قد يكون الطلاق هو النهاية المنطقية التي يتخذها أحد الطرفين أو كلاهما لمعالجة المشاكل والنجاة من علاقة زوجية مؤلمة، لكنه أيضًا القرار الأصعب الذي يتردد الكثير من الأزواج عن اتخاذه؛ ،خشية آثاره على أبنائهم. وللطلاق تأثير واسع على حياة الأمهات، لكون الأمومة تعني الارتباط اللا نهائي.
وسواءً كانتْ هي السبب في حدوث الطلاق أم لا؛ فإنها تجد نفسها في مأزقٍ وجوديٍّ حين تُمنع من أطفالها على الأغلب، خاصةً في المجتمع الريفي، الأمر الذي صار عرفًا اجتماعيًا، بخلاف ذلك في المجتمع المدني نوعًا ما.
الأمومة خيارات لا متناهية
رانيا واحدة من نماذج كثيرة وحالات عديدة حدث معهنَّ ذلك "إن شئتِ الأطفال فارضخي، وإلا فلن ترينهُم أبدًا" تقولُ "رانيا" من صنعاء والتي تبلغ من العمر35 عامًا وهي أم لطفلين أحمد في السابعة من عمره، ولارين تبلغ التاسعة؛ وضعتني الأمومة بين خياراتٍ لا متناهية، فمنذُ قراري الأول بالانفصال بعد تحول عش الزوجية إلى نار تشتد لسعاتها وتتوسع لذغتها كُل يوم، كانت مخاوفي الأولى أن ينتزع مني أطفالي تحت وطأة التهديدات لها بالأطفال، خاصةً وأنهُ كان -أي زوجها- دائمًا ما يردد تهديداته بأن أخذها للأطفال من قُبيل الأحلام، ولن تحقق رغبتها بأخذهم حالما تخرج من المنزل. مُضيفةً: "بعد أن حكمت المحكمة لي بحق حضانتهم، أصبح أطفالي أداةً لابتزازي، يستخدمهم زوجها كُلما طلبت منه النفق.
تتابع بقولها: مضت ومرت سنين وأنا أكافح لأجلهم، أقبع لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر كوني مصممة جرافيكس وكل هذا لأجلهم.
نحن أمام معادلة؛ إما الطلاق أو الأمومة، وإما الاستقرار أو الأمومة. معادلةٌ تدفع ثمنها الأم مقابل أن تعيش ماهو حق لها قبل الانفصال، تعيش حالةً من الضياع والتردد خشية فقدانها أمومتها وضياع أطفالها، ولهذا الخيار استسلم الكثير من النساء للبقاء في سجن الزوجية بتحمل معانتها مقابل العيش بجوار فلذة أكابدهن
بسبب الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية في اليمن خسر الكثير من اليمنيين وظائفهم إذ تقول سميرة أدهم: "إنها بعد خسارة وظيفتها كان لابد لها أن تتواصل مع والد أطفالها لدفع نفقة أبنائها والذي رفض حتى بعد تدخل وسطاء بينهم ما دفعها لأن تلجأ للمحكمة التي حكمت لها بمبلغ 30 الف ريال يمني شهريًا، ترى سميرة أنها لا تكفي لتغطية جزء من احتياجات أبنائه، لتعود سميرة إلى التواصل مع طليقها مرة أخرى في محاولة لخلق القليل من الحنية في قلبه تجاه أطفاله إلا أنه يقوم بوضع خيار العودة مقابل النفقة على أولاده أو التنازل عن حضانتهم.
بين العادات والقوانين
كفلت جميع الشرائع والقوانين حقها في رعايتهم في سنواتهم العشر الأولى. وقد حددت المادة رقم (139) من قانون الأحوال الشخصية اليمنية رقم (20) لعام 1992، سن انتهاء الحضانة؛ مدة الحضانة تسع سنوات للذكر واثنـا عشـر للأنثـى مـا لـم يـقـدر القاضي خلافه لمصلحة المحضون".
وأعطت المادة (149) من نفس القانون الخالة حق الحضانة بعد أم الأم مقدمًا على حق الأب وأم الأب، وقضت الفقرة الأخيرة بإعطاء القاضي تجاوز الترتيب المذكور إذا اقتضت مصلحة المحضون ذلك، وذكر أيضا الحق بالنفقة على الأطفال والنفقة على الأم المرضعة خلال حولين كاملين، ومن ضمن النصوص القانونية في أحكام الحضانة من قانون الأحوال الشخصية؛ ذكرت المادة (145) واجب قيام الحاضن بكل ما يلزم للمحضون إلا النفقة. "وعلى الحاضن القيام بما يصلح الطفل إلا النفقة وتوابعها فهي على من تلزمه طبقًا للمبين في باب النفقات ويجوز للحاضن نقل الطفل إلى بلده مـا لـم يكـن فـيـه ضرر مادي أو معنوي أو أخلاقي، وإذا كان الصغير عند أحد والديه كان للآخر حق رؤيته الطفل بالطريقة التي يتفقان عليها أو بما يراه القاضي".
