"دار الفلك دار"
الشِّحر والسِّحر بصوت المرشدي
(خيوط)
كلمات: حسين أبوبكر المحضار
لحن: محمد مرشد ناجي
غناء: محمد مرشد ناجي
لحّن وغنّى الفنان محمد مرشد ناجي عشرات القصائد لشعراء مختلفين من كل اليمن، كتبوا نصوصهم باللهجات المحلية للمناطق التي ينتمون إليها، لهذا سيجد المستمع أغانيَ بصوته، بلهجات أهل صنعاء ولحج وعدن ويافع وتهامة وتعز والمناطق البدوية وحضرموت التي غنّى بلهجتها قصائد عديدة، ومنها قصيدة (دار الفلك دار وعزمت السفر) التي كتب كلماتها الشاعر حسين أبوبكر المحضار وأسبغ عليها المرشدي سحرًا خاصًّا، حتى إن المحضار حينما سُئل عن لحنها البديع قال إنها تمرشدت؛ أي إنها اكتسبت خصوصية المرشدي في اللحن والأداء.
تقول كلماتها:
دار الفَلَك دار وعزمت السفر
قريب بابدل بداري دار معمورة وديرة غير ذا الديرة
لكن قلبي ما رضي يختار غير «الشحر» لأوليته الخِيرة
حبـه وتقديره لها من سمح ولها العز والمقدار
***
وطني وفيه الساس والآثار كم نسعد ونتأثر بتأثيره
دايم وانا فوقه محلق فار حاشا تهجر الوادي عصافيره
تزدني الغيرة ونتشوق إلى شمسه وظل الغار
***
زماني الجاير عليَّ جار سبّب لي فراق الأهل والجيرةْ
والبعد قد أضحى لحالي ضار وأضنى غصني الباسق وهو ضيرةْ
نقطع مناشيره وسط قلبي كما ما يقطع المنشار
ودّعت أحبابي وداعًا حار لي منه ذهاب العقل والـحِيرةْ
وأعطيتهم وأعطوني الأسرار والحُسّاد ما جبنا لهم سِيرةْ
خايف من النِّيرة وخايف تشتعل بعدي عليهم نار
***
جديت عزمي بقطع المشوار من له حظ با يقطع مشاويره
ونعود لا قد طالت الأعمار والخارب يجود الله بتعميره
راجين من خيره يساعدنا ويسعدنا كما الأخيار(1)
***
عن الشاعر
وُلِد في مدينة الشحر الساحلية بحضرموت، في العام 1930، وتُوفي في 5 فبراير2000. أحد أبرز شعراء الأغنية اليمنية بخصوصيتها الحضرمية، رفد الساحة الأدبية والفنية -على مستوى الإقليم اليمني والجزيرة العربية- بأجمل القصائد وأعذب الألحان. جاء شعره غزير المفردات، سلِس العبارات، جميل المعاني والصور، فرفع إنتاجه الشعري إلى مستوى الرقي والإجادة في الشعر الغنائي بعد أن مرَّ فيها ذلك الشعر بمرحلة من الجمود والركود. كانت لمشاركاته في مدارات الشرح (الرقص الشعبي) أثرها على شعره، فقد كان يشارك فيها بالرقص وارتجال الشعر، ويتذوق ما يقوله شعراؤها فيها من أشعار، ومكّنه ذلك من اكتساب أذن موسيقية ذات خبرة بتنوع الإيقاعات الشعبية الراقصة على اختلافها وتنوعها، فأضاف له موهبة جديدة هي موهبة التلحين، ساعده ذلك في تركيب قصائد على ألحان وإيقاعات شعبية. كان لترحاله في قرى ومدن وبوادي حضرموت أثرٌ كبير في مخيلته، بما تميزت به تلك البيئات من طبيعة متنوعة تعددت فيها الصور، وقد امتلأ شعره، لذلك، بكل مظاهر البيئات التي عرفها(2).
شكّل ثنائيًّا ملهمًا مع الفنان الراحل أبوبكر سالم بلفقيه، وجعلا من اللون الحضرمي الجديد يتمدّد في ثنايا خارطة الاستماع داخل اليمن وخارجها، وإنّ معظم الأغاني التي أدّاها أبوبكر وكتب كلماتها المحضار هي من ألحان الأخير، ويروى عنه أنّ البُنى الإيقاعية والجُمل اللحنية كان يصيغها في تمثيلاتها الصوتية على أدوات يستخدمها مشاعة في معاشه اليومي، مثل (الصحون وصناديق الكبريت الورقية)، وشكّلت في مجملها مفاتيح مهمة للفنان للمراكمة عليها موسيقيًّا بواسطة آلات حديثة مع تدخلات صغيرة لخدمة النص المُغنَّى(3).
