رقص على إيقاعات "الزوامل" وليس القتال على حماستها

حين تتجمل مناطق الجنوب اليمني بالفنون والأهازيج والفرح
مرفت الربيعي
July 1, 2024

رقص على إيقاعات "الزوامل" وليس القتال على حماستها

حين تتجمل مناطق الجنوب اليمني بالفنون والأهازيج والفرح
مرفت الربيعي
July 1, 2024
.

تعد المناسبات المختلفة والمهرجانات والألعاب التراثية تظاهرة ثقافية وفنية وإنسانية مميزة، تهدف إلى التواصل الفني الثقافي، وتبرز الحضور الاجتماعي والوعي الثقافي للمناطق المتعددة والمتنوعة بطقوسها وموروثاتها وأهازيجها. فقد ارتبطت منذ قديم الزمن بحياة الإنسان عبر مراحل طويلة من التاريخ بسبب ارتباطها الوثيق بنمط حياة المجتمع.

من هذه الموروثات والفنون الزاخرة تأتي "الزوامل" التي تعتبر، كما يلاحظ في كثير من المحافظات اليمنية مثل المهرة و سقطرى وشبوة وغيرها من مناطق ومحافظات خصوصا في الجنوب اليمني، من الأهازيج الفنية المرتبطة بطقوس المجتمع وفنون احتفالاته ومحاكاته في المناسبات المتعددة والمختلفة.

يقول الباحث في مركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث سعد كلشات، لـ"خيوط،" إن "الزوامل" والقصائد تختلف من منطقة لأخرى، والبعض كلماتها مستخدمة منذ عقود من الزمن، مشيرا إلى زوامل (الهبوت،) أو "الرجزيت،" بالمهرية.

ويعتبر (الرجزيت) "صوت الدان دان باللغة المهرية" بحسب كلشات. وهو عبارة عن صفين، وتكون محاورة بين شاعرين، وفي بعض الأحيان يتم الرقص واللعب بالسيوف، في حين يختلف عنه "الهبوت" بالعربية من ناحية اللحن، فقد يكون شرقيا أو بدويا، وتكون محاورة بين شاعرين لمناقشة بعض القضايا.

في سقطرى يتم ذلك في المناسبات بطريقة فردية، فهناك العديد من الرقصات، منها (السيبيح، الرزحة، المولد، الزامل، الشرح،) بينما يتواجد الزامل في قاضب، وفق حديث الناشط الاجتماعي في سقطرى سمير بن قبلان لـ"خيوط،" في حين توجد بقية الرقصات في مناطق أخرى كمدينة "حديبو وقلنسية."

تتنوع الرقصات والألعاب الشعبية التقليدية التي تقام ابتهاجا بالمناسبات والأفراح والاحتفالات في مناطق ومحافظات الجنوب اليمني، منها رقصات الزوامل المختلفة، والبرع والمطالع في حضرموت. وهناك من الرقصات الكثير في لحج إلى جانب برع الزامل، وبرع المدحجية، والحَفَّة اليسلمية، إذ يتجاوز عدد الرقصات والبرعات في يافع العشرين. وأهم خصائصها أنها تعتمد في الأساس على حركات الأرجل وبراعتها في التنقل والحركة.

توضح الناشطة الاجتماعية المهرية نور عبد العزيز من جانبها لـ"خيوط" أن "الزوامل" من طقوس الاحتفال بالمناسبات في المهرة، حيث يجتمع الناس في الساحات وينتظمون في صفوف يتقدمهم كبار السن وينشدون "الزوامل." وتضيف: تُلقن أبيات الشعر والقصيد لصفوف المشاركين ويتحركون وهم يرددون تلك الأبيات، ويرقص الشباب (البرع) أمام تلك الصفوف حاملين في أيديهم الخناجر أو سيوفا أو بنادق، ويستمر المشي حتى أول منزل لشيخ المنطقة أو لمنصبها، ويكون ذلك رمزا خاصا بالمناسبات قديما وحديثا، وتستمر إلى وقت الظهيرة في بعض المناطق.

"زوامل" وبرع المراجز في حضرموت

تزخر حضرموت ساحلها وواديها بالكثير من العادات والتقاليد الضاربة في جذور التاريخ، والتي مارسها وتوارثها المجتمع منذ سنوات طويلة في الماضي والحاضر.

يقول أحمد باحمالة، رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية، لـ"خيوط" إن هناك العديد من الرقصات التي تقام خلال المناسبات المختلفة، منها "البرعة" الحضرمية، ولعبتا (الشبواني، و الشواني،) والمطالع منها ( الخليف، وعيديد، والمحيضرة،) والطنبرة، لكن كثير منها اندثرت. "

ويضيف باحمالة: منذُ زمن كانت تقام رقصة البرع في عينات وشبام وبعض مناطق حضرموت، غير أنها في عينات تقام تحت بيت المنصب ولها ارتباط مباشر بمقام منصب "آل الشيخ" أبي بكر، و تاريخها غير معروف، ومن الأرجح أنها جاءت أثناء حكم الدويلات "اليافعية" في حضرموت."

