تقول الحاجّة سعدة (50 سنة)، والتي تعيش ظروفًا اقتصادية صعبة للغاية بعد مرض زوجها وعجزه عن الحركة، لـ"خيوط"، إنها تنازلت عن كل أملاكها وحقها في الميراث لأشقائها الذكور، لعدم قدرتها على المطالبة بحقها. لذا طلبت منهم، كما تضيف، أن يشفقوا (يتفقدوا) بناتها كما فعلت أمها وجدتها من قبل؛ لأن المطالبة بحقها ستجعلهم يقاطعونها وتتسبب بمشاكل لها.
أصبحت مطالبة المرأة بحقها، في ظل بيئة ذكورية متسلطة، "وصمةَ عار"، تتسبب بمشاكل كثيرة لمن تُسول لها نفسها المطالبة بميراثها وحقوقها المنتهكة.
الحاجّة سعدة ليست الوحيدة التي تنازلت عن أملاكها لأشقائها، بحسب نتائج الاستبيان الذي قامت به "خيوط"، والتي كشفت عن أن 74% من النساء يفضلن عدم المطالبة بحقهن من إرث والدهن، خاصة النساء اللواتي لم يتجاوزن عمر 40 عامًا.
وتعلل الكثير منهن ذلك بأن السبب الرئيس لعدم مطالبتهن بميراثهن هو الخوف من ردّة الفعل وسوء المعاملة، وكل هذا ينعكس على نفسية المرأة فتشعر بالضعف والإهانة، ما يدفعها إلى الإعلان عن التنازل للأسرة بحقها من الإرث، كما في حالة الأربعينية هبة، أو عن طريق بيع صوري، فتصبح بطلة في أعين إخوتها ويتم تعويضها بفتات من النقود في كل مناسبة.
بالمقابل، كان هناك ما نسبته 26% من النساء طالبن بحقوقهن دون خوف، ومنهن من حصلن على الإرث دون الوقوع في مشاكل، ومنهن من لجأن إلى المحاكم.
تقول أم وليد (55 سنة) لـ"خيوط": "تم حرماني من حقي في الميراث بعد وفاة والدي، وسيطرة أخي الأكبر على كل عقاراته وممتلكاته، سواءً في العاصمة صنعاء، أو ما يمتلكه من إرث في قريته الريفية".
تعجز العديد من النساء عن الاستمرار في المحاكم للمطالبة بحقوقهن، بسبب ما يتعرضن له من ضغوط وتحديات، إلى جانب ارتفاع تكاليف المحامين، وطول أمد المحاكم، وسطوة بعض القضاة ومبالغتهم في طلباتهم، وهو ما يؤدي إلى "إجراء القسمة" (توزيع الإرث) دون مراعاة لظروف المرأة المادية ووضعها النفسي
تضيف أنها مرت بظروف صعبة وقاسية نتيجة لمرض زوجها وإصابته بحالة نفسية وتركه لعمله، لكن أخاها رفض مساعدتها أو إعطاءها جزءًا من حقها في ميراث والدها.
أقدمت أم وليد على رفع قضية على أخيها، لكنها ظلت حبيسة أدراج الجهات القضائية المختصة منذ أكثر من 15 عامًا، قبل أن تكتشف مؤخرًا قيام أخيها برشوة المحامي الذي أوكلته لاسترجاع حقها في الميراث، وهو ما جعلها تُقدم على تغييره واستبداله بمحامٍ آخر في ظل إصرارها على استعادة حقها الشرعي والقانوني في الميراث.
تسلط باسم التقاليد
تتعرض المرأة اليمنية للعديد من الانتهاكات على مدى سنوات طويلة دون وجود حلول جذرية لقضاياها، والتي كان أبرزها وأهمها حرمانها من الميراث في العديد من المناطق اليمنية، والتي لعبت الظروف التاريخية والاجتماعية دورًا سلبيًّا في ذلك على مر العصور. فالمرأة اليمنية ما زالت تعيش ظروفًا استثنائية للّحظة، حتى بعد خروجها للحياة العملية، وبالرغم من التغيرات التي طرأت على حياتها وتحملها لأعباء العيش ومساندتها ومشاركتها لشقيقها الرجل، إلا أن الموروثات الاجتماعية وبعض الأعراف والتقاليد، ما زالت تحصرها في مكان ضيق، حيث لا يحق لها المطالبة بميراثها بعد وفاة والدها أو زوجها.
