شهد سوق الدواء في الفترة الأخيرة، اختفاءَ عددٍ من الأصناف؛ بعضها أدوية أمراض مزمنة، وأدوية أمراض شائعة، فيما وضع بدلًا عنها في التداول، أدوية بديلة ليست بفاعلية الأدوية الأصلية؛ الأمر الذي انعكس سلبًا على المرضى متعاطِي هذه الأدوية، خاصة كبار السنّ وذوي الحالات الحرجة. مبررات كثيرة قيلت حول أسباب اختفائها من الصيدليات، لكن المؤكد أنّ أزمة الصراع التي تمرّ بها البلاد ليست السبب الوحيد. اللافت أنّ الأدوية المختفية تظهر مجددًا بعد فترة وجيزة بأسعار مضاعفة، تتجاوز نسبة الزيادة أحيانًا الـ50% لبعض الأصناف.
أبرز الأدوية المختفية
إلى جانب أدوية الأمراض المزمنة، وأمراض الصَّرَع، اختفت أيضًا أدوية تعتبر متطلبًا أساسيًّا لعلاج الأمراض الشائعة، مثل: فوّار (السولبادين)، ونقط الأطفال (فيدروب)، والبندول بأنواعه، وعلاج السكر (دياميكرون) الذي ظهر بديلًا عنه، دواء "علاجٌ" آخر مهرّب. إضافة إلى الـ(ليتروكس) المخصص لعلاج الغدة الدرقية، والـ(نوفينيت) حبوب منع الحمل، بحسب هود أمين، مشرف تعبئة وتغليف لدى شركة سبأ فارما للأدوية اليمنية، في حديثٍ لـ"خيوط".
ويعدّ الـ(إميوران) الذي يستخدم للمناعة، أبرزَ أنواعِ الأدوية التي ظهرت مجدّدًا بعد اختفائها لمدة، لكن سعره زاد أضعافًا متجاوزًا الـ20 ألفًا، ما اضطَرّ المواطنين للاتجاه نحو الدواء البديل المهرب -غير معروف المصدر والمخاطر- بسعر 5 آلاف ريال. وكذلك الـ(بلافكس) العلاج المستخدم للدهون، والذي يوصف بشكل دائم للمرضى الذين يعانون من أمراض الضغط والقلب والسكر، حيث وصل سعره لحدود 20 ألف ريال.
في هذا الصدد، يقول الدكتور عبدالله حاسر، صيدلاني، لـ"خيوط": "هناك عددٌ من الأدوية غير المتوافرة في السوق، أسعارها أقل من خمسة أو أربعة آلاف فقط، لكنها مؤخرًا في طريقها لأخذ تسعيرة جديدة ضعف التسعيرات القديمة، مثل: بعض أدوية السكر والضغط، وهو ما يضع المرضى أمام خيارات صعبة؛ بين شراء الأدوية بأسعار مضاعفة، أو اللجوء لأدوية مهرّبة رخيصة يعجز عن شرائها المريض متوسط الحال".
الصيدلاني، عبدالناصر شمس الدين، يقول لـ"خيوط": "اختفت بعض الأدوية من السوق بسبب التسعيرة الجديدة، التي تلاعب بها التجار، متسبّبين باختفاء أدوية وظهور أخرى مهرّبة".
على أرض الواقع، لم تستطع شركات الأدوية المحلية تغطية ثلث الاحتياج المتزايد للأدوية قبل الحرب، أمّا بعدها فقد زادت الأوضاع سوءًا، رغم الجهود المبذولة من بعض الشركات المحلية لسدّ الاحتياج، خاصة الأدوية المطلوبة لأمراض القلب والضغط والسكر، وأدوية الاضطراب النفسيّ والأعصاب.
من جانبه، يشير الدكتور أنور الأهدل، نائب مدير مستشفى الدرن بالحُديدة، ومدير محلات دبي الطبية، إلى أنّ الأدوية تحتل المرتبة السادسة لأهم 30 سلعة مستوردة إلى السوق اليمنية، يقوم القطاع الخاص اليمنيّ باستيرادها بما يغطي احتياجات السوق، رغم عدم استقرار قيمة الواردات التي ظلت تتأرجح بين 50 إلى 95 مليار ريال.
ويضيف الأهدل، في حديثه لـ"خيوط": "كان هناك اتفاقٌ بيننا وبين حكومة صنعاء، يقضي بضرورة فتح استيرادات عاجلة وكافية للأصناف الدوائية الضرورية التي تحتاجها الأسواق اليمنية، وتكوين مخزونٍ دوائيّ يكفي لِمَا تبقّى من السنة الجارية، في إطار موافقات استيراد للأصناف المسجلة، حيث تم منح موافقات استيراد استثنائي لأصناف أساسية هامّة لتغطية الاحتياج الطارئ لبعض الأصناف المطلوبة في الأسواق اليمنية".
