية في المدينة.