يقصد بالميراث: "الخلافة عن المتوفَّى في ماله"، وقيل: "هو القواعد من الفقه والحساب، بها يعرف كل ما يخص كل صاحب حق من التركة، وبيان نصيب كل وارث، سواء كان ذكرًا أو أنثى".
ويعتبر حرمان المرأة من الميراث امتدادًا للهيمنة الذكورية ونظرة الرجل للمرأة القاصرة من خلال التنشئة التي تربى عليها، ويتجلى ذلك في تفضيل الولد على البنت منذ الصغر، وهذا ينعكس في سلوك بعض الذكور عند الكبر.
تظل قضية حرمان المرأة من ميراثها من القضايا المهمة والحساسة؛ لما شهدته من جدل واختلاف كبير، لكنه حق شرعي وديني وأخلاقي ولا مجال فيه للاجتهاد.
وعلى الرغم من التطور الحاصل في المجتمع اليمني، وما توصل إليه من وعي وفكر، إلا أن حق المرأة لا يزال يغتصب بحجج واهية وباسم العادات والتقاليد التي وقفت عائقًا أمام حصول المرأة على ميراثها، واستخدامها من قبل الكثير للتعدي على المرأة ومنعها من حقها، متخذة من الاحتيال وشهادة الزور والغش والتسلط طرقًا لحرمان المرأة من حقها في الميراث.
لا يعدو ذلك كونه إحياء لسنن قديمة قبل ظهور الدين الإسلامي، استمدت قوتها من صمت أهل السلطة وصناع القرار في أي بلد لا يتخذ إجراءات صارمة لكل من تسول له نفسه السطو على أملاك المرأة مهما كانت الأعذار المقدمة منه.
انتهاك الحقوق
امتلك الرجل عبر التاريخ وسائل عديدة للاستحواذ على المرأة عن طريق الاضطهاد النوعي والأبوي، والذي يعني تفوق الرجل على المرأة، فسيطر عليها وأجبرها على الخضوع والطاعة العمياء له، في تجاهل واضح للحق الشرعي في الإرث.
ومحاولة للتسلط والهيمنة على المرأة، واعتبار كل من تطالب بحقها خارجة عن العرف والتقاليد القبلية، وكأنها اقترفت ذنبًا، فتصبح "مكروهة" من قبل كل أهلها، وكأن ما قامت به عار وعليها أن تتراجع عنه، لكيلا تلعنها العائلة وينالوا منها.
وتعجز العديد من النساء عن الاستمرار في المحاكم للمطالبة بحقوقهن بسبب ما يتعرضن له من ضغوط وتحديات، إلى جانب ارتفاع تكاليف المحامين، وطول أمد المحاكم، وسطوة بعض القضاة ومبالغتهم في طلباتهم، وهو ما يؤدي إلى "إجراء القسمة" (توزيع الإرث) دون مراعاة لظروف المرأة المادية ووضعها النفسي.
يأتي ذلك بالرغم من وجود قوانين واضحة وصريحة تؤكد على حق المرأة في التركة، بحسب المادتين (562) و(307) من قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1998.
يظل زواج البنت من خارج العائلة والقبيلة، شماعة يستخدمها الكثير لحرمها من الإرث، بداعي الخوف من مشاركة "غرباء" في التركة، ويتم تغييب المرأة عند حصر الإرث، وبهذا تتزايد مخاطر حرمان المرأة من الميراث، إلى حدّ تحويله إلى عيب قبلي
تؤكد سلمى أحمد لـ"خيوط"، أنها تعرضت للكثير من المضايقات في المنزل من أشقائها، وعندما توجهت مع والدتها لقسم الشرطة لتقديم شكوى بما تتعرض له من مضايقات وصلت إلى حد محاولة القتل، كان ردّ ضابط الشرطة صادمًا ومحبطًا لها: "أنتِ مَكْلَف"، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات ضد المتهمين وقام بإطلاق سراحهم بعد 14 ساعة من احتجازهم، فما كان منها إلا أن غادرت المنزل مع والدتها تاركة لهم كل شيء ومسلِّمة أمرها، وفق حديثها، إلى "رب السماء".
