تعاني الستينيّة خديجة، من محافظة حضرموت، من أعراض مرضية جسدية ونفسية مختلفة، بسبب مرض "الزهايمر" الذي تأخرت في تشخيصه مبكرًا، وبعد أن تدهورت حالتها الصحية بشكل كبير.
يقول ابنها الأكبر، محمد عمر (35 عامًا)، لـ"خيوط"، إنّ والدته تعاني منذ ما يقارب 10 سنوات من أعراض صحية مختلفة، بدأت بضغوطات نفسية وقلق شديد انعكس على تعاملها الحادّ والتوتر الذي كان يُلاحظ عليها، وهو ما جعل جميع أفراد الأسرة يتعامل معها بطريقة تراعي كثيرًا ما تمرّ به من أزمة نفسية عميقة، وصولًا إلى الطلب منها عدم القيام بأي أعمال منزلية.
مثل هذا التصرف، في ظل جهل الأبناء بأعراض والدتهم، أثّر عليها بحيث جعلها تعيش في عزلة تامّة لسنوات، ما ضاعف حالتها، وتسبَّبَ لها أيضًا بجلطة خفيفة، إلى جانب إصابتها بمرض "الزهايمر" المزمن وأعراضه الحادّة، وفق قول ابنها الذي يتحسر على تصرفهم الذي جهلوا عاقبته، واعتقادهم أنهم يقومون برعايتها وتخفيف أي أعباء وأعمال عنها.
بعد عرض خديجة على أحد الأطباء، تبيَّن أنّ حالة العزلة الاجتماعية التي تعيشها ناتجة عن مضاعفة إصابتها بمرض "الزهايمر" وأعراضه، وكانت سببًا في ظهور الأعراض الجسدية والصحية الأخرى، التي جعلتها طريحة الفراش، ترافقت معها حالة من النسيان والتذكر اللاواعي، إذ غالبًا ما كانت تنادي ابنها محمد، كما يقول، بأبيها، ولم تعد تتذكر أبسط الأشياء، حتى اسمها.
تشير آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، صادرة في العام 2020، إلى أنّ عدد الوفيات الناتجة عن مرضَي الزهايمر والخرف، في اليمن وصلت إلى 1405 حالات وفاة، فضلًا عن أنّ نسبة الوفيات الناتجة عن مرضَي الزهايمر والخرف السابقة، تمثل نسبة 0,90% من إجمالي وفَيَات الأسباب الأخرى، أي ما يقارب وفاة 19 شخصًا من كل 100 ألف شخص، من أعمار مختلفة، نتيجة للزهايمر والخرف.
فيما كشفت دراسة دولية أخرى، شملت اليمن، عملت على دراسة انتشار الخرف، ومعدل التغيرات في الإصابة، بين 2019، والممكن توقّعها في 2050، بالاعتماد على معطيات معرفية وإمكانات كل دولة، أنّ عدد حالات الإصابات بالخرف في اليمن عام 2019، كانت حوالي 75189 حالة إصابة، في حين توقعت الدراسة أن يصل عدد حالات الإصابة في 2050 إلى حوالي أكثر من 300 ألف حالة؛ بينما كان معدل التغير في تفاقم أو نمو زيادة عدد حالات الإصابة بالخرف 311%.
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإنّ الخرف متلازمة -تتخذ، عادة، طابعًا مزمنًا أو تدريجيًّا- تتسم بحدوث تدهور الوظيفة المعرفية (أي القدرة على التفكير) بوتيرة تتجاوز وتيرة التدهور المتوقّعة في مرحلة الشيخوخة العادية. ويطال هذا التدهور الذاكرة والتفكير والقدرة على التوجّه والفهم والحساب والتعلّم والحديث وتقدير الأمور. ولكنّه لا يطال الوعي. وكثيرًا ما يكون تدهور الوظيفة المعرفية مصحوبًا، أو مسبوقًا في بعض الأحيان، بتدهورٍ في القدرة على ضبط العاطفة أو في السلوك الاجتماعي أو الحماس.
تداعيات الحرب والمرض
ويحدث الخرف بسبب مجموعة مختلفة من الأمراض والإصابات التي تلحق بالدماغ في المقام الأوّل أو الثاني، مثل مرض الزهايمر أو السكتة الدماغية، وهو من أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى إصابة المسنّين بالعجز وفقدانهم استقلاليتهم.
وفق خبراء وأخصائيين، فإنّ القطاع الصحي العام والخاص في اليمن، بما في ذلك الكوادر الطبية، يفتقر للإمكانيات والقدرات التي تستطيع تشخيص المريض منذ بداية أولى علامات ظهور المرض، إضافة إلى مشكلة الجهل بهذا المرض من قبل المجتمع والأسرة، والنظرة الاجتماعية القاصرة تجاه المصاب بالمرض.
