"لأنه فقير فسخت زواجي منه!" هكذا تبرر صابرين العزب (اسم مستعار) ما أقدمت عليه وما اتخذته من قرار، إذ تقول إن من حقها أن تعيش عيشة كريمة هي وأولادها، وألا تجد نفسها دائمًا تتسول بعض النقود من أسرتها، بينما زوجها بطوله وعرضه يمضغ القات لما يقرب من عشر ساعات بدون اكتراث.
تزوجت صابرين منذ ستة أعوام زواجًا تقليديًا، وهي لا تعرف وضع زوجها المادي. عرفت وضعه الصعب، وفق حديثها لخيوط، بعد الزواج، وصبرت عليه. لكنها وجدت أن سبب فقره الكسل، لا شيء آخر، حسب ما تقول.
تضيف: "الفقر ليس عيبًا، فنحن نعيش بوضع اقتصادي صعب في البلاد. والمكافح، الصبور، هو من ينجو من قوقعة الجوع. لكن زوجي لا يكترث لنا، ولا يصرف علينا ربع ما ينفقه على القات، متذرعًا بالفقر وانعدام الفرص ووضع البلاد اللعين وفق تعبيره،" كما تقول صابرين.
لجأت العزب إلى محكمة تعز لتقديم طلب فسخ الزواج من زوجها، وتنازلت عن حقوقها كاملة. وبعد إجراءات القضاء المماطلة، حسب ما تصفه، فسخت زواجها.
استمرار الحرب، وصعوبة المعيشة الناتجة عن الوضع الاقتصادي المتردي، وانهيار العملة الوطنية، كل أولئك هو السبب الرئيس الذي يقف خلف أغلب الأسباب الأخرى التي أدت إلى تنامي ما تصفها بالظاهرة، فهذه القضية مرتبطة بشكل مباشر بآثار الحرب على المجتمع وانعكاساته المدمرة على الأسرة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه مثل هذه القضايا، كما يلاحظ ذلك في تعز، توصلت دراسة صادرة عن المركز المدني للدراسات والبحوث، أعدها القاضي الدكتور عبد العالم عقلان، اطلعت عليها خيوط، إلى أن نسبة الفسخ تزداد تدريجيًا مع استمرار سنوات الحرب والصراع وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية الواسعة.
وتوثق الدراسة نحو 329 قضية فسخ في عام 2020، وحوالي 318 قضية في العام الذي يليه 2021، في حين تذكر أن هناك 404 قضية فسخ رصدتها في عام 2022، والعام المنصرم يُقدر القاضي أنه شهد حالات فسخ أكثر مما سبقه، لكننا لم نستطع الوصول لنسبة دقيقة.
توضح صباح راجح، من اتحاد نساء اليمن، لخيوط نقطة مهمة في هذا الخصوص، إذ تشير إلى أن اتحاد نساء اليمن لا يقدم الدعم القانوني للنساء اللاتي يتقدمن لطلب فسخ زواج إلا بعد دراسة الحالة، والتواصل مع الطرفين. أما في حال تم الاستنتاج بعد دراسة الحالة أن الانفصال أفضل من استمرار العلاقة فيتم التقدم بطلب دعوة، ومن ثَم البدء بمساعدة مقدمة الطلب في التقاضي حتى تحصل على الفسخ.
أما إذا وجدوا الأسباب غير منطقية، وأن هناك أملا في أن تستمر العلاقة، فتقول راجح: "نقوم بتوعية المرأة، وتقديم الدعم النفسي لها، ومحاولة تحسين علاقتها مع شريكها، لأن ما يحدث بينهما قد يكون فقط ناتجًا عن الضغط النفسي الذي يمكن أن يُعالج بطريقة غير الفسخ."
ظاهرة تتصاعد
تزوجت رانية الشرعبي بجارهم الذي يحبها ويعرف طبعها، والذي يشبهها كثيرًا فكرًا وثقافة وتعليمًا. عاشت حياة سعيدة لمدة ثلاث أعوام رغم الوضع المادي الصعب. تقول الشرعبي لخيوط: "كنا نكافح من أجل قوت يومنا، ونستدين مالًا في الحالات الطارئة مثل المرض، وتسديد إيجار المنزل وغيرها. وكانت الديون تزيد وتتضاعف بدون أن نشعر".
كانت تحاول وفق حديثها أن تظهر لزوجها أنها راضية بهذه الحياة الصعبة ما دامت معه، لكن زوجها بدأ بالشرود كثيرًا والنسيان، والحديث معها بأمور غريبة. كان يسألها عن أشياء لم تحدث.
تتابع: "بدأت تصرفاته تتغير شيئًا فشيئًا، ولكني كنت أبرر ذلك بالضغوط النفسية. بدأ يشك بي ويعاتبتي، إلى أن وصل للضرب، وكان يتحدث مع نفسه طوال الوقت، ويغلق غرفته بمفرده لفترة طويلة. وأخيرًا نجوت بفضل الله من محاولة الاعتداء علي بعنف للتخلص مني. هنا أيقنت أن علي المغادرة وفسخ زواجي للحفاظ على روحي وحياة أطفالي،" تنهي الشرعبي قصتها وعلامات الألم واضحة على ملامحها.