في السياق، يقول المحامي عزالدين الشدوفي، إن قانون الأحوال الشخصية يضمن حق المرأة في الميراث، وهو حق كفله التشريع والقانون، فهو تشريع إلهي وهنا ينتهي الأمر؛ فالأمر لا يحكمه حياء المستحقة، ولا يتم تفضيل إخوتها الذكور عليها، وقد جرت العادة، للأسف، على التعدي على حق النساء من الإرث، خاصة من قبل الإخوة.
ويرى أن السبب الجوهري في انتشار هذه الظاهرة، يرجع لعدم مطالبة المرأة بحقها؛ مما سمح للرجل باستغلالها واستمرار حرمانها من حقوقها؛ لذا على المرأة ألّا تخاف أو تتنازل عن حقها في الميراث أو الرضوخ تحت التهديد، والتوقيع أو البَصْم على أي أوراق للتنازل دون استشارة محامٍ تثق به.
شماعة الغرباء
تهميش وتبخيس المرأة في بعض المناطق اليمنية، أصبح كحق واجب ينبغي على الرجل ممارسته مختلقًا أعذار الجاهلية وبحجج واهية أن "المكلف مكلف" و"المرأة عورة"، ويدفع البعض للتعامل معها كأداة يمتلكها لخدمته، تابعة له، لا يحق لها حتى قول رأيها، فكيف إن قاسمته إرث والده.
تؤكد أروى أحمد لـ"خيوط"، تهميش طلبها بحقها بحجة كونها "عازبة"، وأن إخوتها في هذه الحالة أوصياء عليها، رغم أنها موظفة ومتحملة مسؤولية المنزل ومسؤوليات والدتها وعلاجها.
ويختلف الأمر بالنسبة لهذه المرأة، بشرى الرداعي، والتي قالت لـ"خيوط": "يتلاعب إخوتي بحقي من الإرث لأنني متزوجة ولا يجب أن يقاسمهم زوجي الغريب عن العائلة أموال والدهم، وكأنه لم يكن يومًا والدي".
ويظل زواج البنت من خارج العائلة والقبيلة، شماعة يستخدمها الكثير لحرمها من الإرث، بداعي الخوف من مشاركة "غرباء" في التركة، ويتم تغييب المرأة عند حصر الإرث وبهذا تتزايد مخاطر حرمان المرأة من الميراث، إلى حد تحويله إلى عيب قبلي.
مبدأ ذكوري
تتفاقم معاناة ومآسي كثير من النساء في اليمن وقد أصبحن فجأة بلا سند ولا أمان، وانهيار الجدار الذي كن يتكئن عليه من أي وجع، وقد فقدت السند والأمان الذي تلجأ إليه كلما أنهكتك الحياة– بعد أن تم حرمانهن من حقوقهن وحياتهن والسطو على أملاكهن دون وجه حق.
هكذا بدأت ريحانة -اسم مستعار- حديثها مع خيوط أثناء لقائنا بها في محكمة ونيابة جنوب شرق أمانة العاصمة صنعاء؛ فالفتاة البالغة من العمر (25 سنة) لجأت لعدالة المحكمة مع والدتها للمطالبة بحقهما من ميراث والدها، بعد أن سطا الشقيق الأكبر على كل أملاك والده بعد وفاته مباشرة.
وتكمل ريحانة بالقول: "لم يعد حرمان المرأة من الميراث مقتصرًا على النساء في القرى والمناطق الريفية، بل امتدّ إلى المدن وانتشر بشكل كبير ومقلق، ويستدعي طرحه ومناقشته في وسائل الإعلام بصورة واسعة وشفافة".
ويقوم الإعلام في كثير من الأحيان بدور سلبي في تسليع وتكريس صور نمطية عن المرأة بنحو كبير، من خلال التركيز على احتياجات المرأة الثانوية، كاهتمامها بالرشاقة والجمال وكيفية الطبخ، وأدّى ذلك إلى إعادة إنتاج قسمة الأدوار التقليدية بين النساء والرجال، وإغفال كثير من الحقوق المنتهكة كحق المرأة في الميراث والتي يجب تسليط الضوء عليها، نظرًا لتفاقم معاناة الكثير من النساء ممن تعرضن ويتعرضن للابتزاز والمضايقات والاعتداءات بسبب مطالبتهن بحقهن بالميراث المكفول شرعًا وقانونًا.