وتعتبر البرع رقصة تراثية في حضرموت ارتبطت بالأعياد والعادات والتقاليد، وتنقسم إلى إيقاعين "خفيف للصغار، ورزين للكبار."

أما لعبة الشبواني (العدة) من الألعاب الشعبية التي تحظى بحضور كبير في حضرموت، فيما تُعرف في ساحل حضرموت "بالشواني" وتختلف قليلا عن "الشبواني" إذ إنها تأخذ شكل لعبة قتالية، وتُلبس الرمال على الرأس وتُحمّل "العصا" في اليد، ويقومون بطريقة الكر والفر في اللعبة مع ترديد قصائد الزوامل.

وفي مدينة "عينات" شرق تريم بحضرموت، تنظم المهرجانات المناسباتية، والألعاب الشعبية والتراثية. يوضح الباحث وليد الصبان، لـ"خيوط،" أن هناك العديد من الألعاب التراثية تقام ابتهاجا بالمناسبات العيدية الخاصة والعامة المختلفة. منها "المراجز،" و زوامل "الفرنجلة" التي تمر في أحياء وشوارع المدينة بإيقاعات البرع والتمسية التراثية، و"الطيالة،" ولها أكثر من إيقاع، وهناك "الدحافة،" "الحفة،" و"البني مغراة،" و"السناوة،" والزربادي." 

رقصات الزوامل اليافعية وسيد المطالع

وتتنوع الرقصات والألعاب الشعبية التقليدية التي تقام ابتهاجا بالمناسبات والأفراح والاحتفالات في مناطق ومحافظات الجنوب اليمني منها رقصات الزوامل المختلفة، والبرع والمطالع.

يتطرق الباحث الصبان في هذا الخصوص إلى "المطلع،" موضحا أنه" احتفال سنوي في حضرموت قديم ومتوارث لعدة وحواف "الشبواني" حيث تشارك فيه مع "الحويف" المتحالفة معها، والتي ترتبط باتفاقيات وعهود قديمة ومتجددة، وأشهرها مطلع زيارة الحول لحافة الحوطة بسيئون، ويطلق عليه "مطلع المطالع" أو "سيد المطالع،" أو" سلطان المطالع" في شبام.

 ويشارك "سرية الشبواني" للعدة المنظمة للمطلع أعضاء من "العُدد" الآخرى بشكل فردي لتصل إلى ساحة السمر أو مدارة "شعر الشبواني." لتبدأ جلسات السمر الشعرية للشعراء المشاركين في المطلع، فيلقي كل شاعر قصيدته المطولة ويبدأ السمر شاعر العدة المنظمة، ويليه الشاعر من المنطقة الأقرب لمنطقة المطلع، وهكذا إلى أن ينتهي آخر شاعر مختتما قصيدته بدعوة جميع الشعراء المشاركين للمبارزة النهائية في شعر ارتجالي ليختم به فعاليات المطلع.

في السياق نفسه هناك تنوع فريد بالفنون والأهازيج في مناطق محافظة لحج. لكن بالنظر لظروف البلاد وشحة الإمكانيات، غابت المهرجانات والفعاليات واقتصرت جلسات الطرب على بعض المنتديات الثقافية في المحافظة كما يقول لـ"خيوط،" باسل فيصل علوي، مدير مكتب الثقافة في لحج.

في حين يشير عوض العمري، من سكان يافع، إلى مظاهر الاحتفال في يافع. "يتمثل الاحتفال بتقليد سنوي للتراث تشارك فيه قبائل يافع بالتظاهر الرجالي وعروض الأزياء التراثية اليافعية، والزوامل، ورقصات البرع العسكرية، من الرقصات البرع."

وهناك من الرقصات الكثيرة إلى جانب برع الزامل، وبرع المدحجية، والحَفَّة اليسلمية إذ يتجاوز عدد الرقصات والبرعات في يافع العشرين، وأهم خصائصها أنها تعتمد في الأساس على حركات الأرجل وبراعتها في التنقل والحركة المتوازنة مع ضربات الإيقاع.