هكذا تتزاحم النساء في أبواب محاكم محافظة تعز (جنوب غربي اليمن،) أكثر من أي محافظة أخرى، ليحصلن على ورقة فسخ زواجهن، لتتصدر بذلك قائمة قضايا الفسخ المطروحة في جلسات المرافعة، ليثير هذا أيضًا عديد التساؤلات التي تبحث عن إجابة عن الأسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة التي قد تخلف الكثير من الآثار السيئة على المجتمع.
تقول أمل الصبري، وهي محامية في تعز، لخيوط: "تأتي أغلب النساء إلى المحاكم لطلب فسخ الزواج بسبب وضعهم الاقتصادي الصعب الذي يؤدي غالبًا إلى الغربة، مع عدم الإنفاق عليها وعلى أولادها."
تؤكد الصبري أن النسبة زادت بهذا الشكل تزامنًا، مع ارتفاع مستوى وعي النساء بحقوقهن المكفولة شرعًا وقانونًا. فقد أصبحت المرأة اليمنية تلجأ إلى القضاء للحصول على العدالة الزوجية، وإلزام زوجها بالحقوق والواجبات. وإلا فإنها تفضل الانفصال عن الاستمرار بعلاقة مسمومة مجردة من حقوقها.
أسباب مختلفة
وترى الصبري أن استمرار الحرب، وصعوبة المعيشة الناتجة عن الوضع الاقتصادي المتدهور، وانهيار العملة الوطنية، كل أولئك هو السبب الرئيس الذي يقف خلف أغلب الأسباب الأخرى التي أدت إلى تنامي ما تقول إنها صارت ظاهرة. فهذه القضية مرتبطة بشكل مباشر بآثار الحرب على المجتمع وانعكاساته المدمرة على الأسرة.
يتفق عقلان مع الصبري. ويشير في دراسته المذكورة سالفًا، والتي كانت بعنوان "أثر الأزمة اليمنية في انتشار ظاهرة فسخ الزواج في تعز،" إلى انقطاع المرتبات لفترة طويلة. وهي التي أساسًا إن وجدت فإنها لا تكفي احتياجات الأسرة ومتطلباتها الضرورية. فيلجأ الزوج إلى الاغتراب الدائم، ولا يستطيع الإيفاء بالشروط المتفق عليها بالعقد. وهذه الأسباب أكثر ما قد تقدم المرأة على طلب الفسخ لأجلها.
المشاكل النفسية تؤدي عادة إلى فسخ الزواج أو الخلع أو الطلاق، وقد تحدث هذه المشاكل للأغنياء بغض النظر عن الوضع المادي، وذلك لأسباب مثل عدم الاهتمام، والانشغال الدائم، إضافة إلى عدم إنصات الزوجين لبعضهما ومعرفة مشاكل بعضهما ومواجهتها قبل أن تتفاقم.
بالمقابل، يتحدث ياسر الصلوي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، لخيوط، عن أسباب أخرى لتنامي فسخ الزواج، تتعلق بطريقة اختيار الزوجين لبعضهما بدون قناعة تامة، وبطريقة تقليدية من قِبل الأسرة، إضافة إلى الفجوة التعليمية، وكذا للجانب الثقافي والفكري بينهما.
إضافة إلى أن ظهور أفكار جديدة حول حرية المرأة، من قبل المنظمات ووسائل الإعلام، لعب دورًا كبيرًا. إلى جانب الزواج المبكر، والزواج القسري، لأحد الزوجين، أو كليمها، واختلاف الطباع، والتنشئة الاجتماعية المغايرة، إلى جانب انتشار سحر الانفصال بين الزوجين، والعيش في عالم من الخيال بعيدًا عن الواقع.
يتابع الصلوي بأن زيادة نسبة فسخ الزواج تؤدي إلى فشل في تكوين أسر على أسس سليمة، وانتشار علاقات غير شرعية وغير أخلاقية، بالإضافة إلى انحرافات مجتمعية، ناهيك، وفق اعتقاده، عن اكتساب المرأة نظرة سيئة من قبل المجتمع.
بينما يلفت عقلان الانتباه إلى أن فسخ الزواج يوسع دائرة العنوسة بسبب الإجراءات الطويلة لفسخ الزواج، كما أن الأبناء يدفعون الثمن مضاعفًا، فيعيشون في حالة قلق، وفقدان أمان، وتشرد، وضياع ناتج عن تفكك العلاقات الأسرية، بالإضافة إلى ضعف تحصيلهم العلمي وانجرافهم خلف العادات السيئة والانحراف الأخلاقي.
