البلد المتنوع في قاعة

"إرث البارود "الذي مكنني من اعادة اكتشاف اليمن
محمد عبدالوهاب الشيباني
September 17, 2024

البلد المتنوع في قاعة

"إرث البارود "الذي مكنني من اعادة اكتشاف اليمن
محمد عبدالوهاب الشيباني
September 17, 2024

في سبتمبر ١٩٨٧ حضرت جزءا من فعاليات المؤتمر العام الرابع لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بدافع فضول يتلبس شاب في الحادية والعشرين من عمره، يتحسس طريقه في عالم الكتابة.. آثار انتباهي وقتها تلك الألسن المتنوعة التي تتحدث في قضايا شتى تتصل بهموم منتسبي الاتحاد الموزعين على خريطة اليمن الطبيعي قبل التحام شطريه بثلاثة أعوام، وأنا الذي لم اكن اعرف سوى لهجات قليلة من لهجات اليمن في التداول اليومي مثل لهجات تعز واب وصنعاء وعدن.

كانت لم تزل ارتدادات كارثة يناير ٨٦ حاضرة في نقاشات أعضاء المؤتمر ولم أزل اتذكر اعتراض أديبة معروفة من الضالع على عدم وجود صورة عبد الفتاح اسماعيل ضمن صور فقداء الاتحاد التي كانت تغطي جدران قاعة مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، باعتباره شاعر ومثقف، إلى جانب دورة الداعم لقيام الاتحاد مطلع السبعينات حينما كان أحد القادة البارزين في سلطة الحكم في الشطر الجنوبي من الوطن ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وابتداء من المؤتمر السادس الذي انعقد بذات القاعة في أواخر نوفمبر ١٩٩٣ ( عشية حرب صيف ٩٤) صرت أحد الناشطين في لجان المؤتمر وعضوا دائما فيها بحكم وضعي النقابي في الاتحاد . وكنت في كل مرة اعيد اكتشاف اليمن المتنوع وهموم أعضاء الاتحاد حيال المسألة الوطنية والتحديات والمخاطر التي تتربص بها من قبل تجار المشاريع الصغيرة وسانديهم في الاقليم .

في المؤتمر العام العاشر الذي احتضنته مدينة عدن في مايو 2010 ظهرت جليا حالة الانقسام الحاد بفعل انسياق البلاد إلى مشروع الفوضى والتذرر بعد أن غدت السلطة جملة من المغانم للمتنفذين فيها، وخلقت حالة الانسداد الكبير التي قادت إلى حالة الربيع في فبراير 2011، وما تلى ذلك من حالة فوضى ثم الانقلاب على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واقتحام الحوثيين لصنعاء قبل عشرة اعوام ( 21 سبتمبر) ليصنعوا مقدمات حالة الحرب التي لفت البلاد كلها، وما ترتب عليها من انهيار مؤسسات الدولة وتفكك التراب في عموم الجغرافيا.

بعد أكثر من عشر سنوات، من المؤتمر العاشر، ( سبتمبر 2021) وفي ذروة الحرب شهدتُ حضورا يمنيا متنوعا في فعالية ثقافية كبرى وهي فعالية تدشين الورشة الختامية لدراسة الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية التي قام بتمويلها رجل الأعمال الراحل علوان الشيباني، حين حضر اليها باحثون متخصصون من ارجاء اليمن شمالها وجنوبها وشرقها وغربها في نشاط كنت اظنني لن احظى بمتابعة مثيلا له في المدى المنظور الذي تشهد فيه اليمن حالة من التذرر والتشظى القاتل بسبب حالة الحرب القائمة وارتفاع منسوب خطاب الكراهية التي تغذيه اطراف النزاع لفرض منطقها التشطيري لتبرير استحواذها على لسلطة والموارد عبر القوة العسكرية والقبضة الأمنية وتواطؤ الرعاة.

جاء مؤتمر "إرث البارد" الذي نظمته "مواطنة " لحقوق الإنسان خلال يومي الاربعاء والخميس 11- 12 ايلول سبتمبر 2024 ليكسر هذا الاعتقاد عندي، حينما اعدت رؤية اليمن المتنوع مرة أخرى في حالته الحقوقية. ففي القاعة الصغيرة الانيقة في مقر المنظمة وخارجها احتشد أكثر من مائة يمنية ويمني من أجيال ومناطق وشرائح مختلفة (من سقطرى والمهرة وحضرموت وشبوة والجوف وعدن وتعز وصعدة وعمران والمحويت والضالع والحديدة وأبين وريمة وذمار والمحويت وغيرها) وفي خمس قاعات افتراضية في عدن وشبوة وتعز وسيئون والمكلا مرتبطة بقاعات صنعاء حضر ايضا مجموعة كبيرة من الناشطين للمشاركة في هذا المؤتمر الذي كان الأجمل فيه عدم حضور رسمي لي من وجاهات سلطات الأمر الواقع، وعدم التأثير في وقائعة.

كنت ضيفا على المؤتمر بصفتي ولم اكن اعرف في البداية من الحضور إلا الأصدقاء في قيادة مواطنة والشخصيات البارزة المدعوة أمثال (عبد الباري طاهر ود حمود العودي وعبد الرحمن الغابري ) لكني تفاجأت ايضا بالعديد من الأدباء و المثقفين والأكاديميين والصحافيين الذين جمعتنا لقاءات متباعدة فيما مضى أو جمعتنا القراءات والمتابعة عبر الصحافة والفضاء الأزرق والمطبوعات، إلى جانب صحافيين وكتاب شبان (من الجنسين) الذين تصلني كتاباتهم لنشرها في منصة"خيوط" بصفتي رئيساً لتحريرها.

في المداخلات والنقاشات التي كانت تفتح عقب فقرات برنامج المؤتمر (من دراسات وعروض وشهادات حول الاختفاء القسري وانتهاكات أطراف الصراع وضحايا الألغام ومتوجبات الاصلاح مؤسستي القضاء والامن ومخاطر الانقسام) كنت أسمع اليمن بتعدد لهجاتها التي تشرح الوضع وتقترح الحلول وتشير إلى الانتهاكات والفاعلين فيها بدون وجل أو خوف. حضور ممثلين عن مجتمع الهامش والفئات الضعيفة والهشة، من مناطق متفرقة من اليمن، كان له نكهته الخاصة التي اضفت على أجواء المؤتمر حالة رائعة في النقاش وعرض هموم هذه الفئات ومظالمها الكثيرة والمتصلة.

في النقاشات الجانبية وفي الاستراحات بين الجلسات كنت انصت لروح اليمن في أحاديث المشاركين الذين قدموا إلى صنعاء، وفي حساباتهم ايضا الكثير من مخاطر التنقل بين المحافظات التي ستفرضها سلطات الأمر الواقع ومنها الاعتقال أو المنع لكنهم جاؤوا ، وهم الذين كان باستطاعتهم حضور الجلسات في الغرف الافتراضية في المدن الأخرى، التي حضرها زميلات وزملاء لهم وعرضوا من خلالها افكارهم المتنوعة، والتي هي الأخرى كسرت حاجز الخوف من تعديات أجهزة القوى المتحكمة فيها.

التهنئة للأصدقاء في قيادة مواطنة والعاملين فيها على نجاح المؤتمر، والذي تحتاج مناشطه المختلفة والمميزة والجريئة لتوقفات قرائية أكبر.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English