محاكاة "طيالة" الفرقة النحاسية

بالمقابل تحتفظ مدينة شبام حضرموت منذ مئات السنين بعادات وتقاليد فرائحية متفردة للاحتفال بالمناسبات. تتقدم فرقة "الطيالة" ببيارقها، وحملة الرايات في موكب فرائحي مهيب إلى ساحة الحصن أمام قصر الحكم ويتزاحم الأهالي في مشهد لا يتكرر إلا في المناسبات الاجتماعية والعيدية والفرائحية، وفق حديث عبد الله بن سميط الناشط الاجتماعي في مدينة شبام بحضرموت لـ"خيوط." مضيفا: "تقرع الطبول والبرعة، وتمشي خلف "الطيالة" الفرقة النحاسية وهي محاكاة للفرقة الموسيقية السلطانية."

تعتبر "الفرنجلة" عادة تراثية تميزت بها مدينة عينات وتتكون من زامل مصحوب بإيقاعات تراثية تستخدم فيها العدة الإيقاعية، بينما يُعد "الزربادي،" من أعرق الرقصات الشعبية في وادي حضرموت، ويرجح أن أصلها يعود إلى عائلة "الزربادي" التي سكنت مدينة الغرفة في وادي حضرموت، فقد اشتهروا بإتقان هذه الرقصة ونشرها في مختلف مناطق حضرموت.

كان قديما ينظم احتفال بساحة القصر السلطاني بالمكلا، تعزف فيه الفرقة النحاسية مقطوعاتها الموسيقية على إيقاع الحركات "الأكروباتية" لطلاب المدارس العسكرية، وتشارك فرق مختارة من التشكيلات والوحدات العسكرية والأمنية القعيطية، وكانت من أضخم الاحتفالات بالعيد على مستوى شبه الجزيرة العربية آنذاك.

ومثلها تنظم الاحتفالات في محافظة لحج إبان حكم "السلطنة العبدلية" حيث تطلق المدافع لقدوم بعض المناسبات، وكانت الفرقة النحاسية العسكرية تعزف مقطوعات الأناشيد والأغاني.

إيقاعات روح البهجة

وتعتبر "الفرنجلة" عادة تراثية تميزت بها مدينة عينات، وتتكون من زامل مصحوب بإيقاعات تراثية تستخدم فيها العدة الإيقاعية، ويقال (إنها كانت تزف بها بنت السلطان إلى عروسها قديما، وأصل الكلمة الفرنجة" يرجح أنها ذات أصول تركية لارتباط السلاطين قديما بالخلافة الإسلامية العثمانية.)

 ويشير الصبان إلى "الزربادي" التي تُعد من أعرق الرقصات الشعبية في وادي حضرموت، ويرجح أن أصلها يعود إلى عائلة "الزربادي" التي سكنت مدينة الغرفة في وادي حضرموت، فقد اشتهروا بإتقان هذه الرقصة ونشرها في مختلف مناطق حضرموت، وتتميز بإيقاعاتها الحماسية وأهازيجها المُلهمة، وخطواتها البسيطة والمتكررة، حيث يرتدي اللاعبين الزي التقليدي الحضرمي ويتحركون في دائرة أو مربع حول الفرقة الموسيقية، مع رفع أيديهم وتلويحها بانسجام مع الإيقاع، وتُجسد روح البهجة في مختلف المناسبات الاجتماعية والأعياد."

بينما تعد "الطمبرة" بحسب الصبان، لعبة تراثية في مدينة تريم يرجح أصولها لإفريقيا تؤديها القبائل التي تعود أصولها إلى السواحل والنوبة، وقد تم إحياؤها مؤخرا.

ويؤكد الصبان أنه يسعى إلى توثيق هذه الرقصات والألعاب التراثية في منتدى عينات التنموي للحفاظ عليها من النسيان ومحاولة تعليمها إلى الأجيال القادمة من خلال تنظيم أكثر من مهرجان "الأحفاد على طريق الأجداد."

وفي محافظة شبوة كان هناك ما يسمى "كوميديا الصعيد" قديما،" و هي نوع من الترفيه في تلك الفترة، ويحضرها المشائخ وأبناء المدينة، إذ يلفت الباحث علي بانافع، لـ"خيوط" إلى "الهِجَة،" وهي لعبة تمارس أيام المناسبات بعد "الشَّرح،" وتتكون اللعبة من فريقين للدفاع والهجوم والمنافسة، ويتخللها ترديد هذا الزامل والأهزوجة: 

"واهجه الليلة هجه... عادني بالعبوه

يا هيج يا هيج الليلة ... يا اللاعبين في السيلة

ساري سرى ما شي حنق منه.... ومن حنق منه ينام عند أمه."

وتُبذل جهود حثيثة من قبل المؤسسات والمنتديات الثقافية والمبادرات للحفاظ على ما تبقى من هذه الألعاب والرقصات التراثية، سواء عن طريق إحيائها في المناسبات والأعياد، أو توثيقها بجهود ذاتية في ظل غياب الدعم الحكومي.

•••
مرفت الربيعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English