الضغوط النفسية
تتعدد أسباب هذه المشكلة التي لا تتوقف عند حدود الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. فهناك جانب آخر مهم يتعلق بالضغوط النفسية التي تنتج غالبًا عن أسباب أخرى ترتبط بالحالة المادية السيئة للزوجين. فالأسباب في هذه الحالة تعود إلى أمراض نفسية أو عقلية قد تصل إلى الجنون. هذا كان سبب فسخ زواج رانية، ونماذج أخرى رصدتها خيوط.
تقول الأخصائية النفسية ماريا حمود لخيوط إن المشاكل النفسية تؤدي عادة إلى فسخ الزواج أو الخلع أو الطلاق، وقد تحدث هذه المشاكل للأغنياء بغض النظر عن الوضع المادي، وذلك لأسباب مثل عدم الاهتمام والانشغال الدائم، إضافة إلى عدم إنصات الزوجين لبعضهما ومعرفة مشاكل بعضهما ومواجهتها قبل أن تتفاقم.
تشير حمود إلى عوامل أخرى نفسية قد تقف خلف طلب المرأة فسخ زواجها، مثل الخيانة والاحتقار والازدراء، وعدم وضوح الأدوار، وكذا انعدام الرضا الجنسي، وزيادة التوتر، والبخل المادي، إضافة إلى عدم تحمل المسؤولية والاستهتار، ناهيك عن الإهانة البدنية واللفظية.
أدوار الحماية
يتحدث المحامي علي الصراري، لخيوط، بأن هناك أسبابًا خفية لا تظهر أمام القضاء، وهي تشكل إغراء لبعض النساء، وتتمثل في أن هناك منظمات تدعم فسخ الزواج والخلع، وتقدم لهن المعونات القانونية والمادية لأجل ذلك.
في حين توضح المحامية أمل الصبري أن منظمات المجتمع المدني تقدم نوعًا من العون القانوني للنساء المعنفات اللائي يتعرضن للعنف الأسري، واللائي لا يستطعن الوصول إلى العدالة والقضاء. وكان هذا نوعًا من الحماية يوفَر للنساء، وساعد النساء المجبرات على الاستمرار بالزواج والتعرض للإهانة والعنف على التخلص من مشكلتهن.
كما تلفت الصبري العناية إلى أن الضغط الذي تعرضت له المنظمات التي تقدم مثل هذا النوع من المساعدات أدى إلى انسحاب بعضها، وحرمان النساء من هذه الخدمة التي يحتجن لها. لكن رغم ذلك لا يزال هناك عدد كبير من قضايا الأحوال الشخصية المنظورة أمام كافة المحاكم المختلفة.
توصيات وحلول
يرى عقلان في حديثة لخيوط أن مواجهة هذه الظاهرة تقتضي توفير فرص عمل للعاطلين، وتفعيل المؤسسات الاستثمارية وإنشاء مشاريع، بالإضافة إلى تنمية المهارات والحرف لدى الشباب، وتوظيف أكبر عدد من أبناء المحافظة، وأن تقوم الدولة برعاية الأسر ذات الاحتياجات البسيطة.
كما يقتضي الأمر عقد الندوات والدورات للتوعية بأضرار الفسخ، والتوعية الدينية والثقافية للزوجين من قِبل المحكمة والمصلحين، وتنمية الثقافة المجتمعية للأسرة.
وتقترح الصبري توصيات قد تساهم أيضًا بتخفيف المشكلة، مبتدئة بتوصياتها لمنظمات المجتمع المدني بتطوير برامج الحماية القانونية وفق آليات وطرق مناسبة تعمل على تقديم الدعم النفسي للزوجين قبل الوصول للمحاكم، بالإضافة إلى توسيع برامج التمكين الاقتصادي للنساء لكي تساهم المرأة في إعالة أسرتها وتخفيف أعباء الأسرة.
ويجمع الكثير على ضرورة أن تكون هناك أدوار إيجابية للأسر وعقال الحارات "الأحياء، والمجتمع بشكل عام للمساهمة في إيجاد الحلول المناسبة لمثل هذا النوع من المشاكل والقضايا التي تظهر في المجتمع، والسعي للصلح بين الزوجين بما هو معروف شرعًا وقانونًا.
وتنصح الصبري الشباب والشابات التأني عند الإقبال على الزواج، الذي يجب أن يتم فق خطوات مدروسة واختيار موفق، وعدم الزواج من الفتيات القاصرات، وعدم الإقبال على الزواج إلا عندما يكون الشاب قد وفر كل متطلبات الحياة الزواجية من بيت مستقل وتحمل مسؤوليات الإنفاق وكل الواجبات.
إضافة إلى ضرورة أن يكون هناك عمل مشترك بين المجتمع، ومنظمات المجتمع المدني، والسلطات المحلية لتعزيز التماسك الأسري، وحل قضايا الأسرة، كما أن الحاجة تقتضي وجود محاكم خاصة بالأسرة خلال الفترة القادمة.