عراقيل تواجه مستوردي الأدوية
هذا، ويسود تذمرٌ في أوساط شركات ومستوردي الأدوية من عمليات التضييق التي تُمارَس بحقِّهم من قبل الجهات والمؤسسات الرسمية، والجهات الطبية والصحية في مختلف المناطق والمحافظات الرئيسية، ومن صعوبات عديدة واجهتهم خلال الأزمة الأخيرة وتواجهها منذ بداية الحرب في اليمن، ومنها: الجبايات المتنوعة، والتأخير في المنافذ الجمركية، والإجراءات الروتينية التي تسبّب لهم خسائر وأضرار عديدة، إلى جانب العراقيل المتعلقة بمنح الموافقات للأصناف والشركات المسجلة والمعتمدة، خصوصًا تلك التي لديها شهادات عالمية، وكذا الإعفاءات والتسهيلات اللازمة لأصناف الأدوية والمستلزمات الطبية والفيتامينات التي تدخل ضمن البروتوكول العلاجيّ والوقاية وتعزيز المناعة لمواجهة فيروس كورونا.
ويُطَمئن هود أمين، المرضى الذين يشترون الأدوية البديلة، قائلًا: "الأدوية المقلّدة (البديلة) كثيرة جدًّا، بعضُها ذات فعالية وقد تفي بالغرض، كالدواء الأصلي تمامًا، بحسب الشركة المصنعة لهذا الدواء".
منوّهًا إلى أنّ الأدوية المصنعة محليًّا قد يكون سبب اختفائها هو عدم إنتاج الشركة الأمّ لذلك العقار، لأسباب ترتبط هي الأخرى بعدم السماح للمواد الخام بالدخول إلى اليمن، أو بسبب تأخُّر وصولها أو بسبب احتكارها من قبل بعض تجّار الأدوية؛ نتيجة إقبال الناس عليها.
ويقول أمين، إنّ سياسة احتجاز الأدوية قد يتّبعها بعضُ المستوردين، بهدف استنفاد كل الكميات المتبقية في السوق، بعدها يتم عرض الأدوية المستوردة حديثًا بشكل تدريجيّ وبالسعر الذي يريده المستورد، هذا يفسر سبب الاختفاء والظهور المفاجئ لبعض الأدوية وبسعر كبير، إلى جانب معاملات الجمارك، التي تتمعّن كثيرًا في احتجازها الموانئ والمنافذ الجمركية، إضافة إلى النقاط الأمنية الممتدة على طول الطريق، حيث يتم دفع إتاوات في كل نقطة، وكل ذلك يتم إضافته على سعر الدواء، بحيث يكون المواطن هو الضحية.
تدهور الصحة
على أرض الواقع، لم تستطِع شركات الأدوية المحلية تغطيةَ ثلث الاحتياج المتزايد للأدوية قبل الحرب، أما بعدها فقد زادت الأوضاع سوءًا، رغم الجهود المبذولة من بعض الشركات المحلية لسدّ الاحتياج، خاصة الأدوية المطلوبة لأمراض القلب والضغط والسكر، وأدوية الاضطراب النفسي والأعصاب، إلّا أنّ بعض المعوقات تقف أمام هذه الشركات؛ أبرزها عدم القدرة إلى التوصل الثباتية والدقة التصنيعية، أو عدم توافر الخط الإنتاجي المعقم بنسبة 100%.
معاناة المرضى الذين لا يجدون العلاج المقرر لهم تحديدًا، أو أولئك الذين يجدونه بأسعار مضاعفة، تلخصه لـ"خيوط"، نجيبة يحيى، ربة منزل، قائلة: "عجزتُ تمامًا عن توفير دواء الأورام لوالدي؛ كون المستشفى الذي يتعالج فيه، طلبَ منّا ثمنَ الدواء بسعر السوق السوداء، وهو ما لا نستطيع سداده، فأشارت علينا الممرضة بالاعتماد على الأعشاب كبديل، رغم أنّي لا أعلم هل الأعشاب بالفعل تجدي نفعًا، وفي الوقت ذاته يشتري أخي لوالدي الدواء المقلد لعل وعسى ينتفع منها".
بالمثل تعاني، سمية يحيى، من خمول المبايض بسبب أمراض الغدة الدرقية، فقرر لها الطبيب الـ(ليتروكس) لعلاج الغدّة الدرقية، إذ كانت تستخدمه من أجل الحمل الذي تأخّر 15 سنة، ولكن بسبب اختفاء العلاج الذي كانت تستخدمه، أثّر عليها سلبًا، وبدت عليها أعراض السمنة المفرطة.
غنية محمد (60 سنة)، تقول لـ"خيوط": "إنّ حالتها الصحية تدهورت بسبب عدم تناولها دواء الدهون بانتظام، ما سبّب لها اضطرابات في السكر والضغط الذي أثّر بدوره على الرحم، ما استدعت حالتها الصحية استئصالَه".