كما يعتبر من الأمراض التي لا تُجهِد المصابين بها فحسب، بل تُجهِد أيضًا القائمين على رعايتهم وأفرادَ أسرهم. وهناك نقص في الوعي بالزهايمر أو الخرف وفهمه في غالب الأحيان، ممّا يتسبّب في الوصم ووضع عقبات أمام التشخيص والرعاية، في حين أنّ بإمكانه أن يخلّف آثارًا جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية على من يقومون برعاية المرضى وعلى أسرهم والمجتمع بشكل عام.
ويُعد مرض "الزهايمر" أكثر أسباب الخرف شيوعًا، ومن المحتمل أنّه يُسهم في حدوث 60% إلى 70% من الحالات المصابة، وفق منظمة الصحة العالمية.
ويعتبر الزهايمر مرضًا دماغيًّا متطورًا يدمّر خلايا المخ؛ ويؤدي إلى مشكلات في الذاكرة والتفكير والسلوك، ويؤثّر بشدة في عمل وحياة الشخص المصاب ونمط حياته الاجتماعي، فيتدهور وضع المريض المصاب بمرور الوقت مهدَّدًا بفقدان حياته.
تقول الدكتورة أمل سيف، رئيسة مؤسسة يمن ضد الزهايمر والخرف، في حديث لـ"خيوط"، إنّ هناك عشرة مؤشرات أولية، وصفتها بالتحذيرية، تبدأ بالظهور على المريض، منها: اختلال الذاكرة، انسحاب الفرد تدريجيًّا من الحياة الاجتماعية، صعوبة في إيجاد الكلمات أثناء التحدث، بالإضافة إلى التغيرات الشخصية، وكذلك صعوبة بالغة في اتخاذ القرارات.
وترجح سيف، أنّ "الحرب وتداعياتها المختلفة، تؤدّي إلى تفاقم نسبة المصابين بالزهايمر واختلال الذاكرة وغيره من الأعراض المرافقة لهذا المرض. موضحة أنّ الظروف الاقتصادية السيئة، وانعدام سبل العيش، هما عاملان أساسيان في خلق التوتر والقلق وشحة النوم، والتغيرات الشخصية السلوكية والنفسية، التي بدورها تعتبر مسبِّبات مرض الزهايمر في حال تطورها، ولم تحظَ برعاية على المستوى الصحي والنفسي وحتى التغذوي".
الجهل بالمرض
في السياق، يقول الدكتور خالد جميل، أخصائي صحة نفسية، في حديثه لـ"خيوط"، إنّ القطاع الصحي العام والخاص في اليمن، بما في ذلك الكوادر الطبية، يفتقر للإمكانيات والقدرات التي تستطيع تشخيص المريض منذ بداية أولى علامات ظهور المرض، إضافة إلى مشكلة الجهل بهذا المرض من قبل المجتمع والأسرة، والنظرة الاجتماعية القاصرة تجاه المصاب بالمرض.
ويوضح جميل، أنّ هذا المرض، الذي من المؤكّد أن تكون أعداد الإصابات والوفيات الناتجة عنه كبيرة في اليمن، لو حظي برصد ومتابعة جادّة، يتطلب أولًا إجراءات طبية عند المراحل المبكرة له، ما يحدّ من تطوره إلى المراحل الأخرى وحدتها التي تصل غالبًا بالمريض إلى الوفاة، ومن تلك الإجراءات الطبية، فحوصات سريرية باستمرار، وتصوير دماغي، وفحوصات مخبرية، إضافة إلى ذلك، تكيف الأسرة مع وضع المريض، ومساعدته أسريًّا ونفسيًّا وحتى على مستوى التواصل، وغير ذلك.
وإضافة لما سبق، تندر المؤسسات والمراكز المتخصصة في اليمن، سواء الحكومية أو الخاصة، ذات الاهتمام بمرض الزهايمر أو الخرف، الذي يحظى في الكثير من الدول الأخرى، باهتمامٍ بالغ، كونه واحدًا من الأمراض المزمنة التي تتطلب متابعةً متواصلة وخططًا علاجية وتوعوية متواصلة، لتهدئة المريض، وعدم تضاعف حالته، كون ذلك المرض ليس له علاج ينهي المرض كليًّا، وإنّما محاولة عدم تقدّم حالة المريض للأسوأ، التي نهايتها الوفاة بسبب المضاعفات.