أصدر أربع مجموعات شعرية، هي: «دموع العشاق» (1966)، «ابتسامات العشاق» (1978)، «أشجان العشاق» (1999)، «حنين العشاق» (1999).
عن الفنّان
عمل الفنان الراحل محمد مرشد ناجي لأكثر من ستة عقود، على التأصيل للفن اليمنيّ بكل ألوانه، وغنّى لمعظم شعرائه الروّاد، لهذا عرفته اليمن بسهولها وجبالها ومدنها وقراها، غنَّى للإنسان والأرض والثورة والعشاق، أطرب وأرقص ونوَّر وثوّر.
لم يكتفِ بالتلحين والغناء، بل نظر للفنّ وألوانه، وهو الذي حُرم من منحة لدراسة الموسيقى لأسباب سياسية اتصلت بمواقفه الوطنية المناهِضة للاستعمار، والتي توّجها بانخراطه في الجبهة الوطنية المتحدة التي قادت تظاهرات ضدّ السياسات التمييزية للمستعمر ضد أبناء اليمن عمومًا، المظاهرات التي عُرفت في الأدبيات السياسية بمظاهرات إسقاط انتخابات المجلس التشريعي أواسط خمسينيات القرن الماضي.
الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين، أصدر في العام 1959، كتابًا هو الأول من نوعه في مجال التنظير الموسيقيّ في ذلك الوقت، أسماه "أغانينا الشعبية"، وقال فيه:
"عندما كتبت (أغانينا الشعبية)، لم يكن الهدف من الكتابة تناول قضايا فنية بحتة حول الأغنية الشعبية في اليمن، والقصور في هذا الجانب واضح كلّ الوضوح، وكان القصد والمراد هو خدمة أهداف الجبهة الوطنية المتحدة 1955م، والتي كان لي شرف الانتماء إليها متأخرًا كعضو في هيئتها التنفيذية العليا".
وهو في الحادية والعشرين من عمره، لحّن وغنّى قصيدة "هي وقفة" للشاعر محمد سعيد جرادة، والتي لم تبلَ حتى اليوم بعد أكثر من سبعين سنة على ظهورها الأول المدهش.
غنّى لتهامة رائعة الشاعر العنسي: "شابوك أنا وامْرِفَاق بكرة، أرض امْجَبل ما نبا امْسَاحل"، وغنّى من حضرموت رائعة المحضار: "دار الفلك دار" حينما سكب فيها من روحه اللحني البديع، ولصنعاء غنّى مُجِّددًا رائعة القاضي عبدالرحمن بن يحيى الآنسي المشهورة: "عن ساكني صنعاء حديثك هات وا فوج النسيم".
غنَّى من اللون اليافعي قصيدة "يحيى عمر قال يا طرفي لمَه تسهر"، وغنّى من اللون البدوي قصيدة أحمد الجابري "على مسيري على مسيري أَلَا بسم الله الرحمن".
هو أحد الملهمين الكبار للون الغنائي التعزي بخصوصيه الحجرية حين غنّى باكرًا للدكتور سعيد الشيباني "يا نجم يا سامر"، ثم لأحمد الجابري "أخضر جهيش مليان"، وعبدالله سلام ناجي "قطفت لك كاذي الصباح بكمّه"، وسلطان الصريمي قصيدة السياسية "نشوان".
وغنّى باللون اللحجي الكثير، ومنها رائعتَا الشاعر عبدالله هادي سبيت: "يا بن الناس حبيتك"، و"لا وَين أنا لا وَين".
وهو أولًا وقبل كل شيء، أحد مجدِّدي اللون الغنائي العدني، حين غنّى الكثير من قصائد لطفي جعفر أمان والجرادة وغيرهما. إنه باختصار، المرشدي الصوت الذي تقطَّرت اليمن في ألحانه وغنائه، ولهذا سيبقى صوتًا صدّاحًا خالدًا(3).
الهوامش:
(1) شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، 2005، الجزء 3، ص354.
(2) شعر الغناء اليمني، سابق، ص 19و20.
(3) ينظر:https://www.khuyut.com/blog/bashil-hubak
(4) ينظر: https://www.khuyut.com/blog/people-song