يلاحظ أن هذا النص ورد شاملاً لواجبات الحضانة على الحاضن وحقها في السفر داخل البلاد فقط مع المحضون، كما نص على حق الرؤية للوالدين اتفاقًا أو قضاء.
استقرار أو طلاقٌ وحرمان
هنا نحن أمام معادلة؛ إما الطلاق أو الأمومة، وإما الاستقرار أو الأمومة. معادلةٌ تدفع ثمنها الأم مقابل أن تعيش ماهو حق لها قبل الانفصال، تعيش حالةً من الضياع والتردد خشية فقدانها أمومتها وضياع أطفالها، ولهذا الخيار استسلم الكثير من النساء للبقاء في سجن الزوجية بتحمل معانتها مقابل العيش بجوار فلذة أكابدهن. وإننا أمام مجتمع لا تُطبق فيه القوانين والشرائع بقدر تطبيق العادات والتقاليد وإن كانت سلبية. هذا لم يمنعْ أخريات منهنَّ ممن اخترنْ محاربةَ المخاوف وانتزاع حقهنَّ بالحضانة.
هكذا وصفت سميرة (اسم مستعار) ذات الأربعين عامًا، من محافظة ذمار وهي أم لأربعة أطفال تترواح أعمارهم بين الخامسة والثانية عشر عامًا، وقد طلبت ألا يذكر اسمها لكي لا يزداد الوضع سوءًا، خوفًا أن تتحطم عظام أطفالها ضربًا من والدهم، الذي قررت أن تنجو بحياتها بعد خمسة عشر عامًا من الضرب والإهانة والاذلال، لكن الانفصال لم يكن النهاية لعذابها كما وصفت، فقد عاشت ليالي ممتلئة بالقهر على أطفالها كون زوجها كان يبعث لها صورًا وفيديوهات لأطفالها بعد تعذيبهم، وذلك تهديدًا لها لتعود للمنزل متنازلة عن قرارها، وإلا سيكونون أبناؤها ضحايا لقرارها بالنجاة.
وقالت إنها رغم مرور عامين منذ عودتها لمنزل عائلتها، إلا لأنها لم تستطيع نسيان العذاب الذي عاشت فيه، ولا تستطيع العودة لأنها مدركة أن العذاب سيكون مضاعفًا.
تضيف سميرة أنها انتظرت كثيرًا حتى تكبر أحد بناتها وتستطيع العناية بمن هم أصغر منها فلا خيار لها غير ذلك، لكنها في كل ليلة تموت ألف مرة خوفًا عليهم من والدهم، فهي من مجتمع لا يسمح للنساء بالوصول إلى المحاكم، مضيفةً أن المجتمع الريفي لا يقبل شكوى المرأة من زوجها، ولا يرى أن لها الحق وإن كانت معذبةً مهانة، فالعيب دومًا في الزوجة كونها خلقتْ لتتحمل هذه الحياة.
تكوين النظرة السلبية
وفي زوايا الحياة المضيئة ترى أفراح (اسم مستعار) وهي أم لطفلين وطالبة جامعية، أن الأمومة بعد الطلاق أجمل وأن مخاوفها الماضية من الانفصال تلاشت بمساندة أهلها لها، وقد عادت لممارسة حياة متكاملة الطموح والسعي نحو المستقبل، وتقول أيضًا إن النفقة لا تغطي احتياجات طفلها الكامل، وأن أكثر ما تخشاهُ الآن هو ضياع طفلها بينها وبين والده خاصةً إن هي فكرت بالزواج.
وهذا ما تحدثت به وردة أمين - أمين سر دائرة قضائية" بخصوص ازدياد حالات الطلاق وما يترتب عليها، والتي تقول إن الطلاق ظاهرة مستمرة بالانتشار في الوطن العربي بصورة ملحوظة في الواقع وملموسة في المجتمعات النامية لاسيما أرض اليمن كونها لم يتم حتى الآن تجسيد محكمة الأسرة على أرض الواقع، وما زال هذا حلمًا على الورق، فالمرأة تجد نفسها أمام فجوة بعد حدوث الطلاق، تجد الأثقال على عاتقها كمسألة السكن والتداعيات الاجتماعية والمادية والتربويّة.
تتابع وردة، بالقول: إنه كما نعلم أن حالات الطلاق لدى اليمنيين ازدادت في الآونة الأخيرة، إما نتيجة لظروف الاقتصادية لاسيما وأن اليمن دولة نامية، أو عدم توافق بين الزوجيين، وبين هذا وذاك يكونوا الأطفال هم الضحية كونهم يحرمون من العيش بين والديهم، وهنا بالتحديد يوجد الموروث الثقافي في العادات والتقاليد، وهو أحد العوامل بل أهمها في المجتمع اليمني، حيث تعتبر العادات والتقاليد أقوى وأهم من الشرع والتي ساهمت في تكوين النظرة السلبية للمرأة المطلقة.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية